د. حامد الإدريسي يكتب: لماذا احتقر الفلاسفة المرأة!

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 25 أغسطس 2024, 6:58 مساءً
  • 398
تعبيرية

تعبيرية

عبر العصور، وصفت المرأة بأوصاف دونية، ولا سيما في الفلسفة اليونانية والغربية. لقد نظر الفلاسفة إلى المرأة ككائن ناقص غير مؤهل لتحقيق دور الرجل في المجتمع، الأمر الذي أدى إلى احتقارها وتهميشها.

 أفلاطون، في كتابه "الجمهورية"، تحدث عن المرأة باعتبارها أقل من الرجل بطبيعتها. ورغم أنه أشار إلى أن المرأة يمكن أن تتعلم وتساهم في المجتمع، إلا أنه أكد أن قدرتها على الحكم والعمل العقلي أقل بكثير من الرجل. هذا الفهم الناقص لدور المرأة أدى إلى تصنيفه لها كأقل شأناً من الرجل في مجالات عدة.

أما أرسطو، أحد أعظم فلاسفة اليونان، فقد كان أكثر تطرفًا في نظرته للمرأة. فقد اعتبر أن المرأة "رجل غير كامل" وأنها أدنى بطبيعتها من الرجل. يقول: "المرأة بطبيعتها أدنى من الرجل؛ فهي أقل كمالاً، وأضعف في الفضيلة، وأقل كفاءة في العمل". هذا الاعتقاد أسهم في ترسيخ مكانة المرأة كمخلوق أدنى، مما عزز من احتقارها وتهميشها في المجتمع.

 نيتشه، فيلسوف القرن التاسع عشر، عبر أيضًا عن احتقاره للمرأة، في كتابه "هكذا تكلم زرادشت"، يصف المرأة بأنها "سطحية"، وأن "المرأة هي لعبة الرجل". ويؤكد نيتشه أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب وخدمة الرجل، مما يعكس نظرته الدونية والاحتقارية لها، ويكفي عبارته الشهيرة "أنت ذاهب إلى المرأة، لا تنس السوط".

 آرثر شوبنهاور، الفيلسوف الألماني الشهير بتشاؤمه، كانت له نظرة قاسية جداً تجاه المرأة. في مقالته "عن النساء"، يقول: "المرأة بطبيعتها غير مهيأة للعمل العقلي الجاد، وهي محكومة بعواطفها وليس بعقلها". وكان شوبنهاور يعتقد أن المرأة أقل شأناً بكثير من الرجل، وأنها لا تصلح إلا للإنجاب وتربية الأطفال.

إن العقل البشري المحدود لا يمكنه أن يحل هذا اللغز، فهو يرى خلقين متشابهين في كل شيء، فيستنتج بالضرورة تساويهما، ثم حين يجد الفرق كبيرا في ما يمكن لهذين المخلوقين أن يصلا إليه في مجالات العقل والفكر والحضارة، يستنتج ما استنتجه الفلاسفة: المرأة مخلوق ناقص.

ما السبب؟

إن السبب الرئيسي وراء هذه النظرة السلبية تجاه المرأة هو فشل العقل البشري في فهم الدور الذي خُلقت له. فالفلاسفة الغربيون قارنوا المرأة بالرجل، واعتبروا أن نقصها في القوة البدنية والعقلية يعني أنها أقل قيمة. لكن هذه المقارنة غير منصفة، لأن المرأة لم تُخلق أصلا للدور الذي خلق له الرجل، بل لها دورها الخاص والمهم في الحياة.

لقد جاء القرآن الكريم ليبين بوضوح دور المرأة الحقيقي وأهمية هذا الدور في الحياة البشرية. قال الله تعالى: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها}. فدور السكن يختلف تماما عن دور الاستخلاف الذي خلق له الرجل، والذي جاء مبينا في قول الله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة} وهنا فقط يتطابق المخلوقان مع الدورين الذين خلقا لهما، دور الاستخلاف، ودور السكن.

لقد اقترب الفيلسوف الألماني من هذه الحقيقة وإن لم يعبر عنها بشكل واضح، حين قال: "احترام المرأة ليس نابعًا من قوتها الجسدية، بل من دورها كراعٍ للمجتمع والفضيلة." وهو أحد أبرز الملهمين لحركة تحرير المرأة، والتي حاولت أن تصلح خطأها القديم بخطأ آخر: ترجيل المرأة، أي تقويتها لتكون كالرجل، فكانت هذه مصيبة أكبر من المصيبة التي قبلها.

 

إن أساس تكريم المرأة الذي جاء به الإسلام يكن في الاعتراف بدورها، لا بإقحامها في أدوار الرجل، فذلك إنما يؤدي إلى تكريس دونيتها وتعريضها للسخرية، لأنه سيظهر ضعفها في أدوار الرجل، كما يظهر ضعف الرجل في القيام بأدوارها، فلو وضعت الرجل في البيت وحملته مسؤولية الأبناء لظهر فشله وضعفه، كذلك يظهر فشلها حين تضعها في أدوار الرجال، فانظر إليها تجدها في دورها أقدر وأنشط وأوفق من الرجل، فلا يستطيع القيام بما تقوم به.

 وهكذا يظهر التكامل بين المخلوقين، ويظهر الفرق بين التكوينين، تكوين من الطين، وتكوين من الضلع الذي بجانب القلب.

فتمسك بهذا الجواب فإنك تدرك به خطأ الفلاسفة في نظرتهم إلى المرأة، وتدرك خطأ الحضارة الغربية الحديثة حين أرادت أن تكفر عن خطيئتها القديمة تجاه المرأة فجعلت منها رجلا بشعر طويل.


تعليقات