كيف لأمة تدعي أنها على الحق وهي في ذيل العال؟.. باحث بملف الإلحاد يرد

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 05 أغسطس 2024, 8:36 مساءً
  • 162
محمد سيد صالح

محمد سيد صالح

أكد محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، أن تخلف الأمة ورجوعها العلمي والعملي وهوانها سبب من أسباب الإلحاد الواضحة، حيث يرى الشاب أن الغرب في تقدم مادي، علمي، سياسي، اقتصادي.. إلى آخره. وله السيادة والسلطة، والأمة الإسلامية في تخلف ورجوع بل تابعة لأوامر الأمم الأخرى المتقدمة القوية، فيتساءل كيف لأمة تدعي أنها على الحق وهي في ذيل العالم من حيث التقدم المادي والتكنولوجي؟!

ولفت في بداية إجابته على هذا السؤال إلى قول ابن خلدون في مقدمته : "المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته و سائر أحواله و عوائدهوالسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إمّا لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أنّ انقيادها ليس لغلب طبيعيّ إنّما هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك واتّصل لها اعتقادا فانتحلت جميع مذاهب الغالب وتشبّهت به وذلك هو الاقتداء أو لما تراه والله أعلم من أنّ غلب الغالب لها ليس بعصبيّة ولا قوّة بأس وإنّما هو بما انتحلته من العوائد والمذاهب تغالط أيضا بذلك عن الغلب وهذا راجع للأوّل ولذلك ترى المغلوب يتشبّه أبدا بالغالب في ملبسه ومركبه وسلاحه في اتّخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله وانظر ذلك في الأبناء مع آبائهم كيف تجدهم متشبّهين بهم دائما وما ذلك إلّا لاعتقادهم الكمال فيهم وانظر إلى كلّ قطر من الأقطار كيف يغلب على أهله زيّ الحامية وجند السّلطان في الأكثر لأنّهم الغالبون لهم حتّى أنّه إذا كانت أمّة تجاور أخرى ولها الغلب عليها فيسري إليهم من هذا التّشبّه والاقتداء حظّ كبير كما هو في الأندلس لهذا العهد مع أمم الجلالقة فإنّك تجدهم يتشبّهون بهم في ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتّى في رسم التّماثيل في الجدران والمصانع والبيوت حتّى لقد يستشعر من ذلك النّاظر بعين الحكمة أنّه من علامات الاستيلاء والأمر للَّه. وتأمّل في هذا سرّ قولهم العامّة على دين الملك فإنّه من بابه إذ الملك غالب لمن تحت يده والرّعيّة مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآبائهم والمتعلّمين بمعلّميهم والله العليم الحكيم وبه سبحانه وتعالى التوفيق.

وبين أن سببا رئيسيا من أسباب الإلحاد بين شباب المسلمين ورفضهم له هو أننا أصبحنا لا نبالي بالعمل الصالح النافع الذي بدوره يؤدي للنهضة والتقدم والقوة، متابعا: نحن أمة لا تدخل الجنة بالأماني فقط بل يشترط مع الإيمان العمل؛ قال تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجرى من تحتها الأنهار)، وقال سبحانه: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذى كانوا يعملون )، وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ)، وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ)، وقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )، وقوله: ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

وذكر أن كل هذه الآيات وغيرها الكثير تحث المسلم على العمل الصالح وتدل على أن العمل شرط مع الإيمان لإدراك جنة الله سبحانه، والعمل الصالح يشمل كل عمل ينهض به الفرد والمجتمع.

وواصل: كنتُ أتكلم مع أستاذي البروفيسور عمرو شريف ذات مرة حول هذه القضية فأشار لي أنه في الستينيات كان نسبة الملاحدة بماليزيا ٥٪ حين كانت دولة متخلفة، وفي عام ٢٠١٠ حين اصبحت ماليزيا نمرًا آسيويًا وتقدمت تلاشى الإلحاد تمامًا وأصبحت النسبة صفر.

هل يتخيل أحد أنه في العصر الذهبي للمسلمين ( بالأندلس ) كنا سنجد هذا النوع من الإلحاد المنتشر بيننا الآن؟! كيف هذا ونحن كنا في صدارة الدنيا في كل الجوانب والمجالات، كنا في مقدمة العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً وعملياً وثقافياً وفنياً إلى آخره.

كيف هذا والعالم الغربي كان يُرسل أبناءه للأندلس المسلم ليتعلم على أيدي علماء الأندلس من المسلمين؟!

كيف هذا وقد كان أبناء الأمراء في أوروبا في عصرهم المظلم يذهبون إلى بلاد الأندلس ليتعلمون في مدارس المسلمين ويحتكون بهم، وكانوا إذا عادوا بلادهم يضيفون الكلمات العربية بين كلامهم ليظهرون أمام أقرانهم بمظهر المثقف، وكانوا يتبعون المسلمين في ثقافتهم ولباسهم، هذا في العصر الذي كان يُعَّلِم فيه أبو الريحان البيروني المسلمين أن كسوف الشمس سببه مرور القمر بين الأرض والشمس وأن هذا لا يطول أكثر من ساعة بسبب دوران الأرض وأنه يجب علينا التدبر في ملكوت الله والنظر في خلقه بجانب الصلاة والدعاء، وفي نفس الوقت كان يصرخ الأوروبيون إذا شاهدوا كسوف الشمس ويقولون أن ( الغول ) هو الذي أكل الشمس.. كانوا يعيشون بؤس العيش في كل جوانب الحياة اقتصاديا وسياسيًا وعلميًا وعمليًا واجتماعيا، أما المسلمين كانوا في مقدمة العالم والعالم بأسره يسير خلفهم.

وأكمل أما من ناحية القوة والسيادة يا من ضل عن سبيل الله ممن ينطبق عليهم قول الله عز وجل: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير).  فأقول: أنسيتَ تاريخك ( الإسلامي ) المشرق المضئَ أم أنك لم تطلع عليه؟

أنسيتَ حضارة الإسلام التي ملأت الدنيا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن بعده الخلفاءُ الراشدون، والملوك وأئمة الإسلام من بعدهم، أم أنك لا تعرف شيئًا عن هذه الحضارة؟

لو كنتَ قد نسيت فذكر نفسك ولا تغتر بحضارة زائفة آحادية الجانب، وإن كنت لم تطلع فهذه كارثة وطامة ويجب عليك أن تعود للتاريخ لتفخر بدينك وأسسه وتعاليمه ووقتها ستعرف أن العيب لم يكن يومًا في هذا الدين العظيم إنما العيب كل العيب في بعدنا عن تطبيق أحكامه وأوامره، والبعد عن نواهيه.

يقول الحافظ ابنُ كثير في "التفسير" : وقد أنجز الله تعالى موعده له، صلوات الله عليه؛ فإنه تعالى مكن له في البلاد، وحكمه في نواصي مخالفيه من العباد، وفتح له مكة، وأظهره على من كذبه من قومه وعاداه وناوأه، واستقر أمره على سائر جزيرة العرب، وكذلك اليمن والبحرين، وكل ذلك في حياته. ثم فُتحت الأمصار والأقاليم والرساتيق بعد وفاته في أيام خلفائه"، وقال أيضًا: " فإنه لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فَتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر والإسكندرية وهو المقوقس وملوك عمان والمجاشي ملك الحبشة. ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق، وأطد جزيرة العرب ومهدها وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صُحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه، ففتحوا طرًفا منها، وجيشًا آخر صحبة أبو عبيدة ومن معه إلى أرض الشام، وثالثًا صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بُصرى ودمش ومخالفيهما من بلاد حوران وما والاها، قم استخلف اعمر بن الخطاب الفاروق؛ فقام في الأمر بعده قيامًا تامًا. لم يدر الفُلك بعد الأنبياء عليهم السلام على مثله، في قوة سيرته وكمال عدله. وتم في أيامه فتح البلاد الشامية بكاملها، وديار مصر إلى آخرها، وأكثر إقليم فارس، وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان، وتقهقر إلى أقصى مملكته، وقصر قيصر، وانتزع يده عن بلاد الشام فانحاز إلى قسطنطينية، وأنفق أموالهما في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله صلوات ربي عليه.

ثم لما كانت الدولة العثمانية، امتدت المماليك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك: الأندلس، وقبرص، وبلاد القيروان، وبلاد سبتة مما يلي البحر المخيط، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين، وقتل كسرى، وباد ملكه بالكلية. وفتحت مدائن العراق، وخراسان والأهواز، وجبي الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه. وهذا ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أمتي ما زوي لي منها" وتحقق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله. هكذا مكن الله تعالى للسابقين الصالحين؛ فلابد أن تعلم أيها المسكين أن ما نحن فيه الآن من ذلً وضعفٍ وهوان؛ إنما هو بسبب إعراضنا عن شرع ربنا، وعن دين نبينا صلى الله عليه وسلم بالدرجة الأولى، ثم بعد ذلك لأننا قصرنا وفرطنا في الأخذ بأسباب الرقي والتقدم، على الرغم من كثرة مقدرات وخيرات هذه الأمة المباركة.

واختتم محمد سيد صالح: هكذا هي الحياة؛ ( المنهزم دائمًا يتبع المنتصر في كل شيء )، ونحن الآن أمة منهزمة، هزمنا أنفسنا بأنفسنا وبعدما كنا نرعى الأمم أصبحنا نتذلل لمن يرعانا !! ولكن تلك الأيام دِول ودوام الحال من المحال، وكما قال صلى الله عليه وسلم: ( إن حقًا على اللهِ عزَّ وجلَّ ، أن لا يَرْتَفِعَ شيءٌ مِن الدنيا إلا وضعَه ).  هذا حتى لا يغتر الإنسان في نفسه ويظن أنه إله. نحن أمة ظلت جُل عصرها في تقدم وازدهار وما تخلفنا إلا في القرون الأخيرة والأخيرة جدًا وقبل ذلك كانت الحياة كلها بفضلٍ من الرحمن لنا وبإذن الله لن تطول الغربة وسنعود مثلما كنا في مقدمة العالم، وسيكون زمامه بأيدينا بحول الله وقوته... ولكن حينما ننصر الله بطاعته وتجنب نواهيه ( إن تنصروا الله ينصركم ).

تعليقات