أكاديمية بناء تحتفل بتخريج الدفعة التاسعة في حفل علمي فريد لنقد الإلحاد
- السبت 19 أبريل 2025
الآيتين الكريمتين
من الشبهات التي تتردد أحيانا على ألسنة الملحدين، أن هناك خطأ قرآني تمثل في قوله تعالى في سورة الأنبياء (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {91})، وقوله تعالى في سورة التحريم (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12})
يقول،الدكتور فاضل السامرائي، إن بين هاتين الآيتين
أكثر من نقطة يجب الالتفات إليها أنه في سورة
الأنبياء لم يذكر اسم مريم عليها السلام بينما ذكره في سورة التحريم. والسبب في ذلك
هو أنه أولاً في سورة الأنبياء كان السياق في ذكر الأنبياء (إبراهيم، لوط، موسى، وزكريا
ويحيى) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) ولم يُصرّح القرآن باسمها لأن السياق في ذكر الأنبياء
وهي ليست نبيّة أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم
(امرأة فرعون، امرأة لوط وامرأة نوح) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالاسم
يكون أمدح إذا كان في المدح وأذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من
أعلى المذكورات في سياق النساء ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء
فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة أي الأنبياء فلم يذكر اسمها وهذا من باب المدح
أيضاً.
وتابع: قد ذكر ابنها في سورة الأنبياء ولم يذكره في سورة التحريم. وهذا لأن
سياق سورة الأنبياء في ذكر الأنبياء وابنها (عيسى (عليه السلام)) نبيّ أيضاً فناسب
ذكره وفيها ورد ذكر ابني إبراهيم ويحيى ابن زكريا فناسب ذكر ابنها أيضاً في الآية ولم
يذكره في التحريم لأن السياق في ذكر النساء ولا يناسب أن يذكر اسم ابنها مع ذكر النساء،
ولم يذكر أنها من القانتين في الأنبياء وذكرها من القانتين في سورة التحريم. ونسأل
لماذا لم تأتي (القانتات) القانتات بدل القانتين؟ لأنه في القاعدة العامة عند العرب
أنهم يغلّبون الذكور على الإناث وكذلك في القرآن الكريم عندما يذكر المؤمنون والمسلمون
يغلّب الذكور إلا إذا احتاج السياق ذكر النساء ومخاطبتهن.
وأكمل: وكذلك عندما يذكر جماعة الذكور يقصد بها العموم. وإضافة إلى التغليب
وجماعة الذكور فهناك سبب آخر أنه ذكرها من القانتين وهو أن آباءها كانوا قانتين فهي
إذن تنحدر من سلالة قانتين فكان هذا أمدح لها وكذلك أن الذين كملوا من الرجال كثير
وأعلى أي هي مع الجماعة الذين هم أعلى فمدحها أيضاً بأنها من القانتين ومدحها بآبائها
وجماعة الذكور والتغليب أيضاً.
وأضاف قائلا: ونعود إلى الآيتين ونقول لماذا جاء لفظ (فيه) مرة و(فيها) مرة
أخرى؟ فنقول أن الآية في سورة الأنبياء (فنفخنا فيها من روحنا) أعمّ وأمدح، دليل أنها
أعمّ: ونسأل أيهما أخصّ في التعبير؟ فنقول أن قوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) أعمّ
من (نفخنا فيه) وأمدح. إذن (مريم ابنت عمران) أخصّ من (التي أحصنت فرجها) فذكر الأخصّ
مع الأخصّ وجعل العام مع العام . وكذلك في قوله تعالى (وجعلناها وابنها) في سورة الأنبياء
أعمّ فجاء بـ (فيها) ليجعل الأعمّ مع الأعمّ. وسياق الآيات في سورة الأنبياء تدل على
الأعمّ.
لماذا هي أمدح؟ أيهما أمدح الآية (وجعلناها وابنها آية) أو(صدّقت بكلمات ربها)؟
الآية الأولى أمدح لأن أي كان ممكن أن يصدق بكلمات ربها لكن لا يكون أي كان آية، والأمر
الثاني أن ذكرها مع الأنبياء في سورة الأنبياء لا شك أنه أمدح من ذكرها مع النساء في
سورة التحريم فالآية في سورة الأنبياء إذن هي أمدح لها.
وأشار إلى أنه من الملاحظ في قصة مريم عليها السلام وعيسى (عليه السلام) أن
الله تعالى جاء بضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها) أي عن طريق جبريل (عليه
السلام) وهذا الضمير للتعظيم يأتي دائماً مع ذكر قصة مريم وعيسى عليهما السلام أما
في قصة آدم (عليه السلام) يأتي الخطاب (فنفخت فيه من روحي) لأن الله تعالى قد نفخ في
آدم الروح بعد خلقه مباشرة أما في مريم فالنفخ عن طريق جبريل (عليه السلام).
وتسأل: ما دلالة ضمير التعظيم في قوله تعالى (فنفخنا فيها من روحنا)و الإفراد
في قوله تعالى (ونفخت فيه من روحي) ؟ فأجاب قائلا: إذا كان في مقام التعظيم يسنده إلى
مقام التعظيم وإذا كان في مقام التوحيد يكون في مقام الإفراد، يقول تعالى (إِنَّنِي
أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
(14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا
تَسْعَى (15) طه) إذا كان في مقام التوحيد يُفرِد وإذا كان في مقام التعظيم يجمع.
(وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) مريم). وقسم أيضاً يقول أنه
إذا كان أمر الله بواسطة المَلَك يلقيه يأتي بضمير الجمع وإذا لم يكن كذلك يُفرِد.
وتابع: على سبيل المثال: (وَالَّتِي
أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا
آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) لأن النافخ تمثل لها بشراً سوياً بواسطة ملك
أما عن آدم فقال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا
لَهُ سَاجِدِينَ (72) ص). إذا كان الأمر بواسطة الملك يجمع (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا
مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (40) هود) الملك يبلِّغ هذا. هذا أمر عام، لكن هناك
أمر آخر نذكره وهو أنه في كل مقام تعظيم لا بد أن يسبقه أو يأتي بعده ما يدل على الإفراد
في القرآن كله. لا تجد مكاناً للتعظيم إلا وسبقه أو جاء بعده ما يدل على الإفراد (إِنَّا
أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)) هذه تعظيم ثم يقول بعدها (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ
وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) رب واحد إفراد ما قال بأمرنا.
وأكمل: لو قرأنا في سورة النبأ (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَخَلَقْنَاكُمْ
أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) ثم
قال (جَزَاء مِّن رَّبِّكَ عَطَاء حِسَابًا (36)) بعد كل جمع تعظيم إفراد. ليس هناك
في القرآن موطن تعظيم إلا سبقه أو جاء بعده ما يدل على المفرد (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) الكوثر) لم يقل فصلِّ لنا. هذا لم
يتخلّف في جميع القرآن مطلقاً. إذن عندنا مقام تعظيم ومقام توحيد، يجمع في مقام التعظيم
ويفرد في مقام التوحيد ويقال أنه إذا كان بواسطة المَلَك يجمع مع احتراز أنه ليس هنالك
مقام تعظيم إلا وقبله أو بعده إفراد.