باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
النهار
قال الباحث في ملف الإعجاز العلمي في القرآن ، الطبيب الدكتور محمود عبد
الله نجا، الأستاذ بكلية طب المنصورة، إن الليل في القرآن ليلان، حيث أن ليل السماء
أو الظلمة الكونية، وهو ليل مكاني لا ينشأ عنه زمان، وهو يغشى كل أجرام السماء بما
في ذلك الشمس والأرض، فالشمس لا تقدر على تبديد ظلمة الليل وتحويلها إلى نهار،
بينما ليل الأرض أو ظلمة الأرض، وهي الظلمة التي تعقب زوال النهار. وليل الأرض في الأصل
جزء من ليل السماء أو الظلمة الكونية، ولكن يتميز عنها بأنه ليل مكاني وزماني في نفس
الوقت، فتقلبه مع النهار، ينشأ عنه عد الزمان.
وتابع أن هذا يعني أن النهار حدث عارض بالنسبة لسكان الأرض حين يواجه غلافهم
الجوي أشعة الشمس فيجليها، ويتجلى بها، ولكن نهار الأرض الذي يحدث بسبب غلافها الجوي
لا يزيل غشاوة الليل عن الشمس، أقصد الليل الكوني، فيصبح النهار وكأنه قشرة رقيقة تغطي
جزء من الأرض، وتمنع عيوننا من رؤية الليل الذي يعلوها ويغشى السماء بما فيها الشمس،
وهذا الوصف مذكور بحذافيره في القرآن، حيث قال الله في كتابه الكريم" ءأنتم أشد
خلقا أم السماء بناها، أغطش ليلها، واخرج ضحاها" ، مشيرا إلى أن هذا ليل السماء
أو الظلمة الكونية الذي يغشى كل اجرام السماء، وأخرج ضحى بعض أجرامها مثل ضحى شمسنا،
أي ضوءها وحرارتها، قال الله (والشمس وضحاها)، وبرغم ضحى الشموس أو النجوم، إلا أن
ليل السماء حالك السواد (أغطش ليلها)، فلا يبدده الضحى، ولنا أن نتعجب كيف يحدث النهار
على أرضنا إذا كانت السماء شديدة الظلام.
وأشار إلى أن إغطاش الليل لا يتحقق للغلاف الجوي للأرض منذ خلقه الله، ففي النصف الغير مواجه للشمس من الأرض، يكون الغلاف الجوي مُعرض للقمر، والنجوم ويقوم بتشتيت اضواءها فيمكن الرؤية بعض الشيء وخصوصا في الليالي المقمرة، فلا يمكن أن نقول بأن آية (أغطش ليلها)تصف ليل الأرض، فهو ليس حالك السواد كليل السماء. بينما السماء الكونية لا تشتت اضواء اجرامها فتبدو حالكة السواد، وصدق الله لما قال بانه لو فتح لنا بابا من السماء لسُكرت الابصار، فهذه هي السماء ذات الليل حالك السواد.
ومن الإعجاز أن الله وصف ليل السماء بالإغطاش، ولم يصف ليل الأرض بمثل هذا الوصف، حيث قال الله تعالى"يغشي الليل النهار"، وقال (والليل إذا يغشاها)، أي يغشى الشمس، ولم يحدث أن قال الله بأن النهار يغشى الليل، لان الأصل أن الليل الكوني هو الذي يغشى الشمس ويغشى النهار، أي يغطي الشمس ويغطي النهار، فهو ممتد من الشمس الى طبقة النهار الرقيقة، ولولا الغلاف الجوي للأرض ما كان هناك نهار، ولأحاطت ظلمة الليل بالأرض كلها وغطتها كما تحيط بالشمس وتغطيها.
والتغشية غير التغطية، فالغشاء قد يكون شفاف يصف ما خلفه،
واما الغطاء فلا يشف ما خلفه، ولذا وصف التغشية في الآيتين أدق من التغطية، فالليل
لا يحجب رؤية اجرام السماء لامعة مضيئة، وحتى لو خرجنا خارج الغلاف الأرضي للأرض، لرأينا
سماء مظلمة لا نرى فيها ما حولنا، وكأنه قد
سُكرت أبصارنا، ومع ذلك تبدو اجرام السماء لامعة ولكن ضوءها لا اثر لها في تبديد ظلمة
السماء، مصداقا لقوله تعالى "وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون"
منوها إلى أن هذا هو الليل الكوني الممتد من الأرض الى السماء ليغشى كل اجرامها، ثم
تأتي طبقة النهار لتفصل جزء من الأرض عن هذا الليل الكوني في شكل طبقة رقيقة أشبه ما
تكون بجلد كائن حي، وهي في حالة انسلاخ مستمر، ليعود ليل الكون إلى تغطية الأرض بظلمته،
فيكون ليل الأرض المظلم، فليل الأرض هو غياب فتونات الضوء عن غلافها الجوي.
وتابع أن قوله تعالى (والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها،
والليل إذا يغشاها)، مع أن هناك ضحى للشمس إلا أنه غير قادر على تبديد الظلام الكوني
الممتد بين الشمس والأرض، فالذي يبدد ظلام الأرض هو نهارها أو غلافها الجوي عندما يشتت
اشعة الشمس فيجلي الشمس، ثم يتجلى بها، (والنهار إذا جلاها)، (والنهار إذا تجلى)، ومع أن الشمس قد تجلت لنا تجلي مؤقت، مقداره مدة مواجهة الغلاف الجوي لجزء من الأرض للشمس،
إلا ان ذلك لا ينفي ان الشمس مازالت مُغطاة بالليل، فقال الله (والليل إذا يغشاها)،
والنهار أيضا مازال مُغطى بالليل الكوني، فقال الله (يغشى الليل النهار)، فالذي يغشى
الشمس والنهار هو الليل الكوني، وليس ظلام الأرض في الجزء البعيد عن الشمس، فظلام الأرض
لا يتحرك ليغطي الشمس كما قد نظن.
وأكمل : أن ظلام الأرض هو غياب لطبقة النهار، ولذا نجد الفعل (جلاها، وتجلى)
الذي يصف النهار في الماضي، بينما الفعل (يغشاها، ويغشى) الذي يصف الليل في المضارع،
ومن وظائف المضارع استحضار صورة الشيء في الماضي والحاضر والمستقبل، فالليل يغشى الشمس
منذ أن خلقها الله، أقصد الليل الكوني، وعليه فالنهار في حالة حركة مستمرة ليجلي الشمس
ويتجلى بها، او حالة انسلاخ دائم بدوام دوران الأرض امام الشمس، وأما ليل الأرض فلا يتحرك لتغطية الشمس، ولكن تظهر
ظلمته بغياب النهار.
وأشار إلى قد يقول قائل ولكن القرآن ذكر حركة الليل في أكثر من موضع في القرآن،
فكيف تنكر حركة الليل؟ فأقول وبالله التوفيق، الليل المتحرك في القرآن هو ليل الأرض
وليس ليل السماء او الليل الكوني الذي يغشى السماء والشمس بصفة مستمرة. وكما سبق وقلت،
ليل الأرض هو الظلمة التي تأتي بعد انسلاخ النهار، هذه الظلمة هي الموصوفة بالحركة
بالنسبة لعيون سكان الأرض، فيقول الله:
والليل إذا عسعس
والليل إذ أدبر
يقلب الله الليل والنهار
يكور الله الليل والنهار
تولج الليل في النهار
خلق الليل والنهار كل في فلك يسبحون
جعل الليل والنهار خلفة
ولا الليل سابق النهار
وأوضح أنه في كل هذه الآيات السابقة لا توجد علاقة بين الليل والشمس، فليس في القرآن علاقة مباشرة بين الليل والشمس إلا في آية واحدة وهي (والليل إذا يغشاها)، وهذا ليل السماء أو الظلمة الكونية، وأما باقي آيات حركة الليل فالمقصود بها الجزء من الأرض الذي غاب عنه النهار، فنرى بأعيننا الليل والنهار يتعاقبان علينا، ويخلف أحدهما الآخر، ويتكور أحدهما على الآخر، فكل حركة لليل في القرآن هي وصف لما تراه العيون على أرضنا، وليس فيها ربط بين ليل الأرض والشمس، فليل الأرض لا علاقة له بالشمس، والله تعالى أعلى وأعلم.