نهر الفرات ونبوءة الذهب.. حين يسبق الحديث الشريف علوم الجيولوجيا
- الإثنين 21 أبريل 2025
محمد سيد صالح
رد الباحث في ملف الإلحاد، محمد سيد صالح، على سؤال: كيف لإله عظيم يعذب إنسان مسكين لمجرد أن ثوبه يصل أسفل كعبيه وأن هذا الحديث في صحيح مسلم؟
وقال في منشور عبر حسابه الرسمي على فيس بوك: تواصل معي شاب عربي يعيش بإحدى الدول الأوروبية وحدثني عن ما وقع فيه من اكتئاب شديد أدى به إلى التواصل مع بعض الشباب الملحد حتى أصابه شيء عظيم من فكرهم الإلحادي، وأخبرني أن ما وصل إليه من اكتئاب كان نتيجة لما يسمعه من الخطباء والدعاة عن العذاب والنار وشدتها وقسوتها، فسألني متعجبًا كيف لإله عظيم يعذب إنسان مسكين لمجرد أن ثوبه يصل أسفل كعبيه وأن هذا الحديث في صحيح مسلم!!
وبين أن "هذا
السؤال لمس قلبي وجعلني ألتمس له العذر في ما وصل إليه، خاصة أننا في زمن قل فيه
العلماء وازداد فيه الفتن العظيمة، فقد يرى الشاب أن شيء كهذا لا يحتاج لعذاب
بالنار كهذه، وأدركتُ أن الناس كل الناس، بحاجة إلى الرحمة، علمًا وعملًا ومسلكًا،
إذ إن الرحمة كمال في الطبيعة البشرية؛ وهي من أعظم مكارم الآداب ومحاسن الأخلاق ولأن
الإنسان يتميز في إنسانيته بروحه وعقله وقلبه، فبها يتعامل مع الخالق والخلق، وبها
يؤثر ويتأثر، وبها يتألم ويرحم ويرأف، والخلق في أمس الحاجة لمن يرق لآلامهم،
فيسعى لإزالتها أو تخفيفها؛ يواسيهم في مصائبهم ولا شك أن الإلحاد ووقوع الشك في
القلب من أعظم المصائب التي قد تحل بالإنسان، هؤلاء بحاجة لقلبٍ رحيم يكف الشر
عنهم ويتلمس أعذارهم، ويتغافل عن جهلهم، هؤلاء بحاجة لقلب رحيم يشفق عليهم ويرأف
بهم ببشاشةٍ وسماحة وود، دون منًّ أو أذى لذا حاولتُ أن أزيل عنه هذه الصورة
التشاؤمية حول الإسلام دون خلل بآيات العذاب بل حولت له الفكرة المغلوطة حول آيات
العذاب وجعلته يطمئن بها ويحمد الله على وجودها.
وجاء في إجابة "صالح"
أن هذا الإعلام والإخبار عن أنواع العذاب يُعد دليلًا في ذاته على رحمة الله ورحمة
الإسلام بنا.
وتابع في حديثه
مع الشاب: لو أنك كُلفت بإيصال أمانة من مكانٍ إلى مكان وهناك طريقان كلاهما يصلان
بك إلى نهاية الطريق وقبل أن تسلك أحد الطريقين قابلك شخص ما وحذرك من إحداهما
فأخبرك أن الطريق الأيسر مظلم وملئ بقطاع الطرق واللصوص ولو سلكته لن تنجو، أما
الطريق الأيمن فهو طريقٌ آمن للغاية يستأنس كل من يسلكه وليس فيه أدنى خطورة. وبعد
هذا الإعلام من الرجل فكيف سيكون ظنك به؟ قال: سأظن فيه الخير كله والرحمة بي وأنه
أراد بإخباري هذا السلامة لي والوصول المطمئن، وسأشكره على صنعه الطيب الرحيم.
قلتُ: ولله
المثل الأعلى فهذا ما يجب أن نفعله مع الله سبحانه، لأن إخباره لنا يدل على
التنبيه والإرشاد وأنه ما أراد لنا إلا الخير والرحمة بنا، فكيف لا نُحسن الظن به
سبحانه؟! .. ثم قلتُ له:
وتابع: كان
لعبدالله بن المقفع في ترجمته للكتاب الشهير ( كليلة ودمنة) مقولة مشهورة وهي: «من
أَمِن العقوبة أساء الأدب» وهذه المقولة توضح لنا أهمية الإخبار عن آيات العذاب
وأنها لا تقل أهمية عن الإخبار بالنعيم. فهذه المقولة نقولها دائمًا على كل من
يتجاوز نصوص القانون ومواد النظام، بمعنى عندما لا نفعِّل القانون ونصوصه ويكون
التأديب رادعًا، عندها يتم ارتكاب المخالفات، تحل الفوضى والغوغاء في المجتمع،
وهذا يجعل المخالف يتصرف دون محاسبة أو رقابة، بل يتمادى أكثر وأكثر في تجاوزاته
ومخالفاته، فعندما يتيح للشخص الحصانة أو الحماية من العقاب، قد يفقد الشعور
بالضبط والاحترام ويتجاوز الحدود المعتادة في تصرفاته، لذا من كمال هذا الدين
إعلامنا بالعقوبات الأخروية لتنضبط تصرفاتنا وينضبط سلوكنا، وألا نظلم أو نسرق أو
نعتدي على الآخرين.. إلخ.
وواصل: أخبرته
أن للنار درجات فليس من وقع في الكفر متساوٍ مع من وقع في الزنا وليس من وقع في
الزنا متساوٍ مع من وقع في دون ذلك. كما أن من رحمته سبحانه وتعالى إخراجه من
النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى ذرة من إيمان بشفاعة الشافعين، حتى إذا لم
يتبق لأحد غاية في شفاعة، ولا مطمع في رجاء، أخرج الرحمن برحمته من لم يفعل خيرًا
قط من أهل التوحيد؛ فهم: " عتقاء الرحمن" ومع ذلك فعقيدة أهل السنة أن
مات على معصية وهو مؤمن بالله موحد له يقع تحت مشيئة الله يوم القيامة فإن شاء
عذبه بقدر معصيته وإن شاء غفر له بغفرانه ورحمته.
وأكمل: أخبرته
أن من رحمة الله عز وجل بنا أنه كما أن هناك عذاب فهناك أيضًا نعيم أبدي والمفترض
حسب القوانين البشرية أن تكون نسبة دخول أيا منهما متساوية، لكن عند الله سبحانه
كفة دخول الجنة والاستمتاع بنعيهما تفوق نسبة دخول النار بمراحل كبيرة للغاية.
فكما جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا " إنَّ اللَّهَ
كَتَبَ كِتابًا قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إنَّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي،
فَهو مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ" يُفهم من هذا الحديث العظيم أن
الواحد منا لو وقع في ذنبٍ ما يغضب ربه، فرحمته كانت أسبق من غضبه على عباده ورفقة
وإنعامًا عليهم، لذا تكون فرصتنا للجنة أكبر.
وبين أن من
صور رحمة الله تعالى بنا والتي تؤكد على أن فرصة دخول الجنة أعلى من دخول النار أن
الله جعل باب التوبة هو أكبر باب في الدنيا باب ما بين مصراعيه ما بين المشرق
والمغرب يسع الخلق جميعًا في آن واحد، وأن هذا الباب لا يغلق إلا بموت الإنسان،
وأخبرنا سبحانه أنه يُحب التوابين أي من يفعل الذنب ويتوب توبة صادقة ثم يفعله
ويتوب ثم يفعله ويتوب.. فلو وقع في الذنب ألف مرة وتاب إلى الله ألف ومرة لتاب
الله عليه، وهو الذي جعل الحسنات يذهبن السيئات كما ذكر ذلك في سورة هود، وهو
القائل سبحانه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا
تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )، فكيف نسئ الظن بمن يغفر لنا ذنوبنا بمجرد
توبتنا الصادقة وإن كانت مثل زبد البحر، أو وصلت إلى عنان السماء، أو كانت الخطايا
بقراب الأرض؟!
وأكثر من ذلك
فهو الذي بشر التائب فقال سبحانه: ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا
صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ) فلو كان عمر ذنوبك ثلاثون عامًا ثم عدت إليه بالتوبة
والعمل الصالح ستتحول تلك الثلاثين من السيئات إلى ثلاثون من الحسنات.
كما أننا نعلم
أن لله أسماء وصفات كثيرة كالجبار والمنتقم والعزيز والقوي والمتين .. إلخ صفاته
العلا ومع ذلك لم يختر أيا من صفاته العلا ليبدأ بها سور قرآنه إنما أنزل سبحانه
وتعالى مع كل سورة (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا سورة براءة، ولكن جاءت البسملة
مكررة مرتين في سورة النمل، لتصبح البسملة في القرآن تتوافق مع عدد سور القرآن
الكريم، وكأن الله أراد أن يخبرنا أن هذا الدين كله الذي بين أيديكم أنزله الرحمن
ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق وأنه الرحيم بالمؤمنين فلا تخشوا ما فيه أبدًا،
بل نطمئن بما فيه.
ومن صور رحمة
الله عز وجل ما جاء عن عمرَ بنِ الخطاب قَالَ: قَدِمَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْيٍ،
فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَسْعَى، إِذْ وَجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْي
أَخَذَتْهُ فَأَلْزَقَتْهُ بِبَطْنِها، فَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ رسُولُ اللَّه ﷺ:
أَتُرَوْنَ هَذِهِ المَرْأَةَ طارِحَةً وَلَدَهَا في النَّارِ؟ قُلْنَا: لا
وَاللَّهِ، فَقَالَ: للَّهُ أَرْحَمُ بِعِبادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا متفقٌ
عليه. وهنا أتذكر ما قاله سفيان الثوري لحماد بن سلمة : يا أبا سلمة! أترى الله
يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خيرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوي
لاخترت محاسبة الله، وذلك لأن الله أرحم بي من أبوي. كلٍ منا على يقين أن حسابه
يوم القيامة لو كان على أحد أبويه فمآله لا يكون إلا الجنة، لكن لعلم حماد بن سلمة
برحمة الله سبحانه المطلقة فقال مقالته الحسنة هذه التي يكسوها حُسن الظن به
سبحانه وتعالى.
▪️ولو شئنا قلنا أن الله عز وجل هو أرحم
بنا من أنفسنا على أنفسنا، فالواحد منا قد يُهلك عقله بشرب الخمر والله قد نهانا
عن ذلك، وقد يُهلك جلده بكثرة الأوشام والله قد نهانا عن ذلك، وغير ذلك من صور
الرحمة الإلهية التي ينفد ماء البحر ولا ينفد الكلام عنها.
لذا كان على أهل العلم والفكر والتربية العمل على تجلية مفهوم الرحمة وما يتعلق به في معناها، ومقتضاتها، وما يضادها كالحديث عن آيات العذاب يجب التفصيل المطمئن وذكر آيات النعيم معها مع بيان الحكمة من وراء العذاب ووجوده خاصة في ظل هذه الأيام التي أصبح الفتن فيها كقطع الليل المظلم حتى يطمئن النشء ولا تتكون لديه صورة تشاؤمية عن الإسلام.