حسان بن عابد: المهارات الغريزية في عالم الحيوان دلالة واضحة على العناية الإلهية (فيديو)
- السبت 23 نوفمبر 2024
المفكر الإسلامي محمد داود
فسر المفكر الإسلامي، محمد داود، قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَقُلِ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَن شَاۤءَ فَلۡیُؤۡمِن وَمَن شَاۤءَ فَلۡیَكۡفُرۡۚ إِنَّاۤ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّـٰلِمِینَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَاۚ وَإِن یَسۡتَغِیثُوا۟ یُغَاثُوا۟ بِمَاۤءࣲ كَٱلۡمُهۡلِ یَشۡوِی ٱلۡوُجُوهَۚ بِئۡسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاۤءَتۡ مُرۡتَفَقًا﴾، مؤكدًا أن الآية تقرر قاعدة مهمة في العدالة الإلهية ، وهي (أنت حر... أنت مسؤول) فأنت لك حرية الاختيار بشرط أن تتحمل مسؤولية اختيارك.
وبين أن الآية تؤكد
حقيقة قرآنية في الإيمان بالله تعالى وهي أنه لا إكراه في الدين، وإنما الإيمان
اختيار، وذلك لأن الإكراه على الفضائل لا يصنع الإنسان
الفاضل، والإكراه على الإيمان لا يصنع الإنسان المؤمن... الإيمان اختيار عن اقتناع.
وَقَوْلُـهُ
تعالى
:
﴿وَإنْ يَسْتَغِيثُوا﴾، يَعْنِي إنْ يَطْلُبُوا الغَوْثَ مِمّا هم فِيهِ مِنَ
الكَرْبِ، {يُغاثُوا} ، يُؤْتَوْا بِغَوْثٍ هو ماءٌ كالمُهْلِ، والمُهْلُ في اللُّغَةِ: يُطْلَقُ عَلى
ما أُذِيبَ مِن جَواهِرِ الأرْضِ، كَذائِبِ الحَدِيدِ والنُّحاسِ، والرَّصاصِ
ونَحْوِ ذَلِكَـ وَيُطْلَقُ أيْضًا عَلى دُرْدِيِّ الزَّيْتِ
وهو عَكَرُهُ.
والمُرادُ
بِالمُهْلِ في الآيَةِ: ما أُذِيبُ مِن جَواهِرِ الأرْضِ. وقِيلَ: دُرْدِيِّ
الزَّيْتِ. وقِيلَ: هو نَوْعٌ مِنَ القَطِرانِ. وقِيلَ السُّمُّ، فَإنْ قِيلَ: أيُّ إغاثَةٍ في ماءٍ
كالمُهْلِ مَعَ أنَّهُ مِن أشَدِّ العَذاب؟ وكَيْفَ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يُغاثُوا بِماءٍ كالمُهْلِ﴾ [الكهف: ٢٩] .
فالجَوابُ أنَّ
هَذا مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ الَّتِي نَزَلَ بِها القُرْآنُ. لإفادة
أنهم إذا كانُوا لا يُغاثُونَ إلّا بِماءٍ كالمُهْلِ عُلِمَ مِن ذَلِكَ أنَّهم لا
إغاثَةَ لَهُمُ البَتَّةَ.
والياءُ في
قَوْلِهِ ”يَسْتَغِيثُوا“ والألِفُ في قَوْلِهِ ”يُغاثُوا“ كِلْتاهُما مُبْدَلَةٌ
مِن واوٍ؛ لِأنَّ مادَّةَ الِاسْتِغاثَةِ مِنَ الأجْوَفِ الواوِيِّ العَيْنِ،
ولَكِنَّ العَيْنَ أُعِلَّتْ لِلسّاكِنِ الصَّحِيحِ قَبْلَها، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ
في الخُلاصَةِ: لِساكِنٍ صَحَّ انْقُلِ التَّحْرِيكَ
مِن ذِي لِينٍ آتِ عَيْنَ فِعْلٍ كَأبِنْ.
وسر قَوْلُهُ
تَعالى: ﴿يَشْوِي الوُجُوهَ﴾، أيْ: يَحْرِقُها حَتّى تَسْقُطَ فَرْوَةُ الوَجْهِ،
أعاذَنا اللَّهُ والمُسْلِمِينَ مِنها وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ في تَفْسِيرِ هَذِهِ
الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّهُ قالَ: «﴿كالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ﴾، هو كَعَكَرِ
الزَّيْتِ فَإذا قَرُبَ إلَيْهِ سَقَطَتْ فَرْوَةُ وجْهِهِ»،
وَقَوْلُـهُ
تعالى : ﴿بِئْسَ الشَّرابُ﴾ المَخْصُوصُ بِالذَّمِّ فِيهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ:
بِئْسَ الشَّرابُ ذَلِكَ الماءُ الَّذِي يُغاثُونَ بِهِ.
والضَّمِيرُ
الفاعِلُ في قَوْلِهِ ”ساءَتْ“ عائِدٌ إلى النّارِ، والمُرْتَفَقُ: مَكانُ الِارْتِفاقِ.
وأصْلُهُ أنْ يَتَّكِئَ الإنْسانُ مُعْتَمِدًا عَلى مِرْفَقِهِ، ولِلْعُلَماءِ في
المُرادِ بِالمُرْتَفَقِ في الآيَةِ أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ في المَعْنى. قِيلَ
مُرْتَفَقًا. أيْ: مَنزِلًا، وهو مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبّاسِ. وقِيلَ مَقَرًّا،
وهو مَرْوِيٌّ عَنْ عَطاءٍ. وقِيلَ مَجْلِسًا وهو مَرْوِيٌّ عَنِ العُتْبِيِّ.
وقالَ مُجاهِدٌ: مُرْتَفَقًا أيْ: مُجْتَمَعًا. فَهو عِنْدَهُ مَكانُ الِارْتِفاقِ
بِمَعْنى مُرافَقَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ في النّارِ.
وَحاصِلُ مَعْنى
الأقْوالِ أنَّ النّارَ بِئْسَ المُسْتَقَرُّ هي، وبِئْسَ المَقامُ هي. ويَدُلُّ
لِهَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا ومُقامًا﴾ [الفرقان: ٦٦]،
وكَوْنُ أصْلِ الِارْتِفاقِ هو الِاتِّكاءُ عَلى المِرْفَقِ، مَعْرُوفٌ في كَلامِ
العَرَبِ،
وَهَذا الَّذِي
ذَكَرَهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ مِن صِفاتِ هَذا الشَّرابِ،
الَّذِي يُسْقى بِهِ أهْلُ النّارِ، جاءَ نَحْوُهُ في آياتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ
تَعالى: ﴿لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ وعَذابٌ ألِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾
[الأنعام: ٧٠]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ
أمْعاءَهُمْ﴾ [محمد: ١٥]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿تُسْقى مِن عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾
[الغاشية: ٥]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَها وبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾
[الرحمن: ٤٤]، والحَمِيمُ الآنِي: مِنَ الماءِ المُتَناهِي في الحَرارَةِ.
وَقَوْلِـهِ
تَعالى: ﴿وَيُسْقى مِن ماءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ ولا يَكادُ يُسِيغُهُ﴾ الآيَةَ
[إبراهيم: ١٦ - ١٧]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن
حَمِيمٍ﴾ [الصافات: ٦٧]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الحَمِيمِ
فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ﴾ [الواقعة: ٥٤، ٥٥] .
وَقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا ولا شَرابًا إلّا حَمِيمًا وغَسّاقًا﴾ الآيَةَ [النبإ: ٢٤ - ٢٥]، وقَوْلِـهِ تَعالى: ﴿هَذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسّاقٌ وآخَرُ مِن شَكْلِهِ أزْواجٌ﴾ [ص: ٥٧ - ٥٨]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.