باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
د. عباس شومان (صورة لـ المنظمة العالمية للأزهر)
الأطفال هم زينة
الحياة وبهجتها، قال تعالى:{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}،
وهم هبة من الله لعبادة وسبب من أسباب الرزق لوالديهم :{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ
وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ
وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}، وهم القوة الدافعة للوالدين لبذل ما في
وسعهما من أجل حياة سهلة ومستقبل مشرق لأطفالهما، وكلَّما أفلحنا في تهيئة البيئة
الصالحة، والتي تشمل التربية والتعليم
والرعاية الصحيَّة والنفسيَّة لأطفالنا ضمنَّا مستقبلًا أفضل لحياتهم، وتحققت
تطلعاتنا وأمنياتنا لهم، ولقد اهتمت شريعتنا بالأطفال ليس من لحظة ولادتهم ووصلوهم
لدنيانا، بل من بداية تفكير الشاب والفتاة في بناء الأسرة المنتجة لهم، فوجَّه
شرعنا الشباب لإحسان اختيار شريكة الحياة والتحقق من صفات معيَّنة فيها تجعلها
أمًّا صالحة لأبنائها، وأهم الخصال التي وجَّه بها شرعنا أن تكون صاحبة دين ففاقد
الشيء لا يعطيه.
وحيث إننا نرغب
في تنشئة أبنائنا على حبِّ دينهم والتمسُّك بتعاليمه؛ فإنَّ اختيار صاحبة الدين
ضمانة لتنشئة الأطفال على الدين وقيمه الأخلاقيَّة والسلوكيَّة القويمة؛ ولذا قال
ربُّ العزة – جل وعلا- :{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ
لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}،
وعدَّد رسولنا- صلى الله عليه وسلم- الصفات التي يبحث عنها الشباب حين يريدون
الزواج في الفتاة التي يرغبون في الزواج منها، ثم بيَّن الدين أفضلها وأهمها من
جهة الشرع فقال :«تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا
وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ»، ومع
أنَّ التوجيه باختيار صاحبة الدين هو توجيه للفتاة في نفس الوقت باختيار صاحب
الدين، فليظفر الشاب بذات الدين ولتظفر الفتاة بذي الدين؛ إلَّا أنَّ أولياء المرأة وجَّهوا في خطاب خاص لاختيار
الشاب الصالح التقي لابنتهم:« إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ
وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ،
وَفَسَادٌ عَرِيضٌ»، فإذا بنيت الأسرة في لبنتها الأولى على سلامة الدين وتعاليمه
في طرفيها؛ أنتجت أطفالًا يملكون تنشئة صحيحة في كنف والدين يعرفان واجباتهما تجاه
أطفالهما.
ثم نجد أنَّ
شرعنا حمى الأجنة في بطون أمهاتهم، فمنع إجهاض الحمل دون ضرورة أو حاجة شديدة،
فإذا ولد الطفل فقد تأكَّد حقُّه في الحياة، وأصبحت نفسه مساوية لنفس البالغ
والشيخ الكبير، يحرم الاعتداء عليها بأي وجه من وجوه الاعتداء، ويُعاقَب المعتدي
على الطفل بذات العقوبة التي يُعاقَب بها المعتدي على الآدمي الكبير.
ثم ألزم شرعنا
الأبوين باختيار الاسم الحسن الذي لا يُخزى منه الطفل عندما يكبر بين أقرانه،
وأفضل الأسماء ما عُبِّدَ وحُمِّد، وألزمهما بحسن رعايته والقيام على شأنه قال
-صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،
الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ
وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا
وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ
وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» قَالَ: - وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ -
«وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ
رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
ومن هذه الرعاية
بكلِّ تأكيد تربية الأولاد وتعليمهم أمور دينهم وأخلاقيَّاته وسلوكيَّاته وتعويدهم على أداء واجباتهم ثم
إلزامهم بها بداية من سن العاشرة : «مُرُوا الصِّبْيَانَ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ
سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا فِي عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي
الْمَضَاجِعِ»، ويلاحظ من هذا الجزء البسيط من توجيهات شرعنا فيما يتعلق بالطفولة
بداية من التفكير في الزواج من قبل والديهما وحتى سن العاشرة الذي يبدأ فيه إلزام
الأطفال بالصلاة التي هي أول الأركان العمليَّة في ديننا وثانيها بعد الشهادتين مع
أنَّ الأطفال لم يبلغوا عند هذه السن من باب التعويد عليها قبل وصول الأطفال مرحلة
البلوغ، وما يترتب عليه من إلزام كامل بفرائض الإسلام كالكبار، وذلك حتى يكونوا
قادرين على التعامل مع الفرائض بشكل صحيح وقبول نفسي دون عنت يذكر، بل مع استمتاع
وإحساس بطعم العبادة التي عُوِّدُوا عليها قبل أن يبلغوا سنَّ التكليف الشرعي،
وإنما وجَّه شرعنا بذلك حيث يصعب على شاب أَلِفَ اللعب والمرح فقط حتى بلغ أن
يلتزم التزامًا كاملًا بالفرائض عند بلوغه.
وليست الأخلاق
والسلوكيَّات والعبادة فقط هي التي يُعلِّمها الآباء والأمهات لأطفالهم، بل عليهم
أن يراعوا احتياجاتهم وميولهم كأطفال فيسمحوا لهم باللعب والمرح المحبب لنفوسهم؛
وبخاصة الإيجابي منه والذي يعود عليهم بالقوة البدنيَّة وينمي قدراتهم في التفكير
العقلي والقدرة على التعامل مع المواقف التي تعرض لهم في حياتهم؛ ولذا روي عن
مكحول أنَّ عمر بن الخطاب كتب إلى أهل الشام :«أن علِّموا أولادكم السباحة والرمي
والفروسيَّة".
وإذا كان هذا هو
التوجيه الشرعيُّ لما ينبغي أن يُنشَّأ عليه الأطفال في هذه المرحلة العمريَّة
المبكرة، التي هي مرحلة التأسيس والتكوين البدني والعقلي قبل تحمل مسؤوليَّة
التكليف ومواجهة أعباء الحياة شيئًا فشيئًا؛ فإنَّ نظرة إلى واقع أطفالنا تظهر
خللًا كبيرًا وتقصيرًا من غالب الآباء والأمَّهات، فالقليل منهم هو من يتعهد
أولاده في ضوء التوجيه الشرعيّ، حيث يكتفون بالإنفاق الماليّ ويتركون الباقي
للمؤسسات التي يدرسون فيها، والتي هي بدورها إن قامت بدورها فإنَّها تركِّز على
الناحية التعليميَّة المتعلقة بالمقررات الدراسيَّة، وبذلك يفقد أطفالنا في نعومة
أظافرهم التربية الأخلاقيَّة والسلوكيَّة، حيث ينشغل الآباء والأمَّهات بتدبير
النفقات الماليَّة والتغلب على عقباتها الكثيرة، فلا حوار مع الأطفال ولا توجيه،
والأدهى من ذلك ترك الأطفال يكوِّنون ثقافتهم وسلوكيَّاتهم من تلك الأجهزة التي
حلَّت في أيديهم محلَّ الكتب وحتى الألعاب التقليديَّة، فأصبحت الألعاب
الإلكترونيَّة على ما فيها من مساوئ أخلاقيَّة وما تحمله من عنف وتدمير فكري هي
عشق الأطفال وحياتهم اليوميَّة، فيندر أن تجد طفلًا يمسك بقصة هادفة، أو كتاب
مدرسي، أو حتى يميل للذهاب إلى الأندية الرياضيَّة، وإنما يفضل الانزواء مع معشوقه
المحمول، وباقته المشحونة؛ ليمارس حياة الشباب والكبار، دون رقيب من والديه، بل
ربما تجد بعض الآباء لا ينزعج إذا غاب طفله دون أن يسأل أين هو ولا مع مَنْ من
أصدقائه وزملائه؛ ليكتشف بعد فوات الأوان أنَّ أبنه أصبح من المدخنين وهذا أدنى
الأضرار، والأدهى إذا كانت طفلة تتعود على الذهاب لبيوت زميلاتها بحجة المذاكرة،
فكثير من المصائب الأخلاقيَّة قد وقعت لكثير من الفتيات بل والأطفال، ومنها
الاعتداء الجنسي، من قبل أحد أفراد زميلتها في بيته أو غيرهم أثناء عودتها إلى بيتها
في ساعة متأخرة من الليل، ويندر أن تجد والدًا أو والدة يسأل طفله كم صلاة صلى في
يومه، وكم آية قرأ أو حفظ، وكثير من الآباء لا يعلم شيئا عن مستوى أطفاله الدراسي،
بل ربما وصل الحال ببعضهم أنَّه لم يعلم أنَّ ولده راسب يعيد دراسة العام السابق،
وهو يوهم والديه أنَّه انتقل إلى السنة التالية.
إنَّ الحال الذي
وصل إليه غالب أطفالنا يدل دلالة واضحة على عدم قيامنا بواجباتنا نحو أطفالنا، حيث
حرمناهم من التمتع بطفولتهم، وسمحنا لهم بأنَّ يعيشوا حياة الشباب والكبار وهم في
أعوامهم الأولى من عمرهم، حتى إنَّ المصطلحات التي يرددونها والمهارات التي يعرفونها
عن أجهزتهم الإلكترونيَّة نجهلها نحن الكبار، وليتها كانت في الإطار الإيجابي
النافع! كما تركناهم يضيعون سلوكيًّا وأخلاقيًّا، ويتخلفون فكريًّا حتى تحول بعضهم
إلى إرهابي لا يحمل إلَّا العداء لمجتمعه، وليعلم الآباء والأمهات أنَّ
مسؤوليَّاتهم تجاه أطفالهم لا تنحصر في الإنفاق المالي، وأنَّهم سيسألون عن
تقصيرهم في تربيتهم التربية الصحيحة، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
نقلا عن: صوت الأزهر