كيف انتصر ابن الهيثم على بطليموس في تفسير الحركات الفلكية ؟!

  • أحمد نصار
  • السبت 31 أغسطس 2024, 3:28 مساءً
  • 87
تعبيرية

تعبيرية

ظل اعتقاد البشر حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي، بأن الأرض هي مركز هذا الكون وأن جميع ما فيه من أجرام تتحرك حولها وهي ثابتة لا تتحرك أبدا كما توحي بذلك حواسهم إليهم.

 

 وبناء على هذا الاعتقاد قام الفلكي الإغريقي بطليموس في القرن الثاني، بوضع أول نموذج يفسر حركات الأجرام السماوية المختلفة كالشمس والكواكب وبقية النجوم وتنص نظريته على أن الأرض كروية الشكل وهي ثابتة في مركز الكون وتدور جميع الأجرام السماوية حولها على أبعاد ثابتة من بعضها البعض باستثناء بعض الأجرام التي تدور بعكس هذه الخلفية في مسارات تبدو متمردة.

 

وظل نموذج بطليموس هو المعمول به في علم الفلك حتى ظهر الفلكي الشهير كوبرنيكس في القرن السادس عشر وقرر أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وتدور الكواكب بما فيها الأرض حولها، ولم يبني كوبرنيكس نظريته من فراغ بل اعتمد على كم هائل من الدراسات الفلكية التي أجراها العلماء من قبله وخاصة علماء المسلمين الذين استلموا قيادة المسيرة العلمية في العصور الوسطى، وفقا لما قاله الباحث في الإعجاز العلمي في القرآن، الدكتور منصور أبو شريعة العبادي.

وأضاف: ابن الهيثم في القرن الحادي عشر قد انتقد من ناحية رياضية بحته نموذج بطليموس في مقالة له "شكوك حول بطليموس" وقال أنه نموذج غير قادر على تفسير كثير من الحركات الفلكية ولا بد إذا من تطويره.

 

 وقد صرح البيروني كذلك في القرن الحادي عشر بأن الأرض تدور حول محورها وتدور كذلك مع بقية الكواكب حول الشمس حيث يقول بكل صراحة في كتابه "الآثار الباقية في القرون الخالية" "ليست الشمس هي سبب تفاوت الليل والنهار بل إنّ الأرض ذاتها هي التي تدور حول نفسها وتدور مع الكواكب والنجوم حول الشمس" ولكنه عاد ليقول بأن مثل هذا القول قد لا يصلح لأننا لا نكون في موضع نتمكن من التحقق من حقيقة هذا الدوران.

 

وأشار إلى ما قام العالم الفلكي الفذ ابن الشاطر الدمشقي في القرن الرابع عشر ببناء نموذج معقد كانت الشمس فيه مركز لحركات الكواكب وتتحرك هي بدورها حول الأرض وقد تمكن هذا النموذج من تفسير معظم الحركات الفلكية التي فشل نموذج بطليموس من تفسيرها وهو أقرب ما يكون للنموذج الذي وضعه كوبرنيكس فيما بعد وقد نشر نتائج أبحاثه في كتابه "تحرير نهاية السؤال في تصحيح الأصول.

 

وفي عام 1543م، حيث نشر الفلكي البولندي نيكولاس كوبرنيكس (Nicolaus Copernicus)   وتابع: قد ظهرت نظرية جديدة تقول أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وأن الكواكب بما فيها الأرض تدور حولها في مدارات مستقلة وأثبت كذلك أن الأرض تدور حول محورها دورة كاملة كل 24 ساعة فينتج عن ذلك ظاهرة الليل والنهار بينما تدور حول الشمس مرة كل عام مما ينتج عنها ظاهرة تغير الفصول/ فضلا أنه قابل عامة الناس إدعاءات كوبرنيكس حول حركة الأرض بالسخرية بل تجاوز الأمر حد السخرية وقررت الكنيسة محاكمة كوبرنيكس وكل العلماء الذين يرون رأيه واتهموهم بالزندقة والكفر وقاموا بمصادرة وإحراق أبحاثهم ففر كوبرنيكس من روما حتى لا يتم القبض عليه وإلا كان مصيره الإعدام أو الحرق كما حدث لبعض العلماء.

 

 وفي مقابل هذه السخرية من قبل عامة الناس كانت فرحة علماء الفلك بهذه النظرية غامرة فقد حلت هذه النظرية عدد لا يحصى من الألغاز التي كانت تحيرهم حول حركة الأجرام السماوية وخاصة كواكب المجموعة الشمسية.

 

وتابع: وقد اعتمد كوبرنيكس بشكل أساسي على المنهج الاستقرائي لإثبات أن الأرض متحركة وليست ساكنة وذلك بالاعتماد على أدله كثيرة يعضد بعضها بعضا جعلت كوبرنيكس يصل إلى قناعة تامة بأن الأرض ليست بساكنة.

 

ومن الأدلة التي اعتمد عليها كوبرنيكس هو أن حساب حركات الأجرام السماوية تصبح سهلة جدا بافتراض أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية بعد أن كانت بالغة التعقيد في حالة افتراض أن الأرض هي المركز، وكذلك فإنه من غير المعقول أن الشمس التي يفوق حجمها حجم الأرض بمليون مرة تدور حول هذه الأرض الصغيرة الحجم بل العكس لا بد أن يكون هو الصحيح، إن منتهى العبقرية أن يكذب الإنسان حواسه التي توحي له بأن الأرض ساكنة لا تتحرك ويصدق الحسابات الرياضية التي تثبت أن الأرض في حركة دائبة.

 

 وواصل: إنه مع اكتشاف العالم الانجليزي الفذ اسحق نيوتن لقانون الجذب العام وقوانين الحركة الثلاث في عام 1687م كان أول ما قام به نيوتن هو التأكد من صحة نموذج كوبرنيكس لمركزية الشمس وكذلك صحة قوانين كيبلر الثلاث باستخدام قوانينه بطريقة رياضية بحتة، وكانت النتيجة هو التطابق التام بين النتائج التي حصل عليها نيوتن بشكل رياضي بالاعتماد على قوانين فيزيائية وقوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية.

 

وشدد على أن "لا يمكن لنا أن نتخيل مدى فرحة هذا العبقري بهذه النتائج فهي أولا أنها أثبتت صحة قوانينه لتمكنها من تفسير قوانين كيبلر المبنية على القياسات التجريبية وثانيا أنها أكدت على صحة نموذج مركزية الشمس لكوبرنيكس".

 

 

واستطرد: "ومع ظهور قوانين نيوتن أصبح تفسير حركات جميع أجرام السماء وليس فقط كواكب المجموعة الشمسية في منتهى السهولة بالنسبة للمختصين في هذا المجال، لافتا إلى أن النتيجة الأهم لهذه القوانين فهي أن الكون بناء على قانون الجاذبية لا يمكن أن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لأنجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه وأندمج معه".   

 

واختتم: "ولمنع الأجرام السماوية من الإنهيار على بعضها البعض كان لزاما أن يدور بعضها حول بعض بحيث تتساوى قوة الجذب بينها مع قوة الطرد المركزي الناتجة عن حركتها الدائرية، ولذلك نجد أن الأقمار تدور حول كواكبها والكواكب تدور حول نجومها والنجوم تدور حول مركز المجرة في هذا الكون لكي لا تسقط على بعضها البعض".

 

 

تعليقات