إعجاز تشريعي بقوله تعالى "وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"

  • أحمد نصار
  • الثلاثاء 16 أبريل 2024, 08:05 صباحا
  • 171
الآية الكريمة

الآية الكريمة

كد الدكتور عبد الرحيم خير الله الشريف، عميد كلية الشريعة جامعة الزرقاء، أن الشريعة الإسلامية حرصت على حمل الناس على طاعة أوامرها ونواهيها طاعة اختيارية، تنبعث من أعماق النفس، والعمل على تحقيق هذه الطاعة من خلال تنبيه وإيقاظ الشعور الإيماني في النفوس، وتذكير الناس باليوم الآخر.

وتابع: أن هذا لا يكفي لحمل الناس على هذه الطاعة، كون الناس ليسوا متساوين في يقظة الضمير الديني والإنساني، وتحقق الإيمان واستحضار اليوم الآخر وخشيته .وغلبة نوازع الشر والهوى وحب المنافع، ولو كان ذلك على حساب الآخرين، مضيفه أنه انطلاقاً من هذا الاعتبار فإن العقوبات التي توقعها الدولة على الذنوب والجرائم هي السبيل الملزم لتنفيذ أوامر الله ونواهيه.

ونوه إلى أن العقوبة في الشريعة الإسلامية لها أهداف نبيلة تتمثل في تحقيق العدالة: فحياة الإنسان، وممتلكاته، وعرضه من الأمور الواجبة الاحترام، وبالتالي فليس من العدل في شيء ترك الإنسان الذي يتعرض لهذه الأمور دون أن يطاله شيء، بالإضافة إلى تحقيق الردع، والردع هنا على نحوين، الردع العام: بإنذار الجماعة بشرها إذا ما ارتكب أحد أفرادها فعلاً يعد جريمة، أو بمثل العقوبة التي تصدر ضد الجاني إذا ارتكب فعلاً مجرماً وتثبت مسؤوليته، فوظيفة العقوبة هنا تهديديةـ و الردع الخاص: أما وظيفة الردع الخاص فيما يتركه ألم العقوبة من أثر نفسي في المحكوم عليه يحول بينه وبين العودة إلى الإجرام مرة ثانية.

وأردف قائلا: إن من الأهداف أيضا العمل على إصلاح الجاني، كون العقوبة إنما قررت لإصلاح الجاني لا للانتقام من الجاني والتشفي منه، فالمجرم إذا شعر بالألم وأحس به فإنه سيشعر حتماً بمقدار ما تسبب به للآخرين من الألم مما يولّد حالة صحوة الضمير في نفسه ذلك الذي يدفعه إلى تأنيبها مما يؤدي بالنتيجة إلى الإقلاع عن الأعمال الإجرامية.

وأوضح قائلا: ولنأخذ إشهاد طائفة من المؤمنين لجلد الزانية والزاني كمثال على ذلك، قال تعالى: ” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ.. وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” [النور: 2] فلماذا اشترطت الآية الكريمة لكمال تطبيق الحد أن يشهد عليه عدد من المؤمنين؟ ولماذا لم تقل: ” طائفة من الناس”؟

ولفت إلى أن الغاية من شهود المؤمنين لتنفيذ الحد تتمثل في أنه يشهدون للحاكم أمام الله تعالى ثم أمام الناس أنه يحكم بما أنزل الله تعالى، مع أنهم يراقبون الجلاد فلا يزيد في الضرب عن العدد المحدد (مائة جلدة) ولا ينقص منه، ولا يزيد من شدة الضرب عن الحد المعقول، ولا يتهاون في الجلد، مع أنه فيه عذاب نفسي للمجلود أشد من الأذى البدني حيث يرى جلده أعيان البلد وفضلاؤهم، وهذا لا يتحقق إن تم جلد الفسقة أمام بعضهم بعضاً، وبهذا يجزم أن لا يعود لمثله مرة أخرى، هذا بجانب إلى أنه عندما يعود الشهود إلى بيوتهم ويخبرون أهاليهم بما رأوا يتحقق الهدف الرئيس للعقوبة في الإسلام وهو الردع، مشيرا إلى أنه قد تصدر أصوات أو حركات أو انكشاف للعورات، والشهود المؤمنون يحفظون السر.

وختم قائلا: إن هنالك فائدة جميلة جداً ذكرها ابن تيمية وهي: أن المؤمنين الذين يشهدون تنفيذ الحد يستغفرون للمجلود، ويسألون الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الصبر وأن يخفف عنه.

تعليقات