كيف لدين يعتبر أن كافة الناس سواسية أن يُحل امتلاك الناس كالسبايا والرقيق وملك اليمين؟

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 02 يونيو 2024, 09:25 صباحا
  • 168
تعبرية

تعبرية

رد الدكتور محمد سيد صالح الباحث في ملف الإلحاد، على سؤال يطرحه البعض ويروج له الملاحدة يقول: كيف لدين يعتبر أن كافة الناس سواسية أن يُحل امتلاك الناس، كالسبايا والرقيق وملك اليمين، أليس هذا ظُلمًا؟!

وبين في إجابته بكتاب "100 شبهة حول الإسلام:" أن قبل تفنيد هذه الشبهة والإجابة عليها لا بد من الحديث أولًا عن واقع نظام الرق في الزمن الذي ظهر فيه الإسلام، ثم منهجية تعامل الإسلام معه.

أولاً: لكي تعرف قيمة النور فلا بد أن تمر بشيءٍ من الظلام، ولكي تعرف كيف تعامل الإسلام مع الرق عليكَ أن تعرف كيف كان حال الرق قبل الإسلام.

في الحقيقة أن الرق والاستعباد للبشر كان شائعًا في البشرية ومتجذر في أعماقها، وقد كشفت الدراسات التاريخية أن الإنسانية بلغت في التعامل مع الرق أحطَّ المنازل، واتسمت بأقبح الصور، وقد عانى الرقيق ألوانًا وصنوفًا من الآلام والإهانات والإذلال، كما كان الرقيق يُحمل من المشاق والمتاعب ما يعجز عن حمله أشد الحيوانات، ولا يحتفظ له بحقوق ولا تُعرف له كرامة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: نرى في الفكر اليوناني؛ أنَّ أفلاطون كان يرى أن العبد محروم من حق المواطنة، وأرسطو جعل المواطنة مرادفة للحرية، أي الحر وحده من يستحق المواطنة أما العبد الرقيق فلا، أما القانون الروماني فلم يكن يعد الرقيق إنسانًا له شخصية ذات حقوق، وإنَّما كان يعده شيئًا من الأشياء وآلة من الآلات، وأمَّا في العصور الوسطى في أوروبا فقد ساء نظام الرق جدًا، فمع انتشار النظام الظالم؛ نظام الإقطاع أصبح المزارع عبدًا لمالك الأرض، لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، وكان يُباع ويُشترى مع الأرض على أنَّه جزء منها وآلة من آلاتها".

ولم تكن تلك النظم تعترف للرقيق بحق الزواج، ولا بالحق في أن تكون له أسرة بالمعنى القانوني، وكان الاتصال بين ذكورهم وإناثهم لا يعد زواجًا، وإنما كان يتم بذلك برغبة السادة واختيارهم بقصد تكاثر عدد الرقيق لديهم بين الأنعام، وكان يحظر على الحر أن يتزوج من أمة أبدًا، وعلى الحرة أن تتزوج من الرقيق"، وغير ذلك من صور الإهانات التي كان يعيشها الرقيق في الثقافات التي كانت قبل الإسلام.

ثانيًا: جاء الإسلام وقد ردَّ للرقيق إنسانيتهم وحفظ لهم حقوقهم، وساوى بينهم وبين الأحرار، وعاقب كل من اعتدى عليهم وظلمهم، وجعل لهم حقوقًا ملزمة، فجاء ليخلصهم من العبودية، ومن عبادة العباد والتذلال لهم إلى عبادة رب العباد وحده، وهذا من خلال ثلاث أُسس، وهي:

الأساس الأول: تجفيف كل منابع الاسترقاق، وسد جميع الأبواب التي يدخل منها الرق، إلا بابًا واحدًا:

فقد جاء الإسلام وللرق وسائل كثيرة ومداخل متعددة ومنابع مختلفة، كالنهب والسطو وسرقة الأطفال والتسول والخطف عن طريق القرصنة واسترقاق الطبقات العليا، والمقامرة والعجز عن وفاء الدين، وبيع النفس أو الولد؛ لأجل الفقر والعوز، فألغى الإسلام كل هذه المنافذ، وحرمها وضرب عليها الحصار، ولم يبقَ إلا على منبعٍ واحد فقط؛ ألا وهو الاسترقاق في حالة الحرب المشروعة بين المسلمين والكفار، ولا يجوز الاسترقاق إلا لمن حضر أرض المعركة فقط، أما من لم يحضر أرض المعركة فلا يجوز استرقاقه أو سبيه.

والسبب الذي جعل الإسلام يبقي على هذا الباب من دون إغلاق كل المنافذ؛ هذا لأن أعداد الرقيق التي كانت قبل الإسلام كبيرة، ولو أغلق الإسلام كل المنافذ لما حل مشكلة الرقيق، ولبقي هذا العدد على نفس الحال دون أن يجد من يعالج ما تشوه داخله، ودون أن يجد من يعطيه حقوقه.

الأساس الثاني: توسيع منافذ التخلص من الرق، وفتح أبوابًا كثيرة ليخرجوا منها إلى الحرية، ومن أهم هذه المنافذ والأبواب، ما يلي:

 العتق عن طريق التطوع وطلب الأجر، هذا بعدما حثت الشريعة الإسلامية على تحرير الرقيق، ورتبت على ذلك أجورًا كبيرة، فقد قال _صلى الله عليه وسلم _: "من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار، حتى فرجه بفرجه"().

العتق عن طريق الكفارة:

فقد جعلت الشريعة الإسلامية إعتاق الرقاب، وتحرير الرقيق خيارًا رئسيًا من خيارات كفارات عدد من الذنوب، ومنها حالة القتل الخطأ، كما قال تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) ، وغير ذلك من انواع الكفارات.

العتق عن طريق الزكاة:

فقد جعلت الشريعة فك الرقاب، وعتقها من الرقِّ ضمن الأصناف التي يدفع فيها الزكاة، كما قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ).

4 ـ العتق عن طريق المكاتبة

وهي إزالة الرق عن الشخص من خلال إبرام عقد بينه وبين سيده مقابل مال يدفعه الرقيق له، بل وحث الإسلام على أن يساعدوهم في سداد ما تم الاتفاق عليه، كما قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ).

. عتق الرق المعتدى عليه

عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_، قال: "سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم _، يقول: من ضرب غلامًا له حدا لم يأته، أو لطمه، فكفارته أن يعتقه".

الأساس الثالث: معالجة الإسلام نفسية الرق وإعطاءه كامل الحقوق:

فكما عالج الإسلام الأمور المتعلقة بابتداء الرق وانتهائه، فقد عالج أيضًا الأحوال المتعلقة بالرق أثناء وجوده وأصلح أعماق نفسه الداخلية، فرد إليه إنسانيته وساواه بين السادة من حيث الأصل، ومن بين هذه الحقوق التالي:

1 ـ  المساواة في التكريم وأصل الإنسانية، وهذا في قول الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )().، وهذا القول يشمل كل بني آدم؛ السيد الحر والعبد، وقول رسول الله: (ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى)()، وهذا الحديث يشمل كل الناس أحرارًا كانوا أو رقيقًا، وجعل المقياس بينهم هو تقوى القلوب.

 المساواة في الأجر الأخروي

قال تعالى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )()، فكلُّ من عمل صالحًا حرًا كان، أو عبدًا تشمله هذه الآية المباركة.

الحث على الإخاء بين السيد والعبد، وألا يكلف السيد من تحته من الرقيق إلا بما يطيق، وإن كلفه بشيء يفوق قدرته فعليه أن يساعده ويعينه حتى تتوافق مع قدرته، فقد قال _ صلى الله عليه وسلم _: "إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم " (

4 ـ  الأمر بالإحسان إليهم وإكرامهم :

فقد قال تعالى:( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )().

5 ـ المساواة بين السيد والعبد في القصاص:

قال _صلى الله عليه وسلم _: "من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه"()

بل ومما يثير الاهتمام والعجب وصايا رسول الله _صلى الله عليه وسلم _الأخيرة قبل وفاته، والتي شملتهم وقد جاءت مع وصيته بالصلاة؛ وهي الركن الأهم في الإسلام بعد ركن التوحيد، قد قال _صلى الله عليه وسلم _ في أخر وصاياه: ( الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم).

وبهذه الأسس الثلاثة نجد أن الإسلام أغلق كل الأبواب التي كان يدخل منها الرق، وبقي على باب واحد فقط كما أوضحنا سلفًا، وهذا يجعل الدخول منه قليل، والاسترقاق ينحسر، ثم فتح لمن دخلوا من هذا الباب أبوابًا كثيرة في المقابل؛ ليخرجوا منها بسرعة وسهولة، وأثناء وجودهم بين الباب الذي دخلوا منه، والأبواب التي يخرجون منها عالج الإسلام ما تم تشويهه في نفوسهم، وضمد جروح قلوبهم.

فقد عاش الرقيق في ظل النظام الإسلامي حياة مختلفة جدًا عن الحياة التي كان يعشها في الحضارات الأخرى، بل أصبح منهم علماء ومحدثين وفقهاء بل وصحابة، وهذا بلال الحبشي _ رضي الله عنه_ الذي كان يُنعت قبل الإسلام بالعبد الحبشي الأسود، أصبح بعد الإسلام من أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ وأحبابه وكان يجلس بجواره، بل وأصبح مؤذن المسلمين.

ثالثًا: في الحقيقة من يتغنون بالغرب، ويظنون أن ابراهام لنكولن هو من قام بتحرير العبيد، وأنه يختلف عن الإسلام الذي بقي على أحد منافذ الاسترقاق؛ ألا وهو الاسترقاق أثناء الحرب المشروعة، هؤلاء نظرتهم ضيقة وأحادية عكس نظرة الإسلام للأشياء، فهو ينظر إلى كل شيء نظرة شمولية، وأحب أن أنوه على لو أنَّ المسلمين بالفعل التزموا بتعاليم الإسلام لَما وجدنا في العالم الإسلامي تلك المظاهر السيئة، ولكن المسلمون في العصور المتأخرة تخلوا عن كثير من تعاليم الإسلام في قضية الرق وغيرها.

أما عن قرار (لنكولن) فلم يجعل العبودية تنتهي من الوجود بمجرد الإعلان عن تحرير العبيد، بل بقيت العنصرية إلى يومنا هذا.

هذا وقد أكد عدد من الباحثين والمهتمين بدراسة ظاهرة الرق؛ أنَّ الرق لم يختف من الوجود، وأنه مازال موجودًا في الواقع، ولكن أخذ صورًا وأشكالاً مختلفة ربما تكون أقبح من الاسترقاق في الجاهلية، ونجد ذلك مستترًا تحت ستار البغاء وتجارته المعروفة باسم "الرقيق الأبيض، أو الجنسي"  وتدل تقريرات اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، وتقارير جمعيات مكافحة الرق والبوليس الدولي "الانتربول" على أن الرق ما زال يُمارس بأشكالٍ مختلفة في العالم.

كما كشفت تقارير كثيرة عن حالات بشعة من الاسترقاق تُمارس على النساء والأطفال من قبل بعض الشركات في العالم".

واختتم الباحث في ملف الإلحاد بالقول: كلُّ هذا ما هو إلا شعاراتٍ براقة أخاذة، الكل يستطيع أن يلوح بمثلها، لكن العبرة بالإصلاحات الحقيقة، وهذا ما فعله الإسلام فقد جعلنا ننصهر بيننا وبينهم ولم يكترث الواحد منا للون الآخر أو لمكانته، بل لا نتعجب إذا كان هناك عامل أسودا يَؤم الناس ويصلى خلفه رئيس الدولة، بعكس ما نراه عند الغرب من عنصرية واضحة، ولا ننسى ما حدث في أواخر عام 2020 حين قام ضابط أمريكي أبيض اللون بقتل مواطن أسود اللون بطريقة بشعة حينما ضغط بركبته على عنقه، وإن قال قائل أن هذه حالة، أو بعض حالات نادرة فيكذب قوله المظاهرات التي قامت وقت هذه الحادثة من قِبل ملايين الأمريكان السود، وهذا إن دل فإنَّما يدل إلا على أنَّهم يعيشون بالفعل عنصرية بغيضة.

تعليقات