باحث في ملف الإلحاد: غزوات النبي خير دليل على صدق رسالته

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 26 أغسطس 2024, 11:36 صباحا
  • 81
غزوات الرسول ـ تعبيرية

غزوات الرسول ـ تعبيرية

قال عبد الله محمد، الباحث في ملف الإلحاد، إنه لا شك أن النبي الصادق لابد وأن يُؤيَّد بنصر الله له في العداوات والصعوبات التي سيواجهها ليكون ذلك من علامات معية الله عز وجل له وعلامة صدق نبوته.

وبين في كتابه "الحياة المثلى.. حوار حول أدلة صحة الإسلام" أن القارئ في سيرة النبي ﷺ وحروبه مع الأعداء (الذين عادوه واعتدوا عليه ومنعوه بالسيف من تبليغ رسالة ربه لتصل لكل الناس) لَيرى مدى نصر الله عز وجل ومعيته للنبي ﷺ فلقد كانت كل حروبه غير متكافئة أبدًا سواء كانت من ناحية العدة والعتاد أو من ناحية الخبرة في الحروب وتدريب الجنود ونذكر من ذلك بعض الحروب الغير متكافئة والتي انتصر فيها المسلمون انتصارًا ساحقًا.

 وتابع: أول ما نذكره هي (غزوة بدر) والتي كانت في بداية إقامة دولة الإسلام والتي كان مقرها المدينة المنورة وكان عدد جيش المسلمين فيها حوالى 300 مسلم غير مدربين على الحروب وليس معهم سوى عدة بدائية غير جيدة للحرب بالمقارنة مع جيش كفار قريش والذي تراوح عدد حوالي 1000 من الجنود المدربين على الحروب والذين يملكون أفضل العدة المناسبة للحرب ، ما يعني أن عدد الكفار يزيد عن عدد المسلمين فيها أكثر من ثلاثة أضعاف ، فالمعركة -حسابيًا- محسومة لصالح الكفار بسبب زيادة أعدادهم وعدتهم وخبرتهم بالحرب فلا يشك أحد في انتصارهم ، وبالرغم من ذلك نجد أن النبي ﷺ كان لديه يقين وإيمان لا تشوبه شائبة بمعية الله عز وجل له وأنه سينصره فيها نصرًا ساحقًا وقد نقل القرآن هذا اليقين فنزلت فيه هذه الآيات " أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ " (القمر 44-45)

وبين أن هذه الآيات مكية نزلت في مكة قبل هجرة المسلمين إلى المدينة وقبل أن تُقام دولة الإسلام وكان عدد المسلمين آنذاك قليل جدًا ، فكيف علم النبي ﷺ أن المسلمين سيكون له جيش قوي يهزم جَمْعَ الكفار وتكون المعركة محسومة لصالح المسلمين ، فلا يوجد ما يحمله على هذا اليقين والإيمان فلا يملك عددًا كافيًا من الناس ولا عدة للحرب ولا حتى دولة إسلامية.

وأردف: بل والأعجب (وهو معجزة ربانية) أن النبي ﷺ قد أخبر بمواضع  مقتل زعماء قريش وحدد موضعًا لكل واحد منهم سيموت فيه وشهد الصحابة أن هؤلاء الكفار قُتِلوا في نفس الأماكن التي تنبأ بها النبي ﷺ من خلال وحي الله له

فقد روى مسلم عن أنس بن مالك أن عمر الخطاب كان يُحَدِّثُهم عن أَهْلِ بَدْرٍ؛ فَقالَ: إنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ كانَ يُرِينَا مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بالأمْسِ، يقولُ: هذا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا، إنْ شَاءَ اللَّهُ. قالَ: فَقالَ عُمَرُ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بالحَقِّ، ما أَخْطَؤُوا الحُدُودَ الَّتي حَدَّ رَسولُ اللهِ ﷺ، قالَ: فَجُعِلُوا في بئْرٍ بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ رَسولُ اللهِ ﷺ حتَّى انْتَهَى إليهِم، فَقالَ: يا فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، هلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسولُهُ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا. قالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لا أَرْوَاحَ فِيهَا؟! قالَ: ما أَنْتُمْ بأَسْمعَ لِما أَقُولُ منهمْ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شيئًا". (صحيح مسلم 2873)

هل رأيتم قول النبي ﷺ وهو يتحدث عن سبب انتصاره بالرغم من قلة جيشه في العدد والعدة فقال " فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي اللَّهُ حَقًّا" أي أن هذا وعد الله عز وجل له بالنصر وهذا لا يكون إلا عن إيمان راسخ ، وهذا يصدقه الواقع حيث أن المعركة منطقيًا وحسابيًا محسومة لكفار قريش.

والقرآن الكريم يشرح لنا آلية هذا الإنتصار عن طريق معجزات إلهية حدثت في تلك المعركة منها أن الله عز وجل قد زاد من عدد المسلمين في أعين الكفار حتى رأوهم أعدادًا أكبر من العدد الواقعي ، فيقول الله عز وجل "قدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم «مِّثْلَيْهِمْ» رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ" (آل عمران 13)

وواصل: هذا الأمر يفسره لنا القرآن الكريم حيث أنزل الله عز وجل ملائكته تقاتل مع المسلمين حتى انتصروا على الكفار وقتلوا زعمائهم، فيقول عز وجل "إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم «بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ» (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (الأنفال 9-10)

وأخبر الله عز وجل أن المسلمين لم يغلبوا الكفار بعددهم ولا عدتهم والله عز وجل هو من نصرهم بتأييده بملائكته معهم في الحرب فقال عز وجل " فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ «اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ» وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ «اللَّهَ رَمَىٰ» ..." (الأنفال 17)

ففي هذه المعركة تستشعر حقًا أن الذي رمى وقتل الكفار إنما هو الله عز وجل فلم تكن عدة المسلمين ولا عددهم ليغلبوا جيش الكفار الذي يفوقهم في كل شيئ وكانت شر هزيمة للكفار حتى قُتل الكثير من زعمائهم فيها .

ومن ذلك أيضًا غزوة الأحزاب (الخندق) وفيها اجتمع بعض يهود العرب مع كفار قريش على أن يقاتلوا المسلمين في المدينة المنورة فجمعوا جيشًا قوامه عشرة آلاف جندي أمام جيش المسلمين والذي بلغ قوامه ثلاثة آلاف جندي فقط(جوامع السيرة ص 187 ط المعارف) ، فواضح جدًا الفرق بين الجيشين في العدد وواضح أن المعركة محسومة لصالح تلك الأحزاب المجتمعة على قتال المسلمين ، فتخيل لو أنك جندي في جيش وستقاتل جيشًا يفوق عدده أكثر من ثلاثة أضعاف عددكم ، فإنك ستتأكد حتمًا أنك مهزوم وستكون خائفًا جدا

وقد صوَّر القرآن هذه الصورة المخيفة لهذه الحرب الغير متكافئة فقال عز وجل " إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)" (الأحزاب 10-11).  

فالمؤمنون في بادئ الأمر فزعوا من هول المنظر ومن هول ما هم داخلين عليه حتى أشار عليهم سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر خندق كبير ليمنع الكفار من الوصول إليهم وحاصر الكفار المدينة شهرًا كاملًا على هذا الحال ، ولكن المؤمنين كانوا واثقين بربهم عز وجل وأنه سينصرهم رغم انقطاع كل أسباب الإنتصار ، لأنهم واثقون أنهم على الحق ويصور لنا القرآن هذا المشهد فيقول عز وجل فيه " وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا" (الأحزاب 22)

وتحدث المعجزة بعد هذا الحصار فيرسل الله عز وجل رياحًا شديدة تدمر خيام المشركين وتجبرهم على الرحيل وهذا ما ينقله لنا القرآن حيث قال عز وجل  "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا" (الأحزاب 9)

وبذلك أخزى الله المشركين وعادوا إلى ديارهم خائبين دون أن ينالوا من أحد من المسلمين ومحى الله عن المؤمنين القتال فقال عز وجل "وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا" (الأحزاب 25)، فهذه المعركة من أوضح الأدلة على معية ونصر الله عز وجل للمؤمنين في حروبهم وأنهم يحاربون من أجل الحق، وغيرها من الحروب الغير متكافئة التي خاضها النبي ﷺ حتى وصلت إلى قرابة المائة كما ينقل ابن حجر (فتح الباري لابن حجر ٨/‏١٥٤) وكلها انتصر فيها النبي ﷺ رغم عدم التكافئ في العدد والعدة سوى غزوة أحد التي بدأت بانتصار كبير للمسلمين وقد أمر النبي ﷺ الرماة الواقفين على جبل أحد بعدم النزول من على الجبل حتى لو انتصر المسلمون وانتهت المعركة إلا إذا أمرهم ﷺ بذلك أمرًا مباشرًا ولكن الرماة حين وجدوا أن المسلمين منتصرون ولهم الغلبة وبدأ الكفار في الإنحساب نزلوا من على الجبل ظنًا منهم بإنتهاء المعركة فاستغل خالد بن الوليد (وكان حينئذ لم يدخل الإسلام بعد ) الموقف وهاجم المسلمين من خلف جبل أحد مستغلًا نزول رماة السهام من على الجبل وقتل الكثير من المسلمين حتى أصيب النبي ﷺ إصابات مباشرة ، فانهزام المسلمين في هذه المعركة كان سببه مخالفة الرماة أوامر النبي ﷺ ، ولكن المفاجأة أن خالد بن الوليد الذي هزم المسلمون قد أسلم بعد هذه المعركة!!

واختتم قائلا: لو كانت هذه الهزيمة دليل على كذب النبوة أو عدم معية الله للنبي ﷺ فلم يكن القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه ليدخل الإسلام بعدها!


تعليقات