باحث في ملف الإلحاد: كثرة اتباع الحوادث تجعل العقيدة تتزعزع من القلوب
- الجمعة 13 ديسمبر 2024
عباس شومان
إذا أردت أن تعرف المنطلق الفكري لجماعات التضليل التي تظهر وتنشط أحيانًا، وتتوارى في غياهب النسيان أحيانًا، فعليك بالتفتيش عن بعض قادة التضليل الذين أفنوا حياتهم في محاولة هدم الإسلام وغواية المسلمين، ومن هؤلاء : اليهودي المجري جولد تسهير، ومواطنه إجناتس جولدزيهر ، واليهودي الألماني جوزيف شاخت ....، وأبرز وأخطر هؤلاء وأمثالهم المبشِّر الأمريكي: صمويل مارينوس زويمر، الذي ولد في 12 أبريل1867م في (فريسلاند مشيجن) بأمريكا، وحصل على درجة الماجستير من المدرسة اللاهوتيَّة (نيوبرونزويك)، والدكتوراه من كلية هوب في (1904م)، ودرجة الحقوق من كلية (مسكنگم) في (1918م)، ودرجة الدكتوراه من كلية (رتگرز) في (1919م)، وقد خصص حياته للعمل بالتبشير وبخاصة في المنطقة العربيَّة، وكان قد بدأ بالتبشير في البصرة والبحرين، وفي مواقع أخرى في الجزيرة العربيَّة من عام (1891م حتى 1905م)، وخدم زويمر في مصر في الفترة (1913-1929م)، وسافر أيضًا على نطاق واسع إلى آسيا الصغرى، وانتخب زميلًا في الجمعيَّة الجغرافَّية الملكيَّة في لندن.
أنشأ معهدًا
تبشيريًّا وسُمِّي باسم زويمر تخليدًا لأعماله في سبيل التبشير، وكان الهدف الأول
والأساس من إنشاء المعهد هو تنصير المسلمين، ولقد اعترف بفشله الذريع حيث أعلن في أحد مؤتمراته عن فشل مغامرة التنصير
خلال ربع قرن، وغَيَّر وجهة دعوته من الدعوة للدخول في المسيحيَّة إلى مجرد إخراج
المسلمين من دينهم، وذلك بالتشكيك في ثوابت الدين، وهدم قيمه ومبادئه، فأعلن في
مؤتمر في القدس الذي عقده للمبشرين (1935م) ما نصه:« لقد صرفنا من الوقت شيئًا
كثيرًا، وأنفقنا من الذهب قناطير مقنطرة، وألَّفنا ما استطعنا أن نؤلِّف وخطبنا،
ومع ذلك كله فإننا لم ننقل من الإسلام إلَّا عاشقًا بَنى دينَه الجديد على أساس
الهوى، فالذي نحاوله من نقل المسلمين من دينهم هو باللعب أشبه منه بالجد...وعندي
اعتقاد أننا يجب أن نعمل حتى يصبح المسلمون غير مسلمين، إنَّ عمليّة الهدم أسهل من
البناء في كلِّ شيء إلَّا في موضوعنا هذا؛ لأنَّ الهدم للإسلام في نفس المسلم
معناه هدم الدين على العموم....ولكن مهمة التبشير الذي ندبتكم دول المسيحيَّة
للقيام بها في البلاد المحمديَّة ليست هي إدخال المسلمين في المسيحيَّة -فإنَّ في
هذا هداية لهم وتكريمًا- وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا
لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها،
وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلاميَّة،
وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه،
وتهنئكم عليه دول المسيحيَّة والمسيحيون كلَّ التهنئة، لقد قبضنا أيها الإخوان في
هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع حتى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في
الممالك الإسلاميَّة».
نشط الهالك
زويمر في مجال التبشير متسترًا وراء مشاريع أسسها كالمستشفيات، ووظائف تقلدها في
كثير من دولنا العربيَّة حتى أُطلق عليه الرسول إلى الإسلام، ويعتبر صاحب دعوة
متفردة ، وهي تعديل طريقة التبشير من الدعوة للدخول في المسيحيَّة إلى الاكتفاء
بإخراج المسلم من دينه؛ ليبقى مسلمًا في الصورة والمظهر، لا يعرف ولا يؤمن بشيء من
دينه وتعاليمه، وهو ما يعني ضياع الهُويَّة الدينيَّة، فلا هو بقي مسلمًا ولا أصبح
مسيحيًّا، فيكون خطرًا على الإسلام والمسلمين، فهو من بني جلدتهم وأفعاله لا صلة
لها بإسلام ولا غيره من الرسالات السماويَّة، وهل هذا ما يريده لنا أتباع هذا
الهالك ويسمونه تنويرًا وتثقيفًا؟!.
وعلاقة زويمر
بجماعات الغواية والتضليل التي تخرج علينا من بني جلدتنا بين الحين والحين علاقة
وطيدة، فهذا الهالك زويمر ألَّف أربعين مؤلَّفًا، وكتب مئات المقالات، وألقى ما
يصعب حصره من المحاضرات والندوات كلها موجه لضرب ثوابت الدين الإسلاميّ، وتشكيك
المسلمين في دينهم؛ بغية هدم الدين وقيمه ومبادئه في نفوس المسلمين، كما أعلن عن
ذلك في كلمته في مؤتمر القدس التي سبق ذكر بعضها، ومن أشهر كتب هذا الهالك كتابه
:الهداية، وهو في الحقيقة يستحق اسم الغواية، وهذه الكتب التي ألَّفها وخاصة كتاب
الهداية هي الأساس الفكري لجماعات التضليل، ، فما من كلمة يطعنون بها في ثابت من
ثوابت الإسلام إلا وهي في كتب الهالك زويمر، وخاصة كتاب الهداية ( الغواية)، وينحصر عمل هؤلاء في نقلها
من كتاب الهداية مستغلين ندرته بين الناس، وأنَّ معظم المسلمين لا يعرفون الكثير
عن هذا الكتاب، وخاصة الشباب الذي انصرف عن القراءة منذ عدة عقود فأصبح صيدًا
سهلًا لهؤلاء المخربين، مع أن هذا الكتاب ترجم إلى العربية في أربع مجلدات، وما لا
يعرفه من يستمع لهؤلاء- ويظنونهم يقولون هذا باجتهاد عقولهم؛ فيعجبون بقولهم بعض
الوقت قبل أن يكتشفوا بأنفسهم جهل هؤلاء المطبق، حين لا يحسنون قراءة الآية التي
يستدلون بها أو حتى يهاجمونها- فلا يعرف غالب الشباب أنَّ الأباطيل التي يرددونها
عن السيرة والسنة والحجاب والصلاة والخمر، والحج، والإسراء والمعراج .....أنَّ
كلَّ هذا مردود عليه من علماء الأزهر فور ظهور هذه الأباطيل على يد الأب الروحي
لهؤلاء وفي حياته قبل هلاكه، فقد تصدى علماء الأزهر منذ عقود لكلِّ هجمات الهالك
زويمر وأمثاله من خلال كتب ومقالات نُشر كثير منها مع مجلة الأزهر، ولو أنَّ
الشباب يقرأون لسخروا من هؤلاء الذي يدَّعون التنوير وتصحيح الفهم المغلوط لكثير
من المسلمين!
والعجب كل العجب
حين يكون التنوير والتصحيح للفهم المغلوط بالتشكيك في ثوابت الدين التي لا تقبل
بحثًا، ومن أناس ليس عندهم أثارة من علم، وكيف يمكن أن يكون التصحيح والتنوير
باجترار شُبه سجلها الهالك زويمر في كتاب معلنًا هدفه منها وهو إخراج المسلمين من
دينهم؟! فإذا كان إمام الضالين قد أعلن أنَّه أراد بهذه الشبه التي يرددها هؤلاء
بنصها هدم الإسلام في نفوس المسلمين، فكيف يزعم هؤلاء أنهم يرددونها لتصحيح الفكر
الإسلامي؟! وكيف يكون الشيء الواحد في زمن زويمر للهدم وفي زمن خلفائه للبناء
والتصحيح والتنوير؟!.
إذا أراد هؤلاء
تصحيح الفكر -إن كان يحتاج لتصحيح-فليخرجوا علينا بشيء من تفكيرهم وإنتاجهم
وليقنعونا بصحته، وليس بأقوال أسيادهم وافتراءاتهم! فهل يمكن أن يصدق عاقل بأن
إنكار البعث بعد الموت، وإنكار الجنة والنار، والتشكيك في مكان المسجد الأقصى
المذكور في القرآن، وادعاء أنَّه كان مسجدًا على طريق الطائف -وهي من دسائس
اليهود-، وإنكار المعراج، وسدرة المنتهى التي هي حقيقة قرآنيَّة لا مراء فيها {
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى . عِنْدَهَا
جَنَّةُ الْمَأْوَى} ، دون أن يخبرنا هؤلاء -كما ذكر الإمام الأكبر في بعض برامجه-
عن مكان سدرة المنتهى التي ينبغي على زعمهم أن تكون على الأرض طالما أنَّ رسولنا
لم يعرج إليها! وهل جنة المأوى على الأرض أيضًا طالما أنَّ سدرة المنتهى عندها ؟! وهل
إنكار هذه المسلمات العقديَّة الثابتة بنص القرآن الكريم، وصحيح السنة النبويَّة ،
وهل إنكار فرضية الحجاب، والتشكيك في عدد الصلوات، والتشكيك في تحريم الخمر ،والاستهزاء بالمذاهب الإسلاميّة ،وفقهاء
المسلمين وإنكار أي حكمة لمشروعيّة الصيام ،وليس هو إلا قرار سيادي من الله –
تعالى- مع أن بعض حكم الصوم منصوص عليه في خطاب التكليف به :{ يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ،فهل من حكمة أكبر من تحقيق التقوى في
نفس الصائم؟،وهل الوجاء والوقاية من
الفواحش حكمة خافية لم يعثر عليها هذا الذي يزعم بأنه باحث ؟ :" يَا مَعْشَرَ
الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ
يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " ،وهل تصحيح
الفكر يقتضي إهمال مصادر التشريع ووصفها بالكلام العبيط!....؟ وإذا كان هذا هو
التصحيح فماذا يكون التضليل والإفساد الفكري؟!.
وإذا كان هؤلاء
قد فقدوا عقولهم وتجذر الجهل في صدورهم وملأ الحقد على الإسلام نفوسهم؛ فماذا عن
الداعمين لهم والممولين لعبثهم والذين لانعرفهم؟ هل باعوا هم أيضًا دينهم في سوق
النخاسة الفكريَّة؟ ألم يكفهم خسارة أموالهم فقرروا أن يخسروا دينهم ويتحملوا مع
هؤلاء الجهلة إثم غواية وتضليل مَنْ ينجحون في إيقاعهم في شراكهم؟! أو أنَّ هؤلاء
الضالون قد تمكنوا من خداعهم وأوهموهم أنهم دعاة تنوير منضبط ترقى به المجتمعات؟
وأي رُقي للمجتمعات إذا فقدت دينها وهويتها، وانسلخت من قيمها وأخلاقها، وتنكرت
لتراثها؟!
وفي الختام:
لسنا قلقين على الإطلاق من جعجعة هؤلاء الرويبضة، فقد سبقهم أسلافهم ومنهم إمامهم
زويمر فأصابتهم الخيبة والفشل الذريع، كما عبَّر عن ذلك زويمر الذي هلك في 1952م،
ولكن بقي بفكره بين هؤلاء الذين حملوا راية الغواية والتضليل بعده، وإذا كان
إمامهم قد فشل وهو أمهر منهم بمراحل، فهؤلاء سيتخبطون وسيلفظهم الناس وسيلحقون مع
الخزي والفشل بقائدهم.*****
نقلا عن: صوت الأزهر