كيف وصل القرآن الكريم إلينا دونَ أنْ يُحرَّف؟ باحث في ملف الإلحاد يوضح

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 19 أغسطس 2024, 8:46 مساءً
  • 126
القرآن الكريم

القرآن الكريم

رد الباحث في ملف الإلحاد محمد سيد صالح، على سؤال يطرحه البعض، ويروج له الملاحدة: كيف وصل القرآن الكريم إلينا دونَ أنْ يُحرَّف، أو يتعرض للزيادة أو النقصان، رغم الزمن الطويل الذي بيننا وبين رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، فما دليل حفظه مِن التحريف أو التبديل؟!

 

وقال في منشور عبر حسابه الرسمي على فيس بوك: قبل أنْ أبدأ في عرض الطرق التي حُفظ بها القرآن الكريم أحبُّ أنْ أؤكد على ثلاثِ نقاطٍ، لربما غفلَ عنها الكثير، ومِن خلال هذه النقاط يَثبت لدينا أنَّ القرآن الكريم محفوظ منذ نزوله ولمْ تمسسه يدُ التحريف البتة.

النقطة الأولى: هنا يتبين لنا مِن خلال التحدي الذي نزل به القرآن الكريم، فكلنا نعرف أنَّ القرآن نزل بلسانٍ عربي مبينٍ متحديًا الإنس والجن أنْ يأتوا بمثله أو بعشر سورٍ مِن مثله أو حتى بسورة مِن مثله، فلو كان القرآن الكريم حُرِّفَ؛ فهذا يعنى أنَّ نصوص القرآن طالته يدُ البشر فحرَّفوه، ولو كان قد حُرف بالفعل إذن مِن السهل أنْ يأتي أي إنسان  بشيءٍ مثلما جاء في القرآن وهذا سيُسهل على الجميع؛ لأنَّ القرآن قد دخله التحريف مِن جنس البشر، وبالتالي فإنَّ كلامهم المُحرف مِن السهل أنْ يُقلد، أوْ يُؤتى بمثل ما جاءوا به، وإنْ عجزوا عن الاتيانِ بمثله فهذا يعني أنَّ القرآن مازال محفوظًا وموجودًا كما أنزله الله سبحانه وتعالى تمامًا، فالتحدي قائم إلى يوم القيامة مَن أراد أن يُثبت أنَّ القرآن كلامٌ بشري، أوْ طالته يدُ البشر بالتحريفِ فمِن السهل أنْ يأتي أيُّ إنسانٍ يُشكك في ذلك بشيءٍ مماثلٍ لِمَا حُرِّفَ.

النقطة الثانية: مِن طُرق حفظِ القرآنِ الكريم الكثيرة جدًا، التي يتميز بها القرآن عن غيره مِن الكتب المقدسة هي "الصلاة" فمنذ أنْ بدأَ الإسلام، والمسلمون يصلون خمس صلواتٍ كلَّ يومٍ مِن الفرائض؛ فضلًا عن السُنن والنوافل.

​وفيها يقرأونَ القرآن ليلَ نهار، وهذا ما يقف حائلًا بينه وبين فقدان شيءٍ منه

ولا يوجد كتاب مُقدس آخر على وجه الأرض يُقرأ كلَّ يوم، ليل نهار، في أنحاء العالم، وبمختلفِ الألسنة إلَّا القرآن، كما أنَّه أثناء الصلاة إذا أخطأ الإمام في آية، أو كلمة، أو حرفٍ، أو تشكيلٍ نجد مَن يُصحح له في الحال بصوتٍ مسموع، وهذا إن دلَ فإنما يدل على استحالة تحريفه، ولو القرآن الكريم حُرف، لوجدنا مئات الملايين من المسلمين ينتبهون لهذا التحريف وينبهون غيرهم منه.

النقطة الثالثة: لو حُرف القرآن الكريم في حُقبة أوْ زمنٍ مِن الأزمان، لوجدنا آثار هذا التحريف في اختلاف نسخ القرآن الكريم، لكن في حقيقة الأمر، كُلُّ نسخ القرآن الكريم حول العالم متطابقة تمامًا وليس فيها أدنى اختلاف.

وعرض "صالح" الطريقتان أو الحِصنان اللذانِ حُفظ بهما القرآن الكريم، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )، فحفظ الله سبحانه كتابه الكريم بطريقتين، وهما: حفظه في الصدور والأذهان، وحفظه مكتوبًا على الألواح وغيرها.

الطريقة الأولى: حفظه في الصدورِ والأذهانِ، وهذه الطريقة هي الأفضل على الإطلاق، والسبب وراء حفظه في الصدورِ والأذهانِ يرجع لعدمِ الاتكالِ على شيءٍ غير العقل، فلو اعتمد الإنسان على حفظ القرآن أو غيره عن طريق الكتابة لربما يدعوه هذا للتكاسلِ، فكُلما سمع شيئًا همَّ بكتابته، ثُم تركه مكتوبًا على الألواحِ والأوراق، دونَ أنْ يحضر القرآن في قلبه.

فالطفلُ الصغير الذي يتعلم الكلام نجده يردِّدُ الكلام الذي يسمعه مرارًا حتى يحفظها، وتترسخ في ذهنه ويخرجها كلامًا وقتَ الحاجةِ إليها، لكنْ لوْ افترضنا أنَّ الطفلَ الصغير كان قادرًا على الكتابة، وَهَمَّ أن يكتب كلَّ كلمة يسمعها؛ فإنَّ هذا سوف يُعطل عنده القدرة العقلية على الحفظ، وتأخره في الكلام لاعتماده على شيءٍ خارجي يحفظ فيه الكلمات بدلًا مِن أنْ يحفظها في ذاكرته وصدره.

ويدل على قوةِ حفظِ القرآن في الصدرِ، والشخص الضرير الذي وُلد فاقدًا بصره لا يستطيع الكتابة أو رؤية الأشياء؛ فيدفعه هذا لحفظ ما يريد في ذاكرته؛ فيكون بذلك متمكنًا مِن حفظه، والدليل الآخر على أنَّ الحفظ في الأذهان والصدور والاعتماد على العقل في حفظ الأشياء، أقوى مِن الاعتماد على حفظ الأشياء في الأوراق، أو بمساعدة عاملٍ خارجي، فالبائع البسيط الذي لا يعرف القراءة والكتابة، مثلًا بائع الفواكه والخضروات، إذا اشتريتَ منه شيئًا بالكيلو الجرام، تجده يحسبُ المبلغَ في ذهنه سريعًا؛ لاعتماده عليه منذ الصغر، وفي المقابل لو طلبتَ مِن مُحاسب قد تخرج في كلية التجارة وامتهنها بعد ذلك أنْ يحسب لك مبلغ هذه الخضروات، لربما يتأخر في حسابها وقد يلجأ لعامل خارجيٍ كالآلة الحاسبة؛ لتساعده على الحساب، وضعفه في الحسابِ راجعٌ لكثرة اعتماده على الآلات الحاسبة مهملًا ذهنه وذاكرته، لذا نقول أنَّ حفظ كلام الله في الأذهانِ والصدورِ أقوى مِن حفظه بأيِّ وسيلة أخرى .

أما بشأن طريقةِ حفظِ القرآن في الصدور والأذهان، بين محمد سيد صالح أنه نزلَ جبريل _عليه السلام _ بكلامِ الله سبحانه على محمد _صلى الله عليه وسلم_، وكان في بادئ الأمر يُبادر رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ بترديدِ كلامِ اللَّهِ الذي نزل عليه بسرعة فائقة؛ لأجل أنْ يحفظه، حتى أنزلَ اللهُ سبحانه عليه: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)()، فتلقف النبي _صلى الله عليه وسلم_ بعد ذلك كلام الله دون أنْ يتعجل.

ثم كانَ يقرأ النبي _صلى الله عليه وسلم _ ما نزلَ عليه مِن كلام الله في صلاته كُلها حتى يتمكن مِن حفظه.

ثم ذهبَ النبيُّ _صلى الله عليه وسلم _ بالقرآنِ الكريم إلى الصحابة، ليحفظوه في قلوبهم وأذهانهم؛ ليكون حاضرًا معهم دومًا، ليعيشوا به في كلِّ أمور دنياهم.

والصحابة _ رضوان الله عليهم- كانوا يأخذونَ القرآن مِن رسول الله ويعتنون بحفظه تمام الحفظ، حتى توافر عدد كبير مِن حفظة القرآن الكريم، والصحابة _رضوان الله عليهم _ كانوا يُحفظون التابعينَ، والتابعونَ كانوا يحفظون تابعيهم، وتابعوهم كانوا يُحفظون تابعيهم، وهكذا..، إلى أنْ وصلَ إلينا حتى يومنا هذا.

فقد وصلَ إلينا القرآن الكريم بالتواترِ، والتواترُ هو: نقلُ جمعٍ كبيرٍ مِن النَّاس يستحيل تواطؤهم على الكذب، إلى جمع كبير يستحيل تواطؤهم على الكذب حتى يومنا هذا.

وهذا في الحقيقةِ مِن أروع طرق الحفظ؛ لاستحالة اتفاق كلُّ هذه الأعداد الناقلة للقرآن الكريم على الكذب، ولو أنَّ أحدهم كذب _حتمًا_ سيجد مِن بين هذه الجموع عددًا كبيرًا يكشفون كذبه.

وأردف: لو جاء أيُّ إنسانٍ، وقد حفظ القرآن الكريم كاملًا بنفسه دونَ أنْ يحفظ على شيخٍ، فلا يُسمى حافظاً للقرآن حتى وإنْ كان حافظًا له؛ لأنَّ مِن شروط هذا اللقب أنْ يحفظ الإنسانُ القرآن على شيخٍ حافظٍ للقرآن، وبعد أنْ يسمع شيخه منه القرآن كاملًا ويتأكد مِن صحته، وسلامة حفظه، ويكون شيخه _أيضًا_ قد حصل على إجازة مِن شيخه، وشيخه حصل على إجازة من شيخه، وهكذا يتصل السند حتى يصلَ إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، ثم جبريل، ثم الله سبحانه

وكلُّ واحدٍ منَّا يستطيع أنْ يتطلع على إجازة رجل حافظ للقرآن الكريم وهم كثيرون جدًا، عددهم في الإسلام يصل إلى مئات الملايين، وهذا الجمع الكبير مِن حُفاظ القرآن الكريم قد حصلوا على إجازاتٍ مِن شيوخهم الحافظين، ومَن نظر في إجازةِ أحدهم، وقرأَ ما فيها سيجد أنَّه قد كُتب في نهايتها اسم الحافظ الأخير، وقبل اسم الحافظ مكتوبٌ اسم شيخه الذي حفظ عليه، وقبل اسم شيخه اسم شيخ شيخه، وهكذا.. إلى أن يصل إلى الصحابي، ثم قبل الصحابي يكون اسم رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، وقبل اسم سيدنا محمد، سيجد عن جبريل عليه السلام، عن ربِّ العالمين، فإجازةُ القرآنِ الكريمِ مُتصلة سندها مِن الحافظ الأخير إلى ربِّ العالمين سبحانه.

وتابع: في سورةِ يوسفٍ _عليه السلام _ في قول الله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ)()، نجد علامة بالصفحة التي فيها هذه الآية، مكتوبٌ فيها إشمامٌ وروم، وهذه الكلمة ليس لها وجود في القرآنِ إلا في حرفٍ واحد وهو حرف النون الذي بكلمة "تأمنا" فقط، ومعنى الإشمام؛ هو ضم الشفتين، كأنَّك تنطق بالضمة مِن دونِ أنْ تنطق الضمة، في ذلك الحرف.

وأهل القرآن قالوا لا بُدَّ مِن ضم الشفتين عند النطق بهذا الحرف في هذا الموضع فقط؛ لأنَّ رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ لمَّا قرأ هذه الكلمة ضم شفتيه في هذا الحرف، فالصحابة أخذوها عنه _صلى الله عليه وسلم _ وضموا شفاههم، والتابعون أخذوها عن الصحابة وضموا شفاههم، وتابعوهم اخذوها عنهم وضموا شفاههم، وحُفاظ اليوم أخذوها عنهم وضموا شفاههم.

وبهذا نجد أنَّ حفاظ القرآن الكريم لمْ يكتفوا بنقلِ آياتِ القرآنِ الكريم، وحروفه، وأصواته؛ بل اهتموا بنقل الرسم التصويري لوجه سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم _ إذا هو نطقَ بالقرآن الكريم، ومثل هذا يستحيل أنْ تجد مثله في نقل أحدٍ، عن أحد غير النقل عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، وهكذا قد حفظ الله سبحانه وتعالى قرآنه

أما عن طريقة حفظُ القرآنِ الكريمِ في السطور، فكان مِن مَزيد عناية النبي _صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه بالقرآن أنْ اعنتوا بكتابته وتدوينه؛ كي يكون حصنًا ثانيًا لحمايته مِن الضياع والتغيير.

فبعدَ أنْ أمر رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ أصحابه بحفظ القرآن في صدورهم طلب منهم حفظه في السطور، ونهى في بداية الأمرِ عن كتابة شيءٍ غير القرآن؛ حتى لا يلتبس بغيره مِن الكلام، ففي صحيح مسلم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنَّ رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، قال: (لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)()، قال النووي في توجيه ذلك: وكان النهي حين خِيف اختلاطه بالقرآن، فلمَّا أمن ذلك أذن بالكتابة.

وقال ابن حجر: إنَّ النهي خاص بوقتِ نزول القرآن؛ خشية التباسه بغيره، وقد بلغ مِن عناية النبي _صلى الله عليه وسلم _ بتدوينِ القرآنِ، أنَّه كان إذا نزل عليه شيءٌ مِن القرآن دعا أحد كُتَّابه، وأمره بكتابة مَا نزل عليه، ففي الحديث عن زيد رضي الله عنه، أنَّ رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ أملى عليه: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين)()، فجاءه ابن أمِّ مكتوم، وهو يُمِلُّها عليه"().

وكان صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ يستعملون في كتابة القرآن ما تيسر لهم، وما توفر في بيئتهم مِن أدواتٍ لذلك، فكانوا يستعملون الجلود، والعظام، والألواح، والحجارة ونحوها، كأدوات للكتابة، روى البراء رضي الله عنه، قال: لما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين)، قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "ادعُ لي زيداً، وليجيء باللوح والدواة والكتف، ثم قال: اكتب"(). 

وفي حديث زيدٍ، عندما أمره أبو بكر _ رضي الله عنه _ بجمع القرآن قال: (فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب، واللحاف، والأضلاع، والأقتاب)، و(العسب) جريد النخيل، و(اللحاف) صفائح الحجارة، و(الأقتاب) الخشب الذي يُوضع على ظهر البعير، وهذه الآثار وغيرها تدلنا على عظيم بلاء الصحابة _ رضي الله عنهم _ في كتابة القرآن، وما تحملوه مِن المشاق لتدوينه والحفاظ عليه، وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي _صلى الله عليه وسلم _ وأصحابه.

ونوه في ختام رده قائلا: إذا بات عندنا الجزم والاعتقاد على وجود الله سبحانه وتعالى، وبات عندنا أيضًا أنَّ القرآن الكريم هو كلامه حقًا، والذي قال فيه: (إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ)()؛ فعلينا أنْ نجزم _أيضًا_ أنَّ الله عز وجل تكفلَ بحفظه، وأنَّ الموجود بين أيدينا الآن في المصاحف هو كلامه جلَّ في علاه، والذي سيظلُ باقٍ على صورته التي نزل بها إلى أنْ تقوم الساعة.

تعليقات