أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
الكتاب
في كتابه المهم جدا، "الإسلام بين الشرق والغرب"، كشف مؤلفه رئيس
البوسنة والهرسك علي عزت بيجوفيتش، إن إشكالية الإلحاد الغربي، وانتشاره بشكل كبير
في الغرب والشرق، حيث يقول مؤلف الكتاب:" إن التسليم لله هو الطريقة الإنسانية
الوحيدة للخروج من ظروف الحياة المأساوية التي لا حل لها ولا معنى، إنه طريق للخروج
بدون تمرد ولا قنوط ولا عدمية ولا انتحار.. إنه شعور بطولي، لا شعور بطل بل شعور
إنسان عادي قام بأداء واجبه وتقبل قدره».
وأكد الكاتب عشقه للحرية وفي الوقت
نفسه تقديسه الشديد للمسؤولية في آن واحد، ولذلك سوف نجد أنه يزاوج في كتابه بين حرية
الإنسان ومسؤوليته من ناحية وبين الخلق الإلهي من ناحية أخرى. فهو يرى أن قضية الخلق
في الحقيقة هي قضية الحرية الإنسانية، فإذا قبلنا فكرة أن الإنسان لا حرية له وأن أفعاله
محددة سابقًا كما يزعم الماديون، ففي هذه الحالة لا تكون الألوهية ضرورية لتفسير الكون
وفهمه، ولكن إذا سلمنا بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، فإننا بذلك نعترف صراحة
أو ضمنًا بوجود الله. فالله وحده هو القادر على أن يخلق مخلوقًا حرًا، ولا يمكن أن
توجد الحرية إلا بفعل الخلق.
كما لم يتساهل علي عزت في أمر حريته ولم يفرط فيها
لأنه يرى في الحرية جوهر الإنسان وقوامه، ويؤمن بأن الحرية منحة من عند الله وأمانة
استودعها إياه لا يصح التفريط فيها.
وقد نجح المؤلف استيعاب العقل
الغربي، ولكنه لم يغرق فيه ولم يجهل أو يتجاهل ما فيه من جوانب القوة، ولذلك نجح
المؤلف في كشف بواطن الضعف والقصور والتناقض، بل استطاع بمنهجه التحليلي المقتدر أن
يكشف لنا عن عناصر دينية كامنة في بعض المذاهب الفلسفية، حتى تلك التي نظن ـ بل يظن
أصحابها ـ أنها أبعد ما تكون عن الدين مثل فلسفات العدميين والوجوديين والعبثيين. فعلي
عزت يرى أن العدمية تمرد على الحضارة ذات البعد الواحد التي أخرجت الإنسان من حسابها
فلم يعد له مكان فيها؛ فالقلق البدائي والنظر فيما وراء الموت والبحث المضني عن طريق
خارج هذه الضائقة المحيطة كلها هموم مشتركة بين العدمية والدين.
وقد قال علي عزت في كتابه : «إن العدمية ليست إنكارًا للألوهية بقدر ما هي احتجاج
على حقيقة أن الإنسان غير ممكن وغير متحقق.. هذا الموقف ينطوي على فكرة دينية لا فكرة
علمية عن الإنسان وعن العالم. فالعلم يزعم أن الإنسان ممكن ومتحقق ولكننا في التحليل
النهائي نجد أن ما هو متحقق في نظر العلم شيء لا إنسانية فيه». ثم يمضي قائلاً: «لأن
المادية ترفض الغائية في العلم فإنها تتخلص بذلك من مخاطر العبثية والتفاهة.. فعالم
المادية وإنسانها لهما غايات عملية ووظيفة.. لتكن وظيفة حيوانية.. لا يهم».
وحول عبارة «سارتر» التي يصف فيها الإنسان بأنه عاطفة تافهة ، علق المؤلف قائلا
: «إنها عبارة دينية بمنطقها وبروحها معًا.. إنها تتضمن أن الإنسان والعالم ليس بينهما
تناغم أو تطابق.. وهذا الموقف المتطرف تجاه العالم المادي كان هو بداية جميع الأديان».
ثم يمضي قائلاً: «إن التفاهة عند «سارتر» والعدمية عند «كامي» يفترضان البحث عن هدف
ومعنى، وهو بحث يختلف عن البحث الديني في أنه ينتهي عندهما بالفشل.. فالعدمية خيبة
أمل بسبب غياب الخير من العالم، فكل شيء تافه وعدم ما دام الإنسان يموت إلى الأبد..
إن الفلسفة العدمية تعبر عن القلق، والقلق بجميع درجاته ـ فيما عدا نتيجته ـ هو قلق
ديني.. الإنسان غريب في هذا العالم سواء عند العدمية أو في نظر الدين.. والفرق أن العدمية
تعتبر الإنسان ضائعًا بلا أمل وأما الدين فإنه ينطوي على أمل في الخلاص.