رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

لماذا تم تقديم وتأخير كلمة رغدا في سورة البقرة؟

  • أحمد نصار
  • الأحد 03 مارس 2024, 02:28 صباحا
  • 740
سورة البقرة

سورة البقرة

 قال العالم الجليل الدكتور حسام النعيمي، إن هناك من يسأل عن سبب  تقديم وتأخير كلمة رغدا، في آيتى سورة البقرة (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ (35)) (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58))؟

 وتابع : أن العيش الرغد، أو الأكل الرغد: هو الهنيء الذي لا جهد معه.

وأكمل : أن الآية الأولى: الكلام مع آدم (عليه السلام) للترخيص بسكن الجنة أولاً (اسكن أنت وزوجك الجنة)، ثم بالأكل من الجنة (وكلا منها رغداً)، ثم بمطلق المكان (حيث شئتما)، المكان مطلق غير مقيّد ثم قيّده بشجرة (ولا تقربا هذه الشجرة) هذا التقييد بعد الإطلاق هو نوع من الاستثناء كأنه قال: كلوا من كل هذه الأماكن إلا من هذا المكان. فلما كان الكلام استثناء من مكان ربط بين المستثنى والمستثنى منه، المستثنى منه (حيث شئتما) والمستثنى (قربان الشجرة) فلا بد من اتصالهما، ولو قيل في غير القرآن: كلا منها حيث شئتما رغداً ولا تقربا ستكون كلمة (رغداً) فاصلة بين المستثنى منه والمستثنى، وهذا خلل في اللغة إذ لا يجوز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه أو على الأقل فيه ضعف، إن لم نقل خطأ؛ لأن المستثنى والمستثنى منه بينهما علاقة، ولا يفصل بينهما شيء.

وأردف قائلا: كأنه قيل في غير القرآن: كلا منها حيث شئتما إلا من هذا المكان، فلا يستوي أن يكون بينهما كلام، لذلك قدّم رغداً مع نوع من الاهتمام بالعيش الهنيء لهما، كلا منها رغداً حيث شئتما إلا من هذا الموضع، فجمع بين المكان المستثنى منه وبين المكان المستثنى الذي ينبغي أن لا يقرباه، وهذا السر في تقدّم رغداً.

وأضاف: قال تعالى لآدم (عليه السلام) (حيث شئتما) فأثبت لهما المشيئة من أول خلقتهما.

ونوه إلى أنه في الآية الأخرى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) أيضاً مكان (فكلوا منها حيث شئتم) المكان، ثم قال (رغداً) بعد أن جمع المكانين، والكلام هنا ليس فيه استثناء، وإلا كان يقدّم، وإنما قال (وادخلوا الباب سجداً) فانتقل لموضوع آخر. هذه القرية مفتوح أمامكم جميع نواحيها للأكل الرغد، للأكل الهنيء، (ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً) جمع المكانين القرية وحيث شئتم، ثم جاء بـ (رغداً) بعد ذلك، ولو قال رغداً حيث شئتم فسيكون هناك فاصل بين المكانين: القرية وحيث شئتم من دون داع.

وأشار إلى أن التوجيه الإعرابي لكلمة (رغداً): عندنا توجيهان من حيث الإعراب: بعض النحويين ابتكر مصطلح نائب المفعول المطلق؛ لأن أصل العبارة: وكلا منها أكلاً رغداً، أكلاً مفعول مطلق ورغداً صفة للمفعول المطلق، فلما حُذِف المفعول المطلق، وبقيت صفته قال هذه نائب عن المفعول المطلق، ومنهم من قال لا، هي صفة لموصوف محذوف والموصوف مفعول مطلق، تستطيع أن تقول هي صفة لمفعول مطلق محذوف كأنك تبين غايتها وهدفها، وهو أنها تصف شيئاً، أو تقول إنها نائب لمفعول مطلق.

وتابع: ما اللمسة البيانية التي تضفيها كلمة رغداً خاصة أنها جاءت بعد (حيث شئتم)؟ بيان أن الأكل من غير جهد، هذه القرية كانت مليئة بالثمار والأشجار، ترتاحون فيها إكراماً لهؤلاء من الله سبحانه وتعالى، لكنهم مع ذلك قابلوه بقولهم حنطة، وبدلوا (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)، الله سبحانه وتعالى حكمة في التعامل مع بني إسرائيل، فلا هم سجدوا ولا قالوا حطة، وإنما دخلوا القرية يزحفون على أعقابهم، مع كل هذا الإكرام (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) الإغراء في الكلام والتكريم، ومع ذلك بدّلوا.

تعليقات