أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
القرآن
قال الدكتور
محمد بو رباب رئيس هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة لشمال المغرب، إن المنهج القرآني
في رؤيته التاريخية وفلسفته الإيمانية، ويختلف عن المنهج التاريخي البشري التفصيلي،
وإن كان يتفق معه في عمليته، مشيرا إلى أنه في المنهج القرآني الدقيق تغدو عملية (التأريخ)
علماً كالرياضيات والكيمياء والفيزياء.
وتابع: أن طريقة
القرآن الكريم في التاريخ، أنه عندما يروي واقعة تاريخية ما فإنه لا يحفل كثيراً بذكر
التفاصيل التي قد تشوش رؤية السنن التي تحكم التاريخ، بل يكتفي بذكر ما يخدم باستنباط
تلك السنن، وهو في الغالب لا يذكر تاريخ الواقعة ،بل يسلط الضوء على ذكر الخطوط العريضة
للواقعة حتى يصوغها في النهاية على شكل معادلة رياضية تصلح للتطبيق على الوقائع المماثلة،
منوها إلى أنه بهذا المنهج القرآني الدقيق تغدو عملية (التأريخ) علماً كالرياضيات والكيمياء
والفيزياء ، فهي تقدم لنا التاريخ بصورة قوانين قابلة للتسخير مما يعيننا على توجيه
الأحداث والتحضير الإيجابي للمستقبل الذي نريد ، ومن الأمثلة على هذا المنهج الفريد
في التاريخ حديث القرآن الكريم عن أصحاب الكهف .. فمن هم أولئك الفتية ؟ ومتى وقعت
قصتهم ؟ وأين يقع الكهف الذي آواهم؟ وكم كان عددهم؟ ومن هو الملك الظالم الذي فروا
بدينهم منه ؟ كل هذه الأسئلة وغيرها لا يتوقف القرآن الكريم عندها، بل يمضي لبيان العبرة
من القصة دون أن يحفل بالتفاصيل التي لا تقدم ولا تؤخر!
وأشار إلى أنه
من الأمثلة على هذا المنهج أيضاً حديث القرآن الكريم عن (الذي مَرَّ على قَرْيَةٍ وَهِيَ
خاويةٌ على عُرُوشِها ، قالَ أنَّى يُحْيي هذهِ اللهُ بعدَ مَوْتِها، فأماتَهُ اللهُ
مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ..) ، فمن هو الذي مر؟ وما اسم القرية التي مرَّ عليها؟
ومتى كان مروره؟ كل هذه التفاصيل لا يحفل القرآن الكريم بها، بل يتوجه لذكر الخطوط
الرئيسية للواقعة لإظهار السنن الإلهية التي تحكمها، ومن خلال هذه الأمثلة وغيرها،
يظهر لنا الفارق الأهم ما بين المنهج القرآني في التأريخ ومنهج المؤرخين، الذين يكتفون
عادة بسرد الوقائع، ويسهبون في ذكر التفاصيل، ولا يحفلون من قريب ولا من بعيد ببيان
السنن الإلهية التي تحكم مسيرة الأحداث، مما يضيع علينا الغاية الأهم التي يفترض أن
نجنيها من مطالعة كتب التاريخ.
وأضاف، أنه من
الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها أيضاً ، ونحن نستعرض الطريقة الفريدة التي ينتهجها
القرآن الكريم في التأريخ ، أنه لا يكتفي بذكر الوقائع مجردة عن الظلال الموحية التي
تصاحبها، بل يستهلُّ السرد بافتتاحية يمهد فيها للحديث عن الواقعة ، ثم يرسم الحركة
التي وقعت بكل تفاصيلها، ويرسم معها المشاعر الظاهرة والباطنة ، ويسلِّط عليها الأضواء
التي تكشف زواياها وخباياها ، ثم يقول للمؤمنين حُكْمَه على ما وقع، ونقده لما فيه
من خطأ وانحراف ، وثناءه على ما فيه من صواب واستقامة ، وتوجيهه لتدارك الخطأ والانحراف،
وتنمية الصواب والاستقامة، وربط هذا كله بقَدَر الله وإرادته وعمله ونهجه المستقيم،
وبفطرة النفس، ونواميس الوجود ، وذلك لأن التاريخ بمنظور القرآن الكريم ليس مجرد أقاصيص
تحكى ، ولا هو مجرد تسجيل بارد للوقائع والأحداث ، وإنما هو وجبة روحية حية نتلقاها
للدراسة والعبرة والتربية ( لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِم عبرةٌ لأُولي الألْبابِ ) ،
(فاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ) ، وقد تنبهت الأمم الحية إلى هذه السمة
في التاريخ فأصبحت تعد دراسة التاريخ من دروس التربية للأمة، فنجدها تصوغه بصورة يؤدي
مهمة تربوية في حياتها.
وأردف قائلا:
إن مما تجدر ملاحظته هنا أن النصوص التي وردت في القرآن الكريم عن مستقبل هذا الوجود
قد وردت بصيغ مجملة ، ولكنها تعطي دلالات هامة في تحديد السلوك البشري المستقبلي ،
كما أن القرآن جاءت به إشارات شبه صريحة حول مستقبل بعض الأمم مثل الأمة اليهودية ،
ولأن مستقبل الأمة اليهودية مرتبط بمستقبل باقي الأمم ، فإنه يمكن تحديد مسار مستقبل
الأمم حسب الوجهة القرآنية ، وليس في القرآن إشارات عنصرية تجاه اليهود ولكنه يحدد
مستقبلهم طبقا لقانون قرآني معجز وفريد نكتب عنه في البحث في المحور الثالث ، وأيضا
ثمة ملاحظة مهمة جداً نود التوقف عندها ، وهي أن ما يقع في زمن معين من أحداث ينبغي
أن لا نصدر عليه حكماً نهائياً مبرماً بأنه خطأ أو صواب، خير أو شر، إلا بعد مضي فترة
كافية من الزمن، وظهور مؤشرات أكيدة على اختتام الحدث وعدم بقاء أية متعلقات به، وذلك
لأن الحدث أشبه بالصوت الذي قد لا يصلنا صداه إلا بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر،
وكذلك هي معظم أحداث التاريخ فقد لا تظهر نتائجها النهائية إلا بعد أمد طويل قد يستغرق
أجيالاً طويلة، وجعبة التاريخ مليئة بمثل هذه الأحداث، فبوادر انهيار الخلافة العثمانية
مثلاً بدأت قبل قرنين من سقوطها الفعلي، والاتحاد السوفيتي لاحت بوادر سقوطه قبل عشرين
عاماً على الأقل من إعلان سقوطه الرسمي، وجسد نبي الله سليمان عليه السلام بقي فترة
طويلة من الزمن قبل أن ينهار ويكتشف الجن أنه قد فارق الحياة، وهكذا هي جولات التاريخ،
فإن نهاية الحدث أو نتيجته قد تتأخر كثيراً عن بدايته.