رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

وقفة مع سورتي "الفلق والناس"

  • أحمد نصار
  • الجمعة 29 مارس 2024, 06:01 صباحا
  • 444
سورتي الفلق والناس

سورتي الفلق والناس

قال المفكر الإسلامي، الدكتور حسام النعيمي، إن المستعاذ به في سورة الناس،"الربوبية، الألوهية والملك" والمستعاذ منه واحد أما في سورة الفلق فاستخدم صفة واحدة وهي الربوبية للمستعاذ به والمستعاذ منه أربع فما الفرق؟

وتابع: أن من يتأمل في آيات سورة الفلق "قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5). وسورة الناس وآياتها: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (6)، سيجد أن هناك فرق في المستعاذ به في السورتين.

وأكمل: أن للمفسرين الكبار والعلماء وقفة طويلة في الموازنة. عندنا نص قبل أن أدخل إليه أقول الخلاصة. الخلاصة أنه في كلمة (قل أعوذ برب الفلق) استعاذ برب الفلق والفلق هو بداية الفجر، انفلاق الضوء، من ماذا؟ من شر ما خلق بصورة عامة، من شر غاسق، من شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد، هذه الشرور جميعاً تمس الإنسان في ظاهره، في جسمه، في الظاهر، ولا تمس إيمانه أو اعتقاده فكانت الاستعاذة بلفظ واحد من هذه الشرور المتعددة التي هي تتعلق بالشيء الظاهري، بظاهر الإنسان وليس بعقيدته أو بباطنه أو بإيمانه.

ونوه إلى أن هناك استعاذ بالربّ، المربي (رب الناس) المتعهد بالتربية والتكوين، ملك الناس المالك لكل شيء، إذن هو ذكر صفة التربية وصفة المُلك والإله المعبود دون غيره والمُلجأ إليه المحبوب فذكر ثلاث صفات. من شر الوسواس، هذا يكون في داخل الجسم، ونتيجة الوسوسة انحراف في العقيدة وانحراف في الاعتقاد وانحراف في الدين. هذه القضية أخطر من قضية أن إنساناً يرى شيئاً في الظلمة يؤذيه أو أن يكون هناك سحرة يؤذونه في جسمه أو حاسد يحاول أن ينال منه أو أن يضره. لا يقارن هذا بهذا، فاستعاذ بثلاث صفات لله سبحانه وتعالى مما يتعلق بقضايا الاعتقاد وقضايا الإيمان لأن الوسوسة تؤثر في الإيمان.

وطرح سؤلا: لماذا بدأ بالرب؟ بدأ بالرب لأنه يربي الإنسان منذ صغره والملِك يكون له وهو كبير يملكه والإله الذين يعبدون الله عز وجل يكونون قد صاروا في مرحلة العقل والوعي كأن هناك تدرج وكلها استعاذة من أن يدخل شيء في قلب الإنسان. أما هناك (رب الفلق) الفجر الذي يضيء من الشرور والشرور كلها دنيوية.

وأشار إلى نص لأحد للعالم الكبير إسماعيل البروسوي في كتابه “روح البيان” الذي يقول فيه:“وفي هذا المقام لطيفة بالغة وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة وهي أنه رب الفلق. – (يعني السؤال الذي خطر في ذهن السائل خطر في ذهن علمائنا القدماء ووقفوا عنده) – والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات وهي الغاسق والنفاثات والحاسد وأما في هذه السورة (أي سورة الناس) فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة ومن المعلوم أن المطلوب كلما كان أهم والرغبة فيه أتمّ وأكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه أكثر وأوفر. (هنا التفت إلتفاتة أخرى نحن ما أشرنا إليها وهي أنه لما يكون المطلوب أعلى يكون الثناء أكثر فلأن المطلوب يتعلق بالإيمان زاد في الثناء).

وتابع: والمطلوب في السورة المتقدمة (الفلق) هي سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة (الناس) سلامة الدين من الوسوسة فظهر بهذا أن في نظم السورتين الكريمتين تنبيهاً على أن سلامة الدين من وسوسة الشيطان وإن كانت أمراً واحداً إلا أنها أعظم مرادٍ وأهم مطلوب وأن سلامة البدن من تلك الآفات وإن كانت أموراً متعددة ليست بتلك المثابة في الاهتمام. سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذي هو سبب الذنوب والمعاصي وهو الشر الداخل في الإنسان الذي هو منشأ العقوبات في الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذي هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شرٌ من خارج فالشرّ الأول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لأنه ليس من كسبه والشر الثاني يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهي”.

 

تعليقات