لماذا لا تكون هناك حضارة عظيمة أو أي شيء ماديٌّ هو المسؤول عن إيجاد كوننا؟

  • جداريات Jedariiat
  • السبت 13 يوليو 2024, 9:36 مساءً
  • 142
هيثم طلعت ـ الباحث في ملف الإلحاد

هيثم طلعت ـ الباحث في ملف الإلحاد

رد الدكتور هيثم طلعت، الباحث في ملف الإلحاد، على سؤال يطرحه البعض يقول: لماذا لا تكون هناك حضارة عظيمة أو أي شيء ماديٌّ هو المسؤول عن إيجاد كوننا؟

 

وبين أن هذا سؤال متكرر وبالمناسبة الذي يعرف جواب هذا السؤال سيعرف أيضًا جواب شبهة: مَن خَلَق الخالق؟ وجواب هذا السؤال هو جواب أيضًا لشُبهة: مَن خلق الخالق؟

وأشار إلى أن هذا السؤال أجاب عنه علماء الإسلام قبل أكثر من ألف عام، وقد قال علماؤنا: التسلسل في الفاعلين يُؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع الأفعال.

وبين أن التسلسل في الفاعلين: أيْ وجود أكثر من خالق، مثل: حضارة عظيمة أوجدتنا، أو شيء مادي أوجدنا، أو خالق أوجده خالق آخر والخالق الآخر أوجده آخر وهكذا... هذه الحضارة، هذا الشيء المادي، هذا الخالق المخلوق: هؤلاء جميعًا سيحتاجون لشيء آخر أوجدهم، أليس كذلك؟

والذي أوجدهم سيحتاج لموجدٍ ثالث وهكذا! هذا يُسمَّى بالتسلسُل في الخالقين أو التسلسل في الفاعلين.

لكل موجود مُوجِد وكل مُوجِد يحتاج لموجِدٍ وهكذا، وهذا التسلسل الذي يفترضه الملحد مُحالٌ عقلًا! لأنه لو أن كلَّ موجودٍ له مُوجِد فلن يوجد أيُّ شيء؛ لأن كل شيء يترتَّب وجوده على شيءٍ يسبقه، والذي يسبقه يحتاج لموجِد ثالثٍ وهكذا، بهذه الصورة لن يوجد أي شيء لا خالقون ولا مخلوقات؛ لأن الكل غير مُكتفٍ بذاته، الكل مفتقر!

وشدد على أنه لا بد أن تقف السلسلة عند مُوجِد أوَّل خالق أزلي، وإلا لما وُجد أي شيء!

وتابع: حتى نستوعب هذه القاعدة أكثر سنضرب عليها المثال الشهير مثال: الجندي والرصاصة، لو أن جنديًّا ينتظر الأمر من القائد بإطلاق رصاصة، والقائد ينتظر الأمر من قائدٍ آخر وهكذا إلى ما لا نهاية فلن تخرج الرصاصة أبدًا، فلو أن كل حضارة يتوقف وجودها على حضارة أخرى سبقتْها، فلن تظهر هذه الحضارة ولا التي أوجدتها ولا التي سبقتهم، لن يظهر أي شيء لأن الكل مفتقر!

فالتسلسل في الفاعلين يؤدي بالضرورة إلى عدم وقوع أفعال.

 

التسلسل في الخالقين يؤدي إلى عدم وجود مخلوقات، وبما أنه هناك مخلوقات، إذنْ بالضرورة العقلية هناك خالق أوَّل واجب وجود؛ واجب وجود أي: لا يستمدُّ وجوده من غيره سبحانه، وبالتالي فجواب سؤال مَن خلق الخالق؟ هو: لو أنَّ لكل خالق خالقًا آخر وهكذا، لما ظهر أي خالق، ولما ظهرت أيَّة مخلوقات.

وبناءً على ما سبق فإذا سُئِل ملحد عن: ما مصدر هذا الكون فأجاب بـ: افتراض حضارة عظيمة أوجدتنا أو شيء مادي أوجدنا أو خالق مخلوق؛ فإنَّ هذه الافتراضات من الملحد ستُوقِع في التسلسل المحال عقلًا.

أيضًا هذه الافتراضات ليست جوابًا عن السؤال! لأن السؤال التالي من الطرف المؤمن سيكون كالآتي: ومَن الذي خلق تلك الحضارة؟ مَن الذي خلق ذاك الشيء المادي؟

فالملحد لم يُقدم جوابًا بهذه الافتراضات، ثم هل يملك صاحب هذه الافتراضات، هل يملك دليلًا أو برهانًا أو مستندًا أو خبرًا من تلك الحضارة مثلًا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون رجمًا بالغيب؟

 

وتسائل هيثم طلعت: كيف لصاحب افتراض بهذه السطحية أن يَعيب على الجواب الديني؟

الجواب الديني أكثر منطقية وتناسقًا مع نفسه، ولا يقع في التسلسل المحال عقلًا، ثم إن الجواب الديني يمتلك دعمًا نقليًّا مباشرًا، يمتلك النص الديني، ويمتلك برهان الأنبياء الذين أتَوْا وأخبروا بهذا الجواب، وهؤلاء الأنبياء أُيِّدوا بالمعجزات والدلائل لتوكيد صحة هذا الجواب!

فالجواب الديني يمتلك دعمًا نقليًّا مُوثَّقًا وهو متسق مع ذاته.

أيضًا الجواب الديني يمتلك مستند عدم المعارِض، حيث لم تترك لنا تلك الكائنات هذه الدعوى العريضة التي تُثبت قيامها بذلك، فليس هناك معارض عقلي ولا نقلي ولا علمي لوجود الخالق سبحانه.

أيضًا الجواب الديني متفق مع ما انتهى إليه العِلم من عدم وجود أيَّة مادة أو زمن قبل كوننا، بل المادة والزمن أتيا إلى الوجود لحظة ظهور الكون، وبالتالي فكيف يكون هناك شيء مادي أوجد كوننا إذا كان الكون أتى من اللامادة؟

جلست أتصوَّر ما مُنتهى هذه الافتراضات التي يضعها الملاحدة: حضارة أخرى، خالق مخلوق، شيء مادي!

ما مُنتهى كل هذا؟

وبعد تفكير وجدتُ أن ما يفعله الملاحدة بالضبط هو: أنهم يضعون في الطريق إلى إثبات الخالق -يعني هم سينتهون إلى إثبات الخالق وإلا لوقعوا في التسلسل اللانهائي- يضعون في هذا الطريق افتراضاتٍ متهافتة لا يجد العقلاء من القرائن ما يوحي -ولو من بعيدٍ- بوجودها أصلًا!

فهذه الافتراضات ليست جوابًا في حد ذاته، وإنما هي إرجاء المطلَب المعرفي، إرجاء إثبات الخالق خطوة للوراء لا أكثر.

يؤجلون إثبات الخالق لخطوةٍ واحدة دون دليل على هذا التأجيل أو هذه الخطوة!

{قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148].

تخرُصون: تضعون الافتراضات من خيالكم لا أكثر!

والعجيب أن الملحد يفرح بهذه الافتراضات جدًّا، يفرح بهذا التأجيل لإثبات الخالق ويراه حلًّا ذكيًّا؛ لأنه ببساطة يكره ويشمئزُّ من القول الديني بوجود الخالق، مع أنه سيثبته بعد قليل رُغمًا عنه وإلا لوقع في التسلسل.

وهذا يؤكد أن مشكلة هؤلاء نفسيَّة لا علميَّة ولا عقليَّة، مشيرا لقول الله  {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45].

وأكد في إجابته على أن التسليم لله بالخلق والأمر هو نهاية قصة المصير الإنساني، سواءً شئنا أم أبينا، إن هذا التسليم هو الاستجابة المُثيرة للقضية الإنسانية الكُبرى.

ولفت إلى  أن الإسلام لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا مُحرَّماته، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه - من حقيقة التسليم لله- إنه استسلام لله، إنه الإسلام.

 

تعليقات