في ذكرى رحيله.. تعرف على «الدكتوراه الفخرية والتصفيق للملك» الأسباب الحقيقية لفصل طه حسين من الجامعة

  • جداريات 2
  • الإثنين 28 أكتوبر 2019, 4:27 مساءً
  • 770
طه حسين

طه حسين

«إن الكثرة المطلقة مما نسميه أدبا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء، وإنما هي منحولة بعد ظهور الإسلام، فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين. ولا أكاد أشك في أن ما بقي من الأدب الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة لهذا العصر الجاهلي».

هذه فقرة من كتاب عنوانه «فى الشعر الجاهلى» وتم تغييره إلى «فى الأدب الجاهلي»، وفجر بركانا هادرا ضد طه حسين- الذي يوافق مثل هذا اليوم ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣ ذكرى وفاته- يتهمه بالزندقة والكفر والمروق من الدين وبناء عليه يجب محاكمته وإخراجه من الجامعة حتى لا يفسد الطلبة الذين يدرس لهم الأدب لينتهي الأمر بالفعل بأن «في يوم الأربعاء ٢٠ مارس سنة ١٩٣٢ عقد مجلس وزراء الحكومة المصرية جلسة خاصة لحسم موضوع ناقشه البرلمان وناقشته الصحف من قبل.. موضوع خطير في هذه الجلسة لم يتحدث أحد من الوزراء سوى وزير المعارف العمومية، خرج إسماعيل صدقي رئيس الوزراء إلى مندوبي الصحف وأذاع عليهم البيان القصير التالي: «..قرر مجلس الوزراء فصل الأستاذ طه حسين أفندي، الموظف بوزارة المعارف العمومية، من خدمة الحكومة».

يعلق الكاتب الصحفي الكبير محمود عوض على هذا القرار في كتابه «أفكار ضد الرصاص» وهو مرجعنا في هذه القضية «بتصرف» لأنه يرصد فيه أزمة الكتاب «فى الأدب الجاهلي» برمتها: «بهذا القرار القصير- ١٥ كلمة- اعتبر رئيس الوزراء أن الأزمة التي استمرت قائمة ست سنوات كاملة.. انتهت. انتهت بحل ترضاه جميع الأطراف الأزمة: الملك فواد، السفير البريطاني، مجلس الشيوخ، الأزهر، حل يرضاه الجميع.. ما عدا شخصا واحدا يهمه الأمر: طه حسن».

 

عود على بدء.. محطات الأزمة

إن المنطلق الذي اختاره عوض في كتابه لتناول الأزمة كان من نهايتها، لكنه ما يلبث أن يعود ويضعنا في بدايتها ويسهب في شرح القضية وبيان محطاتها، وفي القلب بين البداية والنهاية يكشف السبب الحقيقي لفصل طه حسين في الجامعة المتستر خلف الدين والقيم المجتمعية وفي باطنه مدفوع بأمور أخرى.

 يؤكد محمود عوض في «أفكار ضد الرصاص»: «أخرج طه حسين كتابه إلى الناس في تلك الأيام ١٩٢٦. أخرج الكتاب ثم سافر إلى فرنسا ليقضي بها إجازة الصيف. وحينما رست الباخرة بطه حسين على ذلك الجزء من الشاطئ الفرنسي هبط طه حسين على سلم الباخرة دون أن يعلم ما تخبئه له الأيام هنا في مصر.... فوجئ طه حسين وهو في إيطاليا ببرقيه عاجلة جاءت إليه من القاهرة البرقية- ككل البرقيات مختصرة، مركزة ولكنها أيضا خطيرة هي: «عرض على البرلمان كتابك الأخير. ناقش البرلمان طردك من الجامعة.. هدد رئيس الوزراد بالاستقالة. تدخل سعد زغلول أحيل الموضوع إلى النيابة للتحقيق معك أرجو حضورك حالا.. إمضاء أحمد المرصفي». يضيف عوض: «في القاهرة كانت الأحداث تتخذ لنفسها مجرى آخر. إن الملك فؤاد بنفسه يريد للمناقشات أن تنتهي بعقوبة رادعة لطه حسين والمناقشات نفسها مستمرة. إن مجلس الجامعة عقد اجتماعا خاصا. المناسبة: عريضة قدمها حضرات علماء الأزهر يطلبون فيها مصادرة كتاب في الشعر الجاهلي وإبعاد طه حسين من الجامعة وإحالته إلى المحكمة.... بدأ أحمد لطفي السيد- مدير الجامعة- يجري اتصالاته مع السلطات المختصة سلطات عديدة هناك الملك، وهناك رئيس الوزراء…. تعلو الأصوات صوتا بعد صوت مطالبة بمعاقبة طه حسين ومعاقبة الجامعة كلها من خلال طه حسين».

يعلق عوض: «هكذا بدأت الأزمة تتسع وتتسع لقد تدخل الجميع في مناقشة الكتاب تدخلت المعارضة، تدخل البرلمان- مجلس النواب أولا ثم مجلس الشيوخ- تدخلت الجامعة، تدخل وزير المعارف، تدخل رئيس الوزراء، تدخل الملك. ولكن هناك سلطة أعلى وراء الستار لم تتدخل بعد: السفير البريطاني».

ويتوصل السفير البريطاني مع رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت إلى «حل يمنع تحويل طه حسين إلى بطل في النهاية» وأمام الأزمة التي ما زالت مشتعلة في البرلمان والتي قد تؤدي لسحب الثقة من حكومة عبد الخالق ثروت يتدخل سعد زغلول زعيم الأغلبية رافضا طرح الثقة من الحكومة لأنها ائتلافية من حزب الوفد والأحرار الدستوريين برئاسة عدلي يكن آنذاك. «وكانت النتيجة- يضيف محمود عوض-: شُكِّلت لجنة لوضع تقرير حول الكتاب.. وأحيل الموضوع للنيابة ولكن حتى هذه الحلول كانت غير كافية بعد لتهدئة المعارضين ضد طه حسين ففي كل يوم تزداد عوامل الأزمة تعقيدا وتتشابك عواملها وتتعد أطرافها. إن أطراف الأزمة كثيرون ولكن دوافعها هي التي تختلف..... وكانت وجهة كل نظر كل طرف- فيما عدا طه حسين- تجد طريقها إلى قبة البرلمان. لهذا لم يكن غريبا أن يشهد مجلس النواب في إحدى جلساته مشادة عنيفة بين النواب المعارضين في المجلس وبين عدلي يكن كرئيس للوزارة الجديدة التي ورثت المشكلة عن وزارة ثروت. ففي جلسة ١٣ سبتمبر سنة ١٩٢٦ حمل النواب حملة شديدة على الوزارة «بسبب سكوتها علي ما ينفثه طه حسين من تعاليم الكفر والإلحاد في رؤوس الشبان وطالبوا بإجراءات أكثر حسما ضد طه حسين».

وانتهت الزوبعة مرة أخرى بأن أرسل طه حسين شهادة مكتوبة للنشر إلى الصحف يعلن فيها أنه «مسلم وموحد بالله»، وتمت إذاعة البيان، «وكان الحل الثاني أن تشتري الجامعة جميع نسخ الكتاب من المؤلف حتى تمنعه من التداول في السوق.... ولأن طه حسين يريد هو الآخر أن يستريح فقد حذف من الكتاب فصلا وأضاف فصولا ثم طبعه من جديد بعنوان مختلف الآن أصبح عنوان الكتاب هو «في الأدب الجاهلي»، بعد أن كان «في الشعر الجاهلي». ومع ذلك ما كان بعدها مجرد سكون للعاصفة ثم تجددت الأزمة مرة أخرى «فقد أثيرت المسألة من جديد في مجلس الشيوخ سنة ١٩٢٧ وشكلت وزارة المعارف لجنة للمرة الثانية لكتابة تقرير جديد عنه بعد أن تغير عنوانه... وسردت فيه ثلاثة عشر وجها أضاعها الكتاب على قرائه من أمر دينهم - نذكر بعضا مما ذكره محمود عوض في كتابه: أضاع عليهم الوحدة القومية والعاطفية وكلما يتصل بها. وأضاع عليهم الوحدة القومية والعاطفية وكلما يتصل بها. وأضاع عليهم الإيمان بتواتر القرآن وقراءته وأنها وحي من الله. وأضاع عليهم ما وجب من حرمة الصحابة والتابعين.

                       سقوط القناع.. العميد يكشف الأسباب الحقيقية لفصله

عموما لم يتم الفصل في الكتاب وصاحبه إلا بعدها بستة أعوام، وبقي السؤال الملغز «ما هي المناسبة؟ لماذا لم يصدر قرار الفصل لا في تلك السنة سنة ١٩٣٢؟» وهو السؤال الذي طرحه محمود عوض على طه حسين نفسه وضمّن إجابته كتابه «أفكار ضد الرصاص»، يقول طه حسين: «لأنه في هذه السنة ظهرت أسباب جديدة- إلى جانب السبب القديم القائم، ومن هذه الأسباب موقف لي مع وزير المعارف العمومية آنذاك حلمي عيسى. لقد طلب مني حلمي عيسى، وزير المعارف، أن أزوره في مكتبه ذهبت إليه ومعي عبد الوهاب عزام- رحمه الله- وفي أثناء الزيارة قال لي وزير المعارف: «يا طه حسين باعتبارك عميدًا لكلية الآداب نريد منك أن تقدم اقتراحا للجامعة بمنح الدكتوراه الفخرية لعدد من كبار الأعيان: يحيى إبراهيم وعلى ماهر وعبد الحميد بدوي وعبد العزيز فهمي وآخرين. ولكني على الفور قلت لوزير المعارف: «عميد كلية الآداب ليس عمدة.. تصدر إليه الأوامر من الوزير، أنا لا أوافق على إعطاء الدكتوراه الفخرية لأحد، لمجرد أنه من الأعيان، لا أوافق ولا أستطيع حتى أن أعرض هذا الأمر على مجلس كليه الآداب لأن المجلس لن يوافق». في هذه اللحظة- يقول طه حسين- بدا التجهم والغضب كاملين في صوت وزير المعارف. لقد رد الوزير «طيب.. أنت لا تسمع الكلام؟ حانشوف مين ينفذ كلامه؟! وفعلا عرض الأمر على مجلس الآداب. ورفض المجلس منح الدكتوراه الفخرية للأعيان المذكورين.

وكانت هذه الوقعة هي بمثابة ضربة النهاية وإسدال للستار في أمر فصل طه حسين تضطم إليها وقعة أخرى خاصة بالملك فؤاد نفسه عندما زار الجامعة وكلياتها «وفوجئ بالطلبة يستمعون إلى محاضرة عن النظام الدستوري فغضب الملك. ثم غضب ثانية حينما دخل عدلي باشا- رئيس مجلس الشيوخ آنذاك- فصفق له الطلبة أشد مما صفقوا للملك. في الواقع- والكلام لطه حسين- أنهم لم يصفقوا للمك أصلا. هنا قال الملك فؤاد: كيف يصفق الطلبة لعدلي ولا يصفقون لي؟ هذا عمل من تدبير الملعون طه حسين».

ولم يطل الأمر كثيرا بعد اجتماع الوقعتين، وجاء صدور القرار الرسمي بنقل طه حسين من كلية الآداب إلى وزارة المعارف. ثم صدر بعده قرار بفصله من وزارة المعارف، ليجد واحد من أعظم مفكري القرن العشرين نفسه بعدها «في الشارع ليس في جيبه جنيه واحد. ليس في بيته رغيف خبز. بدأ أخوه ينفق عليه. يعطيه معونة يشتري بها الخبز لنفسه ولأسرته». وحاول أن يلتمس العدل بعدها في ساحات القضاء بعدها برفع قضية، لكن عدل القضاء وقتها كان «حبلا مقطوعا» وقضى برفض الدعوى.

 

تعليقات