لماذا يعاقبنا الله على شيء قد كتبه علينا؟.. محمد سيد صالح يرد

  • أحمد حمدي
  • الإثنين 03 يونيو 2024, 6:33 مساءً
  • 233

رد محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، على شبهة يرددها البعض تقول:  لماذا يعاقبنا الله على شيء قد كتبه علينا؟

وبين أن هذه الشبهة مُتعلقة بأربع صفاتٍ مِن صفات الله سبحانه أَلَا وهي: "العلم، القدر، القضاء. الإرادة".

وذكر أن العلم: هو علمُ اللهِ سبحانه وتعالى الأزلي، فاللهُ عليمٌ بكلِّ شيء وعلمه أزلي لمْ يسبقه شيء، وبعلمه الأزلي يُعلم اللهُ كلَّ شيءٍ قبل أنْ يقعَ حدوثه، فالله يعلم بعلمه ما قد سبق، وما يكون، وما سيكون في المستقبل، وما لم يكنْ لو كان كيف يكون، وعلم الله لا يؤثر في إرادة الإنسان كما سيتبين معنا في المثال التالي:

رجلٌ عاد من عمله فاستقبله ولده الصغير بالأحضان، ثم طلب مِن أبيه أنْ يعطيه مالًا ليشتري به بعض الحلوى، فأعطى الوالد لولده عشر جنيهات، وقال له هذه لك اشتر بها ما شئتَ مِن الحلوى، لكنْ لا تخرج من البيت لتشتري وحدك، وانتظر أخوك الأكبر حتى يعود من جامعته ليخرج معك ويشترى لك ما تشاء من الحلوى بالنقود التي معك.

ثم سأل الولد أبيه: لماذا لم أخرج وحدي لأشتري ما أُريد يا أبى؟! فردَّ عليه الوالد قائلًا: لأنِّى أعلم أنَّكَ إذا خرجت وحدك ستقابل أولاد الجيران وستلعب معهم، وتنشغل، وقد يَضيع منكَ المالُ، ولا تستطيع بعدها شراء الحلوى التي تريد، وهنا لم يسمع الولد كلام أبيه وخرج وحده لشراء الحلوى، وهو في طريقه قابل أولاد الجيران فظلَّ يلعب ويلهو معهم وانشغل عن شراء الحلوى، وضاعت نقوده بالفعل أثناء اللعب، ثم عاد لوالده وهو يبكي ويقول له: يا أبى ذهبتُ لشراء الحلوى وحدي فوجدت الأولاد يلعبون فلعبتُ معهم وفقدتُ النقود أثناء لعبي معهم! فردَّ الوالد عليه قال: أنا أعلم أنَّ هذا الذي سيحدث لك إذا خرجتَ وحدك؛ لذا أخبرتك أنْ تنتظر أخيك حتى يعود ويذهب معك.

وهنا يأتي السؤال: هل عِلْمُ الأبُّ بِمَا سيحدث أثَّر على فعل ابنه، واختياره للخروج وحده أم أنَّ الابن هو المسؤول وحده عمَّا حدث؟! بالطبع علم الأب لم يُؤثر في فعل الولد الخاطئ. ولله المثل الأعلى يُعلم بعلمه السابق الأزلي ما سوف يفعله كلُّ مخلوق مِنَّا لكنَّه لمْ يؤثر بعلمه على أفعالنا.

القدر: بناءً على علم الله سبحانه الأزلي علم اختيارات كلًا منا قبل أن نفعلها، فقدر الله في اللوح المحفوظ عنده ما يعلمه عنا.

القضاء: القضاء هو الحكم! فبناءً على أفعالنا التي قمنا بها بمحض إرادتنا قضى الله فينا حكمه بِمَا يتفق مع حرية إرادتنا، فمن أراد فعل الخير كافأه الله على ذلك، ومن أراد فعل الشر عاقبه الله على ذلك، فالقضاء هو نتيجة أفعالنا.

الإرادة: هناك إرادة خارج حدود الإنسان، ولا دخل للإنسان فيها، كإرادة الله لنزول الأمطار، وحدوث الزلازل، والبراكين، والأمراض والخلق والإيجاد والموت وما شابه، وهذه الإرادة لا يُحاسب الإنسان عليها، وهناك إرادة منحها الله سبحانه وتعالى للإنسان بعد ما ركب فيه عقلًا يميز به بين الصواب والخطأ، والحق والباطل، وأعطاه وفقًا لهذه القدرة العقلية والإرادية التي ركبها له حرية يختار بها ما يشاء مِن الأفعال الحسنة والقبيحة.

وبين أنه لا يَحِقُّ للإنسانِ أنْ يتكلَ على علم الله السابق أو ما كتبه الله وقدره في السابق، لأنَّ الإنسان لم يطلع على قدره، ولم يطلع على علم الله، فلماذا يفعل المعصية بحجةِ أنَّ الله قدر له ذلك في الأزل؟ ولَمَّا لمْ يفعل الطاعة بنفس الحُجة (أنَّ الله قدر له ذلك في الأزل)، مادام الأمران يستويان عند الإنسان في عدم معرفته بهما؟!

وكما قال ابن القيم رحمه الله: "الفقيه كل الفقيه مَن يردَّ القدر بالقدر" أي مَن يرد قدر الله بقدر الله.

وضرب مثلا قائلا: الإنسان إذا شعر بالجوع فهل يُسلم نفسه للجوع بِحُجة أنَّ الله قدَّر له أنْ يجوع في علمه السابق، أم يأخذ بأسباب الإشباع فيذهب لإحضار الطعام؟!

شعور الإنسان بالجوعِ هو قدر الله، اللهُ قدَّر للإنسان أنْ يجوع، وكذلك الأخذ بأسبابِ الإشباعِ هو قدر الله، واللهُ قدْ قدر للإنسان أنْ يأكل.

وتابع: وأذكر مرَّة كنتُ أتحاور مع أحد الأصدقاء حول هذه الشبهة فقال لي: ليس لي ذنب في ما أقوم بفعله لأنَّ اللهَ قدر عليَّ ذلك، فأنا مجبور على فعله! فأخرجتُ من جيبي قداحة أضعها دائمًا في جيبي أثناء حواري مع أي شخصٍ حول هذه الشبهة، ثم أشعلتُ القداحة واقتربت بها من وجهه فقام بإبعاد وجهه عنها سريعًا، وهنا قلتُ له: لماذا لم تترك وجهك أمام القداحة دون أن تُبعدها، أليس الله قد قدَّر عليك أن تحترق؟! فكما أنَّكَ ابتعدت بوجهك عن نار القداحة؛ لتنجو بوجهك من نار الدنيا وأنتَ لمْ تكن تعرف أنَّني سأخرجها مِن جيبي سابقًا، عليك مِن باب أولى أنْ تُبعد نفسكَ عن نار الآخرة بنفس الطريقة التي فعلتَ وبنفس قدرتك على حرية الاختيار، والإرادة باتباع أوامر الله سبحانه وامتثال أوامره.

وشدد محمد سيد صالح على أنه مِن رحمةِ اللهِ سبحانه أنَّه لا يُحاسب الإنسان على الإرادة التي منحه إيَّاها إذا تدخل مُؤثر خارجي أثَّر فيها وافقدها الإرادة، كالخطأ غير المقصود أو النسيان أو الإجبار على فعل شيء، مثالًا: الصوم في نهار رمضان فرض على كلِّ مسلمٍ عاقلٍ بالغ، ومع ذلك لو استيقظ الإنسان مِن نومه ناسيًا صيامه ثم أكل وشرب فلن يحاسبه اللهُ على هذا الخطأ، بل يكمل يومه بعدما يمسك على نفسه مجددًا بمجرد أنْ يتذكر، وله أجر الصيام كاملًا، لأنَّ النسيانَ جعل الإنسان يفقد قدرته على الإرادة، كذلك إنْ أُجبر الإنسان على قول شيء محرمٍ مثلًا، ثم قاله جبرًا بلسانه دون أنْ يُقرَّ به قلبه لن يحاسبه الله عليه، كما حدث مع عمار بن ياسر رضى الله عنه بعدما أجبره المشركون على سبِّ رسول الله ودينه ومدح أوثانهم، فقد أخرج البيهقي والحاكم، عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سبَّ النبي صلى اللّه عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال له عليه الصلاة والسلام: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول اللّه، ما تُرِكت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنًا بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد)() وقد ذكر غير واحد من أهل التفسير أنَّ عمار هو الذي أنزل الله تعالى في شأنه هذه الآية، وهي قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمان)()، لأنَّ هذه الأفعال تُفقد الإنسان إرادته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)، أي إذا فعل الإنسان خطأ دون عمد لا يُحاسبه الله عليه.

وواصل: لماذا يسألُ الإنسانُ دومًا عن الذين قُدر لهم أفعال الشرَّ، ولم يسأل عمن قُدر لهم أفعال الخير، فكما أنَّ هناك مَن سيدخل النار بعمله، هناك أيضًا مَن سيدخل الجنة بعمله ورحمة مِن الله.

ثم أنَّ الله قد بَيَّن لنا طريق الخير مِن طريق الشر، قال تعالى: (وهديناه النجدين)()، أي هدانا الله وأرشدنا للطريقين، طريق الخير وطريق الشر، ومع ذلك فهو سبحانه لم يأمرنا باتباع طريق الشر، بل نهانا عنه وأمرنا باتباع طريق الخير بإرساله الرسل، ثم لم يتركنا سُدى بل جعل بيننا دعاة ومذكرين يذكروننا دومًا بالطريق الصحيح، وهذا نجده في خُطب الجمع وما يذكره لنا الدعاة والعلماء في كلِّ مكان، فضلًا عن أنَّ الله لم يمنحنا فرصة واحدة، بل أعطى الإنسان مئات بل آلاف الفرص للرجوع إلى الحق إن وقع في الباطل بإرادته فجعل لنا التوبة وبابها مفتوح إلى أنْ يموت الإنسان، كما أنَّه حبَّبَ إلينا التوبة لمَّا أخبرنا أنَّه يحب التوابين، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين)()،فحُب الله لتوبتنا يجعلنا نحبها ونداوم عليها.

فكيف يتَّكِل الإنسان على علم الله الذي لم يُدرك منه شيئًا، تاركًا قدرته على الاختيار بين الحق والباطل، ثم يخالف ما أمره الله به وأرشده إليه، ثم يتكبر على التوبة والرجوع إليه إن أخطأ وأذنب؟!

 

واختتم مشددا على أن علم الله بأفعالنا لا يؤثر على قدرتنا على الاختيار، وأنه لا يحق للإنسان التواكل على علم الله وقدره وهو لم يطلع عليه، كما أن الله سبحانه عادل، ولم يعاقب الإنسان على ما يخرج عن إرادته، وأن الله أرشد الإنسان للحقِّ والباطل ثم أمره باتباع الحق، وأعطاه فرصة كاملة للعودة والتوبة إن وقع في المحظور.

تعليقات