ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
سورة البقرة
قال المفكر الإسلامي
الكبير، فاضل السامرائي، إن سورة البقرة وآياتها (286 آية) هي أول سورة نزلت في المدينة
بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع بداية تأسيس الأمة الأسلامية (السور المدنية
تُعنى بجانب التشريع)، وأطول سور القرآن، وأول سورة في الترتيب بعد الفاتحة، لافتا
إلى أن الهدف الإساسي، منها هو الاستخلاف في الأرض (البشر هم المسؤولون عن الأرض)،
ولذا جاء ترتيبها الأول في المصحف، فالأرض ملك لله عز وجل، وهو خلقها، وهو يريد أن
تسير وفق إرادته، فلا بد أن يكون في الأرض من هو مسؤول عنها، وقد استخلف الله تعالى
قبل آدم الكثير من الأمم، وبعد آدم أيضاً، فمنهم من فشل في مهمة الاستخلاف، ومنهم من
نجح، لذا عندما نقرأ السورة يجب علينا أن نستشعر بالمسؤولية في خلافة الارض.
وتابع: كما أسلفنا، فإن
هدف السورة هو الاستخلاف في الأرض، وسورة البقرة هي أول سور المصحف ترتيباً، وهي أول
ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم، في المدينة مع بداية تأسيس وتكوين دولة الإسلام
الجديدة، فكان يجب أن يعرف المسلمون ماذا يفعلون ومم يحذرون، والمسؤولية معناها أن
نعبد الله كما شاء، وأن نتبع أوامره وندع نواهيه.
وأكمل: أن استخلاف آدم
في الأرض (تجربة تمهيدية ) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي
الأَرْضِ خَلِيفَةً) (الآية 30)، واللطيف أنه سبحانه أتبع هذه الآية بـ (وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي
بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (آية 31)، منوها إلى أن هذه الآية محورية،
فهي تعني أنك إذا أردت أن تكون مسؤولا عن الأرض يجب أن يكون عندك علم؛ لذا علّم الله
تعالى الاسماء كلها، وعلّمه الحياة وكيف تسير، وعلّمه تكنولوجيا الحياة، وعلّمه أدوات
الاستخلاف في الأرض: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء
وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ
فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(آية 22). وهذا إرشاد لأمة
الاسلام أنهم إن أرادوا ان يكونوا مسؤولين عن الأرض، فلا بد لهم من العلم مع العبادة،
فكأن تجربة سيدنا آدم u
هي تجربة تعليمية للبشرية في معنى وكيفية المسؤولية عن الأرض.
وأردف قائلا: ثم جاءت الآية
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا
اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ
إِلَى حِينٍ( آية 36 ، ترشدنا إلى أن النعمة تزول بمعصية الله تعالى، وتختم قصة آدم
بآية مهمة جداً (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي
هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) آية
38 ، وهي تؤكد ما ورد في أول سورة البقرة (هدى للمتقين)، وترتبط بسورة الفاتحة (إهدنا
الصراط المستقيم).
وأشار إلى السورة قدمت
نموذج فاشل من الاستخلاف في الأرضـ تمثلت في قصة بني اسرائيل الذين استخلفوا في الأرض
فأفسدوا (الآية 40) (يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على
العالمين)، كون أول كلمة في قصة بني اسرائيل (أني فضلتكم على العالمين) اي أنهم مسؤولون
عن الأرض، وأول كلمة في قصة آدم u
(إني جاعل في الأرض خليفة) أي مسؤول عن الارض، وأول كلمة في قصة بني اسرائيل (واذكروا
نعمتي التي أنعمت عليكم)، وأول كلمة في الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) والحمد يكون
على النعم، فذكر نعم الله تعالى واستشعارها هي التي افتتح بها القرآن الكريم، والتي
افتتحت بها قصة بني اسرائيل.
ولفت إلى أنه عرض أخطاء
بني إسرائيل، بهدف إصلاح الأمة الإسلامية، وفي عرض أخطاء بني إسرائيل التي وقعوا فيها
توجيه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإصلاح لها، ومن هذه الأخطاء: أن بني اسرائيل
لم يرضوا بتنفيذ شرع الله تعالى – المادية – الجدل الشديد – عدم طاعة رسل الله – التحايل
على شرع الله – عدم الإيمان بالغيب.
وأضاف: أن قصة البقرة باختصار
أن رجلا من بني إسرائيل قُتل، ولم يُعرف قاتله، فسألوا سيدنا موسى، فأوحى الله تعالى
إليه أن يأمرهم بذبح بقرة لها صفات معينة، ويضربوا الميت بجزء من البقرة المذبوحة،
فيحيا باذن الله تعالى، ويدل على قاتله :(الآيات 69 – 71)، وهذا برهان مادي لبني إسرائيل
وغيرهم، على قدرة الله جلّ وعلا في إحياء الخلق بعد الموت، وذلك أن بني اسرائيل كانوا
ماديين جدا، ويحتاجون الى دليل مادي ليصدقوا ويؤمنوا، وبالتالي فأن هذه السورة تقول
لأمة محمد r
أنهم مسؤولون عن الأرض، وهذه أخطاء الأمم السابقة فلا يقعوا فيها
حتى لا ينزل عليهم غضب الله تعالى، ويستبدلهم بأمم أخرى.
وتسمية السورة بهذا الاسم
(البقرة) إحياء لهذه المعجزة الباهرة، وحتى تبقى قصة بني إسرائيل ومخالفتهم لأمر الله،
وجدالهم لرسولهم، وعدم إيمانهم بالغيب وماديتهم، وما أصابهم جرّاء ذلك – تبقى حاضرة
في أذهاننا فلا نقع فيما وقعوا فيه من أخطاء أدت الى غضب الله تعالى عليهم، وأن هذه
القصة تأكيد على عدم إيمان بني إسرائيل بالغيب، وهو مناسب ومرتبط بأول السورة (الذين
يؤمنون بالغيب) وهي من صفات المتقين.
وتطرق إلى أن السورة
أيضا قدمت نموذجا ناجحا للاستخلاف في الأرض (قصة سيدنا إبراهيم) وهي آخر تجربة ورد
ذكرها في السورة تجسدت في :
أولا ابتلى سبحانه آدم
في أول الخلق (تجربة تمهيدية)، ثم بني اسرائيل فكانت تجربة فاشلة، ثم ابتلى إبراهيم
u فنجح (وإذ ابتلى إبراهيم ربه
بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين)،
وفي هذه الآية إثبات أن الاستخلاف في الأرض ليس فيه محاباة، فالذي يسير على منهج الله
وطاعته يبقى مسؤولا عن الأرض، والذي يتخلى عن هذا المنهج لا ينال عهد الله (لا ينال
عهدي الظالمين).
ثانيا: امتحن الله تعالى
سيدنا ابراهيم u
بكلمات، فلما أتمهن قال تعالى (إني جاعلك للناس إماما)، ثم دعا إبراهيم
ربه أن يبعث في هذه الأمة رسولا منهم (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) آية 136، وفي نهاية
قصة سيدنا ابراهيم الآية: (قولوا آمنا بما أنزل الينا وما أنزل الى إبراهيم ) جاء ذكر
الأنبياء كلهم، وهذا مرتبط بآية سورة الفاتحة (صراط الذين أنعمت عليهم)، فكأنما كل
هؤلاء المذكورين في آية سورة البقرة هم من الذين أنعم الله تعالى عليهم، والذين يجب
أن نتبع هداهم، والصراط الذي اتبعوه.
وختم قائلا: إن الخلاصة
إننا مسؤولون عن الأرض والمنهج كاملا، وعلينا أن ندخل في السلم كافة، والمنهج له إطار:
طاعة الله وتميز وتقوى. أما عناصر المنهج فهي: تشريع جنائي، مواريث، إنفاق، جهاد، حج،
أحكام صيام، تكاليف وتعاليم كثيرة، فلا بد أن نستعين بالله تعالى على أدائها لنكون
أهلا للاستخلاف في الارض، ولا نقع في أخطاء الأمم السابقة.