ندوة لخريجي الأزهر تحذر من خطورة الشائعات: تدمر المجتمع وتثير الفتن
- الخميس 26 ديسمبر 2024
قال الدكتور هشام عزمي، الباحث في ملف الإلحاد، إنه إذا تُوهِّم التعارض بين الشرع والعقل وجب تقديم الشرع، لأن العقل مصدقٌ للشرع في كل ما أخبر به، بينما الشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ، ومعنى هذا أن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة تشمل كل ما أخبر به الرسول ، تمامًا كما أن الفرد العامي إذا عرف محاميًا أو طبيبًا أو مهندسًا، وثبت له أن هذا المحامي أو الطبيب أو المهندس بارعٌ في مجاله ثم اختلف العامي والمتخصص في مسألة ، فمن يكون قوله صوابًا والآخر خطأ ..؟ لا ريب أن المتخصص يكون قوله هو الصواب الذي على العامي أن ينزل عليه ..
وبين أن هذا مع
العلم أن ذلك المفتي أو الطبيب أو المهندس يجوز عليه الخطأ، والرسول صلى الله عليه
وسلم معصومٌ لا يجوز عليه الخطأ في الخبر عن الله ، ومع العلم كذلك أن خبر الرسول صلى الله
عليه وسلم عن ربه مختلفٌ كثيرًا عن رأي المتخصص في مجاله ، لأن علم المتخصص علمٌ مكتسبٌ يمكن
للعامي تحصيله والإلمام بجميع جوانبه ، بينما خبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن
أن يُحصّل بالتعلم ولا بالاجتهاد ، ولا يمكن للعامي أن يبلغه أبدًا إلا عن طريق
الرسول .
وأوضح أنه إذا
كان الأمر كذلك ، فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وعلم أنه أخبر بشيء ، ثم وجد في عقله ما ينازع هذا الخبر ، كان عقله
يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلى من هو أعلم به منه ، وأن لا يقدم رأيه على
قوله، ويعلم أن عقله قاصرٌ بالنسبة إليه ، وأنه أعلم
بالله تعالى وأسمائه وصفاته وغيبه منه ، ويعلم أن التفاوت بينهما في العلم أعظم من
التفاوت بين العامة والمتخصصين .
وتابع: "إن كان عقلك يوجب عليك أن تنقاد لطبيب يهودي أو نصراني فيما أخبرك به
من نظام غذائي ودوائي وعلاجي ، وأن تسير على تعليماته كما يميلها عليك ، مع ما
في ذلك من التكاليف المادية وألم الإبر ومرارة الدواء ، وهذا لظنك أن هذا الطبيب أعلم منك ،
وأنك إن اتبعته كان أقرب إلى حصول الشفاء ، مع علمك أن الطبيب كثيرًا ما يخطئ، وأن
كثيرًا من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب ، ومع ذلك فأنت تقبل قوله وتتبع تعليماته
، حتى إن كان ظنك واجتهادك يخالف ما يأمرك به الطبيب فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة
والسلام؟!
وأوضح أن الرسل
صادقون مصدقون لا يجوز أن يكون خبرهم على خلاف الحقيقة قطٌ ، والذين يعارضون أقوال الرسل بعقولهم
عندهم من الجهالات والضلالات ما لا يحصيه إلا الله ،
متسائلا: كيف
إذن يجوز أن يعارض الجاهلُ الضالُ الصادقَ المصدوقَ الذي لا يخطئ قط؟
وأردف: ثم لو
نحن قلنا بتقديم العقل على خبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليست العقول شيئًا
واحدًا ثابتًا بنفسه ، بل بينها من الاختلاف والاضطراب وتنازع الآراء
ما هو معلوم، لكان تقديم العقل معناه إحالة الناس إلى ما لا
سبيل لثبوته ولا معرفته ولا اتفاق للناس عليه، أما الشرع فهو في نفسه قول الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم ، وهذه صفة لازمة فيه لا تختلف باختلاف الناس ولا
باختلاف آرائهم ، فمن اليسير عند التنازع رد الناس إليه
والاحتكام له ، وهذا هو الواجب، لأن الناس لو ردوا إلى غير ذلك من عقول
الرجال وآرائهم ومقاييسهم لم يزدهم هذا إلا اختلافًا واضطرابًا ،
وهذا من رحمة
الله تبارك وتعالى بخلقه وعباده .
وشدد على أنه لا يمكن الحكم بين الناس في موارد النزاع والاختلاف على الإطلاق إلا
بكتاب منزل من السماء ، مستدركا: "إذا تأملت مسائل الغيب كالتوحيد
والصفات والقدر النبوات والمعاد وغيرها ،تجد أن الشرع لا يعارضه العقل أبدًا، وهذه مسألة مهمة أود التنبيه عليها ،
وهي أن المنقول
الصحيح في الشرع لا يعارضه العقل الصريح إطلاقًا ، لأن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل
بمحارات العقول ، أي: أنهم لا يخبرون بما يرى العقل استحالته ،
بل قد يخبرون بما تحار العقول في استيعابه ، أي: لا يخبرون بما يعلم العقل انتفاءه
، بل يخبرون بما يعجز العقل عن معرفته ..
وأكمل: إذا
تأملت في عامة ما تنازع فيه الناس ، وجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات
يحكم العقل ببطلانها وفسادها، لأن النصوص الثابتة في الكتاب والسنة
لا يعارضها معقول صريح أبدًا ، بل لا يعارضها إلا ما فيه اشتباهٌ واضطرابٌ ،
وما عُلم أنه
حقٌ لا يعارضه ما فيه اشتباهٌ واضطرابٌ ، بل نقول قولاً عامًا كليًا : أن النصوص الثابتة
في الكتاب والسنة لم يعارضها صريح العقل قطٌ ، فضلاً عن أن يكون مقدمًا عليها ،
وإنما الذي
يعارضها شبه وخيالات مبناها على معان متشابهة وألفاظ مجملة، فمتى وقع الاستفسار والبيان ظهر أن ما
عارضها شبهات سوفسطائية لا براهين عقلية ..
وذكر أن المقصود هنا التنبيه على أنه لو سوغ للناظرين أن يعرضوا عن الكتاب والسنة ويعارضوهما بأرائهم ومعقولاتهم، لم يكن هناك أمرٌ مضبوطٌ يحصل لهم به علمٌ ولا هدى.