هل فشل القرآن في تحديه بأن يأتوا بسورة من مثله؟.. باحث في ملف الإلحاد يرد

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 22 سبتمبر 2024, 8:33 مساءً
  • 209
القرآن الكريم

القرآن الكريم

رد الباحث في ملف الإلحاد، محمد سيد صالح، على سؤال يطرحه البعض يقول: هل فشل القرآن في تحديه بأن يأتوا بسورة من مثله؟ 

وقال في منشور عبر حسابه الرسمي على فيس بوك: شخص أرسل لي على الخاص يدعي أن عمر بن الخطاب نفسه جاء بسورة بمثل ما جاء في القرآن الكريم وهذا دليل على أنه من السهل الإتيان بمثله.

وتابع: قيل لي أنتم تقولون أنَّ الله قد تحدى النَّاس قاطبةً أنْ يأتوا بسورةٍ مِن مثلِ ما جاء في القرآن الكريم، وكما هو معروف أنَّ أقصر سور القرآن هي سورة الكوثر وعدد آياتها ثلاث، إذن لو جاء أحد من البشر بثلاث آياتٍ مماثلة للقرآن لبطلَ الإعجاز؟! قلتُ: نعم. قال: إذن القرآن ليس كلام الله!

وأردف: قلتُ: كيف ذلك؟! قال: لأنَّ عمر بن الخطاب _رضى الله _ عنه قد قال كلامًا، ثم وافقه القرآن في كلامه في ثلاث مواضع، كما جاء في صحيح البخاري: عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ).

وهذا يدل على أنَّ القرآن اشتمل كلام بشر؛ وهو _عمر _ إذن ما جاء في القرآن يستطيع أنْ يأتي به إنسان آخر، كما جاء عمر بهذه الآيات الثلاث.

فقلتُ: إنَّ القرآن تحدى البشر قاطبة أن يأتوا بسورة من مثله، ولم يتحداهم أن يأتوا بكلماتٍ من مثله، وشتان ما بين هذا وذاك.!

فالسورة في القرآن؛ هي مقطع يشتمل على آيات ذوات فاتحة وخاتمة. وما وافق القرآن فيه عمر _رضى الله عنه _ ليس مقطعًا يشتمل على آياتٍ ذوات فاتحة وخاتمة، إنَّما كلام عمر الذي وافقه القرآن، كلُّ موضع على حده، لم يصل لآية واحدة مِن آيات القرآن فضلًا عن سورة كاملة، إنَّما وافق كلامه بعض الكلمات التي لم تصل حتى إلى آيةٍ كاملةٍ لها فاتحة وخاتمة، فجاء القرآن بآياتٍ لها فاتحة وخاتمة تشتمل في داخلها على بعضٍ مما قاله ورآه عُمر رضى الله عنه.

ففي قول عمر: يا رسول الله لو اتخذنا مِن مقام إبراهيم مصلى، هذا رأي لعمر، فأنزل الله تعالى قوله: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وهنا كلام عمر جزء من آية لها فاتحة وخاتمة، في سورة كبيرة لها بداية وخاتمة أيضاً، وعدد آياتها ٢٨٦آية.

وقول عمر الثاني: "يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر" ، وهذا _أيضًا_ رأي عمر الذي يوافق فطرة أي إنسان سوي، فنزلَ قول الله تعالى موافقًا لفطرة عمر السليمة: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )()، والفرق بين ما تمناه عمر ورآه، وبين قول الله في هذه الآية كبير جدًا.

وقول عمر الثالث: "عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ " فنزل قول الله سبحانه موافقًا لهذا الجزء، وزاد عليه بأسلوبٍ غاية في التصوير والبلاغة، يعرف قوته وعظمته المتخصصون، فقال جلَّ في علاه: (عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ).

وحقيقة هذه الموافقات؛ هي أنَّ القرآن كان ينزل مفرقًا على النبي _صلى الله عليه وسلم _، والكثير مِن الآيات كان لها سبب لنزولها، كسؤال أو حادثة تقع، ومِن ضمن ذلك أنَّ عمر _ رضي الله عنه _ كان يُبدي رأيه في بعض المسائل المهمة التي تعرض، فكان القرآن ينزل؛ ليبين الصواب في ذلك، فيتفق أنْ يكون رأي عمر _ رضي الله عنه _ هو الصواب.

أما سورة الكوثر رغم قصرها، فهي سورة من ثلاث آيات وعشر كلماتٍ، وربما كلمات عمر _ رضى الله عنه_ التي وافقها القرآن أكثر من عشر كلمات، إلا أنَّ الفرق بينهما كبير وملحوظ وواضح.

فسورة الكوثر لا تحتوي على كلام بشر، بلْ تحتوي على بحر زاخر، ومعين متدفق لا ينضب، وهى سورة معجزة بنظمها، وأسلوبها البلاغي لِمَا اشتملت عليه مِن أسرار بلاغية، ونكت بيانية جمَّة، فقد تضمنت مِن مباحث علم المعاني: الإيجاز بنوعيه: القصر والحذف، وخروج الكلام عن مقتضى الظاهر، وقد تكلم العلماء كثيرًا عن البلاغة التي هي في سورةِ الكوثر وبينوا أوجه الإعجاز فيها، ويستطيع كلُّ متخصصٍ، أوْ مَن له صلة باللغة البحث في صور الإعجاز التي تشمله هذه السورة رُغم قصرها، والمقام هنا لا يتسع لتفصيلها

وكذا كلُّ سور القرآن الكريم يستحيل أنْ تجد سورة واحدة حتى وإنْ كانت قصيرة تبدأ وتنتهي بكلام بشر، بل ولن تجد آية واحدة في القرآن كله تبدأ وتنتهي بكلام بشر، إنَّما يوافق بعض كلمات البشر، وآرائهم، وفطرتهم كلام الله سبحانه؛ لأنَّ القرآن الكريم نزل لهدايتهم وغايتهم.

فالتحدي ليس بعدد الكلمات طالت أم قصرت، إنَّما التحدي القائم هو أن يجتمع الإنس والجن على أنْ يأتوا بسورة مِن مثل سور القرآن حتى وإن كانت ثلاث آيات، لكن يُشترط فيها أنْ تشتمل على آياتٍ مُعجزة بنظمها البديع، وبأسلوبٍ مُخالف لأسلوب البشر جميعًا، والجزالة، والحكم والمعان البالغة، والتناسب في جميع ما تضمنه السورة ظاهرًا وباطنًا، وغير ذلك مِن أوجه الإعجاز.

واختتم بالقول: فَمِن الممكن أنْ يتكلم الإنسان كلامًا كثيرًا، يصل لآلاف الكلمات، لكنْ لا تتضمن كلماته الكثيرة التي بلغت آلاف هذه، ما تضمنته سورة قصيرة كسورة الكوثر التي لم تتجاوز العشر كلمات؛ لذا فالإعجازُ قائمٌ وسيظلُ قائمًا، ولنْ يقدر على الإتيان بمثل سورة مِن سور القرآن أحد. 


تعليقات