لماذا توجد قوانين؟!
- الأربعاء 02 أكتوبر 2024
القرآن الكريم
قال محمد سيد
صالح، الباحث في ملف الإلحاد، إن القرآن الكريم كتابٌ موجودٌ، كاتبه أو مصدره
واحدٌ من أربعة لا خامس لهم.
وعدد في رد على سؤال ما الدليل على أن القرآن الكريم من عند الله الـ 4
أشياء، كما يلي:
ـ إمَّا أن يكون كاتبه ومصدره هو رسول
الله _صلى الله عليه وسلم _، ثم أخبرنا أنَّه مِن عند الله.
ـ وإمَّا أنْ يكون كاتبه فردٌ مِن العرب
أو مجموعة منهم، ثم أعطوه لمحمدٍ _صلى الله عليه وسلم _ ليُخبرنا أنَّه كلام الله
كذبًا.
ـ وإمَّا أنْ يكون كاتبه فردٌ أعجمىٌ أو
مجموعة مِن العجم، ثم أعطوه لمحمدٍ _صلى الله عليه وسلم _ ليُخبرنا أنَّه كلام
الله كذبًا.
ـ وإمَّا أنْ يكون مِن مصدرٍ مجهول.
وبين في كتابه "100 شبهة حول الإسلام" أن الاحتمال الأول: مُحتمل أنْ يكون محمد _صلى الله عليه وسلم _، ثم قال لنا كذبًا أنَّه من عند الله، وأدلة استحالة أن يكون القرآن مِن عند محمد _صلى الله عليه وسلم _ يظهر بعضها في التالي:
•صدقُ النبي:
1. قد أخبرنا رسول الله _صلى الله عليه
وسلم _ أنَّه نبىٌ مِن عند الله، نزل عليه القرآن وحيًا مِن الله، والنُّبوة قائمة
على الإخبار عنِ الله عزَّ وجلَّ، والنبي صلى الله عليه وسلم بلغ في صفتي الصدق
والأمانة مبلغًا عظيمًا مِن الكمال، فلمْ يعهد عليه طوال عمره أنَّه كذب كذبة
واحدة، أو أنَّه خانَ أمانة واحدة، حتى لُقِّبَ في قومه بالصادق الأمين، ومِن أعظم
الشواهد الدَّالة على صدقه كثيرة جدًا، منها: حين قام في قومه يبلغهم أنَّه رسول
الله، فنادى في جميع بطون قريش، ثم قال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أنَّ خيلًا
بسفحِ هذا الجبل تريد أنْ تُغير عليكم أصدقتمونى؟ قالوا: نعم، قال: "فإنِّي
نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهبٍ: تبًا لكَ سائر اليوم)(). فشهد له
قومه أنَّهم ما جربوا عليه كذبة في حياته، وفي ذلك أبلغ الدلالة على كماله ف هذه
الصفة، ولم تستطع قريش أنْ تتهم النبي بالكذب حتى أنَّ عمه أبا لهب حين اعترض عليه
لم يتهمه بالكذب، وإنَّما لجأ إلى السبِّ والاستخفاف.
2. ما زالت قريش تشهد للنبي _صلى الله
عليه وسلم _ بالصدق مع عدم تسليمهم لِمَا جاء به، فقد قال عتبة بن ربيعة لقومه بعد
زمن بعثة النبي: "قد علمت أنَّ محمدًا إذا قال شيئًا بم يكذب"().
3. حين سأل هرقل أبا سفيان: هل كانوا
يتهمون النبي _صلى الله عليه وسلم _ بالكذب في حياته، أجابه أبو سفيان رغم شركه
وبغضه للنبى: بأن لا، وأقر بأن قريشًا لمْ تعهد عليه كذبًا في كلِّ حياته"().
4. مِمَا يزيدُ مِن ثبوت هذه الحقيقة؛
أنَّ النبي مكث أربعين سنة مِن عمره، وهو في أعلى درجاتِ الكمال الإنساني، والسلوك
والصدق والأمانة، فمن المُستبعد في العقل أنْ يخرق هذا الكمال بعد أن بلغ سن
الرشد، ومرحلة سعة الأفق، ورجاحة العقل، ويرتكب فعلًا مِن أعظم الفظائع وأقبح
الرذائل؛ وهو الكذب على اللهِ تعالى ويدعي أنَّه رسولٌ مِن عنده.
إنسانٌ يلتزم
بالصدق والأمانة أربعين سنة، لا يكذب فيها على أحدٍ من النَّاس، لا في بيع ولا
شراء ولا غيرهما، ولا يخون في عهد ولا وعد وهو سليم في عقله وشريف في نسبه وعلى
قومه، وشجاع في مواقفه، وصاحب بذلٍ وعطاء وزهد وورع ومواساة، كيف يُتصور مع كلِّ
هذه الكمالات أنْ يتخلى عمَّا هو فيه، ويرتكب كذبة من أعظم الكذبات في الوجود، ولا
يفعلها إلا أقبح، وأحقر البشر، فيدَّعي أنَّه رسول من عند الله؟!.
فمن يتجرأ على
الكذبِ على الله، وهى أعلى وأقبح مراتب الكذب، قطعًا سيكون قد كذب مِن قبل مرارًا،
وفي أمور أهونَ مِن كذبه على الله، وكان سيُعرف أمامَ النَّاس ويُشتهر بينهم
بالكذب، والشاهد أنَّه كان مشتهرًا بينهم بكمال الصدق.
5. التقى الأخنس بن شريق بأبي جهلٍ يوم
بدر، فقال له: "أترى محمد يكذب؟ فقال أبو جهل رغم بغضه لما جاء به: كيف يكذب
على الله، وقد كنا نُسميه الأمين لأنَّه ما كذب قط؟!"().
6. قام النضر بن الحارث يومًا في قريش
خطيبًا، فقال لهم: "لقد كان محمدٌ فيكم غلامًا حَدِثًا أرضاكم فيكم وأصدقكم
حديثًا وأعظمكم أمانة"()؛ فهكذا كان حال أعدائه _صلى الله عليه وسلم _ تجاهه
وشهدوا له بالصدق، فكيف يأتي مَن لم يبلغوا عداوة مشركي مكة للنبي في هذا الزمن
ويتهمونه بالكذب؟!
7. يقول (هنري دري فاستري): "إنَّ
أشد ما تتطلع إليه بالنظر في الديانة الإسلامية ما اختصَّ منها بشخصِ النبي محمد؛
ولذلك قصدت أن يكون بحثي أولًا في تحقيق شخصيته وتقرير حقيقته الأدبية، ووجدتُ في
هذا البحث دليلًا على صدقه، وأمانته المُتفق عليهما بينَ جميع مُؤرخي الديانات،
وأكبر المتشيعين للدين المسيحي"().
ودلالات صدقِ
النبي _صلى الله عليه وسلم _ على لسان أعدائه وغيرهم كثيرة جدًا يصعب حصرها، والذي
يُفهم مِن دلائلِ صدقه أنَّه يستحيل مَن لمْ يُعهد عليه الكذب طوال حياته أنْ تكون
أول كذبة له على الله..!
•اختلاف الأسلوب:
أسلوب القرآن
الكريم مختلفٌ عن أسلوب الحديث الشريف، ولو كان القرآن كلام رسول الله وليس كلام
الله؛ لظهر هذا لكلِّ مَن قرأ القرآن الكريم، لأنَّ كلَّ إنسانٍ له أسلوب في
الكلام يميزه عن الآخرين فلو كان محمد _صلى الله عليه وسلم _ هو الذي كتب القرآن
لَسَهُلَ اكتشافه.
•الكمال التشريعي:
كما هو معروفٌ
أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم _كان أُمِّيًا لا يقرأ ولا يكتب، ثم نجده جاء
بتشريعٍ وادَّعى أنَّه مِن عند الله بلغَ الغايةَ في الكمال، والنهاية في الصلاح،
والذروة في المحاسن والإتقان، جاء بتشريعٍ حوى مِن الكمال، والمحاسن، والصلاح،
والاستقامة، والرحمة، والعدل، والانضباط ألوانًا وصنوفًا، كما أنَّ التشريع الذي
جاء به رسول الله اشتمل على جميع المجالات، كالتصورِ عن اللهِ والعلاقة بينه وبين
الخلق، والعلاقة بين الإنسان والكون، والعلاقة بينَ الإنسانِ وبني جنسه، ومجالُ
العباداتِ والتشريعات التعبدية، ومجال البيع والشراء، والأنْكِحَة وتوابعها، والجنايات
والعقوبات والديات، والشهادات، والأخلاق والقيم، وغيرها مِن المجالات الحياتية
المختلفة، فضلًا عن كمالِ منظومة القرآن واتزانه، ومرونته، وواقعيته، وغير ذلك مما
يدل على استحالة أنْ يكون كلُّ هذا الكمال التشريعي صدر عن إنسانٍ أُمي لا يقرأ،
ولا يكتب.
الإنسان إذا
أراد أنْ يقوم بعملِ رسالة دكتوراة في تخصصٍ واحدٍ في هذا الزمن التكنولوجي يحتاج
إلى مُساعدين ومشرفين وأبحاث وانتقالات كثيرة، كلُّ هذا لأجلِ عمل بحثِ دكتوراة في
مجالٍ واحدٍ مِن مَجالات الحياة، فكلُّ ما جاء به رسول الله في القرآن يدل على
أنَّه يستحيل أنْ يكون مِن وضعِ إنسانٍ واحدٍ، أو عدد مِن الناس.
•إذا كان القرآن بهذا القدر مِن العظمة
والقوة والإلمام بكلِّ جوانب الحياة والنبي هو الذي كتبه بنفسه، فلماذا ينسبه
لغيره أو ينسبه إلى الله؟!
مِن باب أولى
أنْ ينسبه لنفسه ويفتخر بذلك، فالنَّاس معهود عليهم أنَّهم يسرقون جهود بعضهم
الفكرية _أحيانًا_ ويُنسب كثير مِن النَّاس أعمال غيرهم لأنفسهم، فلماذا يكتب
النبي شيئًا عظيمًا كهذا، ثم ينسبه لغيره؟!
فإنْ قال قائل:
لربما يحتاج مالًا فنحن نعلم أنَّ النبي مات ودرعه مرهون عند يهودي، وكان يربط على
بطنه حجرًا، أو حجرين مِن شدة الجوع، وكانت النار لا تُوقد في بيته بالشهر
والشهرين؛ لعدم وجود لحمٍ يُطبخ على النار.
فضلًا عن أنَّ
النبي لو كان طالبًا للدنيا؛ لقبل العروض والمساومات التي جاءته فقد ذهب إليه عتبة
بن أبى ربيعة، وعرض عليه أشياء يقبلها أي إنسان يريد الحياة الدنيا فقال له:
"إنْ كنت تريد بما جئت به مِن هذا الأمر مالًا جمعنا لك مِن أموالنا حتى تكون
أكثرنا مالًا، وإنْ كنتَ تريد به شرفًا سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونكَ،
وإنْ كنت تُريد به مُلكًا مَلكناك علينا، وغير ذلك مِن العروض وفي النهاية عاد
عتبة بوجهٍ غير الذي ذهب به إليه، وقد رفض رسول الله كل ما عُرض عليه لأنَّه رسول
مِن عند الله، وليس رجلًا يطلب شيئًا مِن الدنيا.
•أخبر النبي _صلى الله عليه وسلم _
بأخبارٍ مِن القرآن الكريم عن أُمم سبقته بمئاتِ وآلاف السنين كإخباره عمَّا جاء
به موسى، وعيسى، وداود وغيرهم، كما أنَّه أخبر بأخبارٍ مُستقبليةٍ لم تقعْ أثناء
إخباره عنها؛ كإخباره بأنَّ الروم ستنتصر على الفرس في بضعِ سنين كما جاء فى سورة
الروم، وكإخباره أنَّ أول مَن سيلحق به إلى الموت بعد موته مِن آلِ بيته؛ (فاطمة)،
وقد كان، فقد ماتتْ فاطمة بعد وفاة رسول الله بستةِ أشهرٍ، وغير ذلك مِن الأخبار
الكثيرة جدًا والمُتراكمة، وهذا النَّوع مِن الأخبار يستحيل أنْ يأتي بها إنسان
دون وحي إلهي مِن الله.
•حدثتْ أشياء لو استغلها رسول الله _صلى
الله عليه وسلم _، ليُثبت للناس أنَّه نبس؛ لصدقه الكثير دون عناء، مثل: كسوف
الشمس لمَّا مات إبراهيمُ ابن النبي، وكان في الرضاع، كان دون السنتين، وقال بعضهم
لمَّا كسفت الشمس ذلك اليوم: كسفت الشمسُ لموت إبراهيم؛ يعني: لعظم المصيبة، وقال
النبيُّ: لا، لم تنكسف لأجلِ إبراهيم، إنَّ الشمس والقمر آيتان مِن آيات الله، لا
تنكسفان لموت أحدٍ مِن الناس، ولا لحياته، لا إبراهيم ولا لغيره.
وكان مِن
الممكنِ أنْ يُؤكد النبي على كلامهم، وهي دليل بينٌ على نبوته فعلًا، أو على
الأقلِّ كان سيسكت دون أن يُؤيد أو يُعارض، لكنَّه قام فيهم؛ ليُعلمهم أنَّ الشمس
والقمر لا ينكسفان لموتِ أحدٍ، فلماذا لمْ يستغل هذا الحدث الكونى لصالحِ دعواه؟!
•في القرآنِ الكريم عتبٌ ولومٌ لرسول
الله _صلى الله عليه وسلم _كما جاء في قوله سبحانه: (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى *
وما يدريك لعله يزكى (* أو يذكر فتنفعه الذكرى)() .
كان النبي يجلس
مع أحدِ المُشركين يبلغه بالإسلامِ فدخلَ عليهم رجلٌ أعمى يسأل النبي شيئًا، فتغير
وجه النبي لأنَّه قطع حديثه مع مَن يدعوه، فنزلت فيه هذه الآيات؛ كنوعٍ من العتاب،
واللوم، وغيرها كثير من الآيات، فهل يُعقل أنْ يُؤلف رجلٌ كتاباً، ثم يلومُ فيه نفسه؟!
•قد حدثتْ بعضُ الحوادثِ مع رسول الله
_صلى الله عليه وسلم _كان مِن المُتوقع لو أنَّه هو الذي كتب القرآن الكريم بعد
دقائق أو ساعات، لادَّعى أنَّه نزلت عليه آيات تُصدق أو تُكذب الحدث الذي حدث له؛
كحادثةِ الإفكِ المشهورة، التي افترى فيها بعض النَّاس على زوجه عائشة الصديقة
بنتُ الصديقِ العفيفةَ الشريفةَ، حين اتهموها بفَعلةٍ قبيحةٍ، وهذه أخطر وأصعب
حادثة وقعتْ على النبي، وانقطع وقتها الوحى مُدَّة أربعين يومًا والنَّاس يتكلمون
في الشوارع عن هذا الأمر، والنبي يدخل ويخرج لا يتكلم، فلو كان هو الذي يكتب
القرآن، فَمَا الذي يجعله يتأخر كلَّ هذا الوقتِ دونَ أنْ يَدَّعي أنَّه قد نزلت
عليه آيات تُبرأ زوجته، حتى لا يترك نفسه في مثل هذا الموقف المُحرج؟!
وغير ذلك مِن
الأدلةِ الكثير والكثير، التي يُبرهن مجموعها وتراكمها استحالة أنْ يكون هذا
القرآن مِن عند رسول الله _صلى الله عليه وسلم _.
الاحتمالُ
الثاني: مُحتملٌ أنْ يكون مِن عند فردٍ مِن العرب، أو مجموعة منهم.
العرب أعلم
الناس باللغة العربية، وقريش أعلم العرب باللغة العربية، وقد نزل القرآن الكريم في
العرب، وفى قريش الذين وصلوا باللغة العربية إلى منتهاها.
ثم بعد ذلك جاء
القرآن الكريم مُتحديًا العرب أنفسهم بِمَا فيهم قريش، بلْ تحدى معهم سائر البشر
في كلِّ مكانٍ، وإن اجتمع بعضهم ظهيرَ
بعضٍ، ومعهم الجن أنْ يأتوا بمثلِ ما جاء في القرآن، قال تعالى: (قُل لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )()، فما
استطاعوا أن يأتوا بمثل القرآن.
ثم رفع القرآن
سقف التحدي أكثر، وأثار حفيظتهم على أنْ يأتوا بعشرِ سور مما جاء في القرآن وأن
يدعوا معهم مِن البشر أو الجنِ ما يشاءون، قال تعالى: ( أَمْ يَقُولُونَ
افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا
مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )()، ومع ذلك ما
استطاعوا أنْ يأتوا بعشر سور من مثله.
ثم رفع القرآن
الكريم سقف التحدي معهم أكثر فأكثر على أنْ يأتوا ولو بسورة واحدة مما جاء في
القرآن الكريم، قال تعالى: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ
اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )().
وكما هو معروف
أنَّ أقصر سورة في القرآن الكريم، هي سورة الكوثر التي يبلغ عدد آياتها ثلاث فقط،
ومع ذلك عجز العرب بما فيهم قريش أن يأتوا بسورةٍ واحدةٍ تتكونُ مِن ثلاث آيات
مثلما جاء في القرآن، بل جعل القرآن التحدي أبد الدهر، ولم يحدده بمدة زمنية
معينة، ومع ذلك عجزوا أمام هذا التحدي، رغم علمهم بكلِّ أنواع الشعر، والسجع،
والنثر، والخطب، ومع ذلك فالقرآن الكريم خرج عن أساليب العرب كاملة، رغم أنَّه جاء
بلغتهم.
ولو كان الأمر
استطاعتهم لاجتمعوا على أنْ يأتوا ولو بمثل سورة مِن سور القرآن الكريم، بدلًا مما
بذلوه مِن مالٍ، وجهدٍ، وحربٍ، وسبٍ، وغير ذلك؛ لتكذيب رسول الله _صلى الله عليه
وسلم _ فلقد كانوا أشد الناس عداءً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فضلًا عن أنَّ
القرآن الكريم جاء ليردع ما كان عليه العرب مِن مقامراتٍ، وزنًا، وشرب خمرٍ،
وعبادة أوثان، وغير ذلك فلو كان العرب هم الذين كتبوه لَمَا جعلوا فيه ما يقف أمام
شهواتهم، وعليه فيستيحل أنْ يكون القرآن الكريم كتبه رجلٌ مِن العرب، أو جماعة
منهم.
الاحتمال
الثالث: أن يكون فردٌ مِن العجم أو مجموعة منهم هم من كتبوا القرآن الكريم.
هل مِن الممكن
أن يكون أحد مِن العرب، أو مجموعة منهم هم من كتبوا القرآن الكريم؟!
إذا كان قد سبق
معنا استحالة أن يكون العرب هم الذين كتبوه، رغم أنَّهم أساطين اللغة وآباؤها، وهم
الذين وصلوا بها إلى المنتهى، عجزوا أنْ يأتوا بمثلِ هذا القرآن أو بمثل عشر سور
منه، أو بسورةٍ واحدةٍ منه، فكيف للعجم الذين لا علاقة لهم باللغة العربية أن
يأتوا بالقرآن الكريم؟!
إذا استحال ذلك
على العربِ وهم أهل اللغة، فقطعًا يستحيل على غيرهم مِن العجم، إذن فهذا الاحتمال
مرفوضٌ ولا يحتاج لكثير عناء ليُرفض.
وإذا تبين مما
سبق استحالة أنْ يكون القرآن الكريم مِن عند رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، ولا
مِن عند العرب، ولا مِن عند العجم، فيتبقى معنا احتمال واحد؛ أَلَا وهو أن يكون
مصدره مجهول.
الاحتمال الرابع
: أن يكون القرآن الكريم من مصدرٍ مجهول.
في الحقيقة أن
هذا المصدر ربما يكون مجهولًا عند غير المسلم، أما المسلم فالمصدر لديه معلوم، قال
تعالى: ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )()، وقال تعالى: (وَهَٰذَا
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ)()، وقال سبحانه: (لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ
ۖ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ
شَهِيدًا)()، وبالتالي فإنَّ الأمر عندنا معلومٌ؛ ألا وهو أنَّه مِن عند الله
سبحانه.
ومادام القرآن
موجودٌ بالفعلِ منذ ألف وأربعمائة سنة، ولا بُدَّ أنْ يكون هناك مَن أوجده، وبعدما
وضعنا الاحتمالات العقلية الأربعة على وجوده التي لا خامس لها، وبعدما تمَّ نقدُ
الاحتمالات الثلاثة الأولى، ولم يتبقَ لنا إلا الاحتمال المجهول وحده، وقد تبين
أيضًا أنَّ الجهل به هذا لغير المسلم، أما المسلم يعلم مَن أنزله، وأنَّ الله
سبحانه وحده هو مَن أخبر عن نفسه أنَّه مِن عنده، ولم يجرؤ أحد منذ نزول القرآن
على ادِّعاء أنَّ القرآن الكريم مِن عنده هو، وبالتالي لا سبيل إلا أنْ يكون
القرآن الكريم مِن عند الله الحق حقًا.
وشدد في ختام حديثه على أن هناك دلائل كثيرة تُثبت أنَّ القرآن الكريم مِن عند الله وحده، لكن ما تمَّ عرضه يكفي لِيَمْلأ القلبَ راحةً وطمأنينةً نحو القرآن الكريم، الذي هو كلام الله سبحانه ومن عنده.