باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
أصل الشبهة
رد الباحث في ملف الإلحاد، محمد سيد صالح، على سؤال يطرحه البعض يقول: لماذا قال النبي أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟
وذكر أن البعض يدعي
أنَّ شريعة الإسلام جاءت لتقاتل الناس كافة إنْ لم يؤمنوا بالإسلام، كما قال _صلى
الله عليه و سلم _: ( أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا
إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ،
وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ
وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ).
وشدد في رده على أنَّ ديننا لم يأمرنا قط بإجبار الناس أو
إكراههم على اعتناق الإسلام، وإلا لو كان الأمر قهري يُسلب حرية إرادة الإنسان في
الاختيار بين الحق والباطل؛ لخلقنا الله ابتداءً على صورة خلقه من الملائكة الكرام
مسيرين، لا مخيرين، إنما نجد أنَّ الله يُخبرنا في الإسلام في كثيرٍ من النصوصٍ
المحكمة والجلية بعدم جواز إكراه الناس على دين الله تعالى، قال تعالى: ( لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ).
كما قال جل في
علاه: ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)،و قال تعالى: ( وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ
مُخْتَلِفِينَ )، وغير ذلك من الأدلة على ذلك.
وتابع: لكن على
المسلم أن يُبلغ الناس دين الله، ويقيم عليهم الحجج والبراهين، وبعد البلاغ وإقامة
الدعوة لا يجوز لمسلمٍ قط أن يُكره الناس على الدين قط، قال تعالى: ( وَإِنْ
أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ
اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) وفي هذه الآية المباركة يأمر الله نبيه
_صلى الله عليه و سلم _ أنَّه إذا أقبل عليه أحد ليسمع منه الإسلام، عليه أن
يُسمعه ويرشده، ثم بعد ذلك يُبلغه مأمنه، أي يعطيه الأمان، ويتركه لشأنه دون أن
يتعرض له بشيء من الأذى.
وشدد على أن هناك
مجموعة من النقاط المهمة الواجب تفسيرها وتوضيحها، وهي:
أولًا: لا بد من
توضيحِ وتحريرِ المصطلحات؛ لتتضح الصورة للجميع. فما المقصود بكلٍّ من "أُقاتل"
و "الناس "؟
•المقصود بكلمة أُقاتل بالحديث: نجد أن
النبي _صلى الله عليه وسلم _ يبدأ حديثه بقول "أمرتُ أن أُقاتل الناس"،
ولم يقل "أُمرتُ أن أقتل الناس" والفرق بينهما كبير، فلو قال أمرتُ أن
أقتل الناس؛ فإنَّ هذا يلزمه أن يدخل على الناس من غير المسلمين بيوتهم ليقتلهم أو
يهددهم، أو أنه يقتل كل من وجده في طريقه من غير المسلمين إن رفضوا الدخول في دينه.
أما أُقاتل فهي
تدل على المشاركة بين طرفين؛ أي أُمر النبي أن يُقاتل من يمنعه نشر دعوته إلى الله
ونشر الحق بين الناس، فإن لم يعترضه أحد أثناء دعوته تُصبح الدعوة سلمية كما هي في
الأصل، وكما عمم النبي _صلى الله عليه وسلم _ هذا السلام بين الناس كافة بمختلف أديانهم،
حيث قال: "يا أيها الناس: أفْشُوا السلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا
الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
إنَّما إذا تصدى
لدعوته أحد فهو يقاتله دفاعًا عن نفسه، ودينه، ونشر الحق للناس، وهذا من تمام
العدل، وإكرام الناس أن يخبرهم ويصل إليهم بالدعوة، ففي الكتمان ضلال لا يرضاه
عاقل سوي.
•المقصود بكلمة الناس بالحديث: كلمة
الناس في هذا الحديث كلمة عامة يراد بها الخاصة، وهذا موجود عند العرب، وفي
العربية وأدلة وجوده وقبوله من القرآن والسنة كثيرة جدًا، منها قول الله تعالى: (الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، فنجد
في هذه الآية ثلاثة أصنافٍ من الناس، وهم:
1. قوم قيل لهم: وأُشير لهم بالذين قال
لهم، أي جماعة من الناس قِيل لهم.
2. والناس الأولى بالآية الذين قالوا لهم
همُ: "المنافقون "
3. والناس الثانية بالآية هم:
"المشركون".
فهنا نجد أن
جماعة من الناس وهم المنافقون قالوا لجماعة أخرى من الناس أنَّ الناس من المشركين
قد جمعوا لكم، فاخشوهم.
بل في حياتنا
اليومية قد نستخدم هذه اللفظة العامة التي يُراد بها الخاصة، مثال ذلك: إذا غلبك
صاحب العمل الذي تعمل به تجد نفسك تقول له: "ارحم الناس"، ولا يُفهم من
هذا أنَّك تطالب مديرك أن يرحم كافة النَّاس في الأرض، بل يُفهم أنك تطلب منه أن
يرحم ويرفق من هم تحت يديه من الناس في العمل.
فالشاهد أنَّ
كلمة الناس التي جاءت في الحديث لا يُقصد بها كافة الناس، إنما يخرج منها المسلمون
والمعاهدون والمستأمنون وأهل الذمة، فيتبقى لنا بعد إخراج ما تم ذكره المحاربين
فقط، وهم الذين يتصدون لدعوة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ ويقفون أمامها.
وهذا ما يؤكده
كلمة "أُقاتل" التي تم شرحها سلفًا، والتي معناها أن أحارب من يحاربني،
أما عن أدلة عدم جواز قتل المستأمن والذمي والمعاهد في الإسلام كثيرة، لكن لسنا
بصدد عرضها هنا، وعليه فقتال المقاتل المعتدي شيء واجب لا يستنكره أحد، أما غيره
فلا، وإلا فلماذا لم يقاتل النبي _صلى الله عليه وسلم _عمه أبو طالب وهو من عامة
الناس غير المسلمين؟!
ثانيًا: النبي
_صلى الله عليه وسلم _كان يعيش بين صنوف شتى من الناس، ولم نره قاتلهم جميعًا، بل
نجد العكس تمامًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر: نجد أن النبي _صلى الله عليه و سلم
_ فور وصوله إلى المدينة المنورة أصدر وثيقة دستورية تُسمى (وثيقة المدينة)؛ لتنظم
حياة سكان المدينة من المهاجرين والأنصار، ولتنظيم علاقاتهم مع اليهود، وقد شملت
هذه الوثيقة بنودًا كثيرة شملت الطرفين من المسلمين واليهود، منها:
•حق المواطنة للطرفين، كما نجد ذلك في
وصف رسول الله ليهود بني عوف أنهم أمة من المؤمنين.
•حق الاعتقاد "لليهود دينهم،
والمسلمين دينهم".
•حق الأمن والأمان للطرفين.
•حق المساواة فالمسلم، وغيره كلاهما
أمام القانون سواء.
•حق التملك للطرفين، المسلم وغيره.
وغير ذلك من
بنود الوثيقة العادلة.
وشدد في ختام كلامه أنه لو كان مأمور بقتال الناس حسب فهم وظن البعض، فلماذا لم يقاتلهم بدلًا من وضعه لهذه الوثيقة الطيبة، التي تدل على أن الإسلام احتضن غير ملته وأعانه على الظلم الذي يقع عليه؟! وهنا يتضح للمنصف مقصد الحديث، وعدم تعارضها مع آيات القرآن الكريم التي نهت عن إكراه غير المسلم، وإجباره على الإسلام.