أفلا تبصرون.. هل رأيت نمل الباندا من قبل؟!
- الأحد 24 نوفمبر 2024
الكون
قال الباحث اللغوي محمد إسماعيل عتوك، أستاذ في اللغة العربية، بجامعة دمشق، إن من يتأمل قوله تعالى: َالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" الذاريات:47- 49، سيدرك أن هذه الآية الكريمة من أقوى الدلائل على قدرة الله تعالى، ووحدانيته، بل من أشدها تحذيرًا من عقابه وعذابه. وقد سبقتها آيات، تحدثت عن أخبار الأمم الطاغية المكذبة بالبعث، وهلاكها، فجاءت هذه الآيات عقبها؛ لتؤكد قدرة الله تعالى على الخلق، والإعادة، وأنه واحد، لا شريك له، يستحق العبادة، والتوحيد؛ ولهذا صدر الأمر منه تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعبادته سبحانه وحده، وتوحيده، وإلا فمصيرهم كمصير من سبقهم من الأمم؛ وذلك قوله تعالى عقب الآيات السابقة:﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾(الذاريات:50- 51)
وأوضح
أنه من أول ما يلفت النظر في هذه الآيات الكريمة، ويدعو إلى التفكر والتدبر هو مجيئها
على هذا الترتيب المنظم البديع: بناء السماء بقوة، والتوسُّع المستمر في بنائها أولاً.
ثم فرش الأرض، وتمهيدها لساكنيها ثانيًا0 ثم خلق زوجين من كل شيء ثالثًا.
وتابع:
أن السر في ذلك- والله تعالى أعلم- هو أنه
لمَّا كان الغرض الإخبار عن قدرة الله تعالى، ووحدانيته، وإقامة الدليل على ذلك، قدَّم
سبحانه ما هو أقوى في الخلق. وما كان أقوى في الخلق، كان أقوى في الدلالة، وأظهر في
الإفادة.. ومعلوم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، ثم خلق بعدهما جميع المخلوقات،
وما خُلِق ابتداءً، كان خَلْقُهُ أشدَّ، وإن كان الكل عند الله تعالى في الخَلْقِ سَواء.
وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ
بَنَاهَا* رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
* وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾(النازعات:28-30) ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ
أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ
﴾(الصافات:11)
وأردف قائلا: إلى أن قوله تعالى:﴿ السَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ
﴾، يشير إلى أن السماء بُنِيَت بإحكام، على شكل قبَّة مبنية على الأرض، وأن بناءها
باقٍ إلى يوم القيامة، لم يُعْدَمْ منه جزءٌ، خلافًا للأرض؛ لأنها في تبدُّل دائم وتغيُّر
مستمر، وخلافًا للمخلوقات؛ لأن مصيرها إلى الهلاك والفناء؛ ولهذا قال تعالى في السماء:﴿
بَنَيْنَاهَا ﴾، وقال في الأرض:﴿ فَرَشْنَاهَا﴾، وقال في كل شيء:﴿ خَلَقْنَا ﴾،
لافتا إلى أن الخَلْقُ يبلَى ويفنَى، والفَرْشُ يُطوَى ويُنقَل. أما البناءُ فثابتٌ
باقٍ، وإليه الإشارة بقوله جل وعلا:﴿ وََبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً ﴾(النبأ:12)
وأشار
إلى أن البناءُ في اللغة نقيضُ الهدم، ومعناه: ضَمُّ شيء إلى شيء آخر. ومنه قولهم:
بَنَى فلانٌ على أهله.. والأصل فيه: أن الداخل بأهله كان يضرِب عليها قبة ليلة دخوله
بها. ومن هنا قيل لكل داخل بأهله: بَانٍ. والعامة تقول: بَنَى الرجل بأهله. والصوابُ
هو الأوَّلُ؛ ولهذا شُبِّهَت السماء بالقبة، في كيفية بنائها، موضحا أنه في تقديم كل
من﴿ السَّمَاءِ ﴾، و﴿ الْأَرْض ﴾، و﴿ كُلِّ شَيْءٍ ﴾على فعله دليلٌ آخر على أن الخالق
جل جلاله واحدٌ أحدٌ، لا شريك له في خلقه، لأن تقديم المفعول يفيد معنى الحصر، فإن
تأخر عن الفعل، احتمل الكلام أن يكون الفاعل واحدًا، أو أكثر، أو أن يكون غير المتكلم.
ولفت
إلى أن تأخير المفعول في نحو قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
بِالْحَقِّ ﴾(الأنعام: 73 )، فإن الكفار ما كانوا يشكُّون لحظة في أن الله تعالى
هو الذي خلق السماوات والأرض. وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم
مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾(لقمان:25)، ثم إن
قوله تعالى:﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾يشير بوضوح
وجلاء إلى أن الله تعالى بنى هذا الكون، وأحكم بناءه بقوة، وأن هذا البناء المحكم،
لم يتوقف عند هذا الحد، وإنما هو في توسُّع دائم، وامتداد إلى ما شاء الله تعالى وقدر.
دلَّ على ذلك التعبير بالجملة الاسمية، المؤكدة بـ( إن ) و( اللام )، وهي قوله تعالى:﴿وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ ﴾.
وأكمل:
ثم إن في إطلاق الخبر﴿ مُوسِعُونَ ﴾، دون تقييده بالإضافة، دلالة أخرى على ما أراد
الله تعالى أن يخبر عنه، وأكده العلم الحديث. فقد ثبت للعلماء منذ الثلث الأول للقرن
العشرين أن هذا الجزء المرئي من الكون مُتَّسِعٌ اتِّساعًا، لا يدركه عقل، وأنه في
اتِّساع دائم إلى اليوم. بمعنى أن المجرَّات فيه تتباعد عن مجرتنا، وعن بعضها البعض
بسرعات هائلة، منوها إلى أن العلماء قد ثبت لهم منذ الثلث الأول للقرن العشرين أن هذا
الجزء المرئي من الكون مُتَّسِعٌ اتِّساعًا، لا يدركه عقل، وأنه في اتِّساع دائم إلى
اليوم صورة تبين توسع السماء بعد خلق الكون.
وشدد على أن هذه الحقيقة المكتشفة أكدتها حسابات كل من الفيزيائيين النظريين والفلكيين,
ولا تزال تقدم المزيد من الدعم والتأييد لهذه الحقيقة المشاهدة، التي تشكل إعجازًا
علميًا رائعًا من إعجاز القرآن!