عبدالله محمد يكتب: إثبات حجية وموثوقية الأحاديث والأخبار الإسلامية عقلًا

  • جداريات Jedariiat
  • الجمعة 29 ديسمبر 2023, 05:04 صباحا
  • 238

إذا جاءك أحدهم وقال لك هل رأيت ما حدث؟ هذه الجملة يقولها لك أحدهم لكي يقص عليك حدث ما ليجعلك وكأنك تشاهد الحدث أمامك وحتى تتأكد من صحة هذا الحدث - سواء من حدوثه مجملاً أو من تفاصيله - ستسأل نفسك عدة أسئلة أولها : من الذي نقل لي هذا الحدث ؟

هل هو صديقي الذي أعرف صِدْقَه وأنه لا يكذب ولا يختلق قصصاً وهمية للتسلية وإثارة الجدل أم هو ذلك الشخص المشهور بالكذب وبأخلاقه الدنيئة بين الناس أم هو هذا الشخص المجهول الذي لا أعرف صدقه من كذبه ولا أعرف عنه شيئاً ؟

فإن الشخص الناقل للحدث لا يخرج حاله عن هذه الأحوال الثلاثة ، ولكن معرفة صفة الصدق وحدها لا تكفي لتصديق الخبر ، لأن الشخص يمكن أن يكون صادقاً ولكن ذاكرته ضعيفة لا يستطيع تذكر التفاصيل بشكل جيد بل ومن الممكن أن يكون من الذين يعانون من مرض الزهايمر فيتذكر موقف حدث منذ سنوات عديدة ثم يخبرك به ويقول لك أن ذلك الحدث وقع صباح اليوم؛ فيجب علينا إذاً معرفة حال ذاكرة هذا الشخص لأن الصدق وحده في هذه الحالة غير كافٍ.

بل ويجب عليك أن تمرر هذا الحدث على عقلك فلعل هذا الحدث من المستحيلات التي لا يمكن أن تحدث كأن يقول لك أحد لقد رأيت ديناصورًا أمامي بالشارع ثم صارعته وهزمته ومعلوم أن الديناصورات قد انقرضت منذ أزمنة بعيدة فيستحيل أن يجد إحداها صدفة بالشارع!

لأن بعض الأشخاص الذين يعانون من تخيلات وأمراض عقلية ونفسية تجعلهم يرون أشياء لم تحدث فيجب معرفة هل هذا الحدث من الممكنات التي يمكن حدوثها أم لا ومعرفة أن هذا الشخص يخلو من الأمراض العقلية والنفسية .

وإذا كان هذا الناقل للحدث ينقله عن شخص آخر ولم يشاهده بعينه فيجب عليك أن تعرف ما إذا كان هذا الشخص قد عاصر وتقابل مع الشخص الذي ينقل عنه أم لا وهل نقل عنه مباشرة أم أن هناك وسيطًا بينهما وانت لا تعرف حاله من ناحية الصفات التي ذكرناها (الصدق والذاكرة.. إلخ) فلا يدَّعي أحد مثلاً أنه تقابل مع شخص يسكن في أقصى مشارق الأرض ونقل عنه الحدث وهو لم يغادر بلدته ولم يذهب لبلدة هذا الرجل المنقول عنه أصلا وهذا الشخص المنقول عنه يجب أن يكون حيًا فلا يدعي مثلاً أنه نقل عن شخص مات قبل أن يُولَد هذا الناقل !

وبعد هذه التحقيقات لن نجد أي مشكلة في تصديق الحدث المنقول فقد وضع المسلمون معاييرًا دقيقة جدا يستحيل بعدها تكذيب الحدث المنقول ؛ فقد تحققوا من صدق الناقل وذاكرته الجيدة و سلامته العقلية وعدم نقله لحدث خيالي يستحيل وقوعه وتحققوا أيضاً أنه لو نقل عن شخص آخر أنه يجب أن يكون قد تقابل مع الشخص وعاصره بل وسترفض تصديق الحدث إن كان هناك وسيطاً بينهما لا تعلم حاله، فلا يبقى إلا تصديق أي حدث أو خبر جاء لنا بهذه الطريقة فلا يمكن تكذيبها وإلا فعلينا أن نكذب كل الأخبار الموجودة في حياتنا !.

ودعوني أشرح لكم معايير تصحيح الأحاديث وتضعيفها باختصار

قبل البدء يجب أن نعلم أن الحديث الشريف ينقسم إلى جزءين وهما :  السند والمتن، والسند : هو سلسلة الأشخاص الذين نقلوا الحديث من النبي ﷺ وحتى تم تدوينه في الكتاب الذي تقرأ منه الحديث، أما المتن : هو محتوى الحديث من الكلام الذي قاله النبي ﷺ

وإليكما شروط صحة الحديث الإسلامي:

أولها اتصال السند ويعني أن كل شخص ممن نقل الحديث عن الذي قبله قد عاصره وتقابل معه ونقل عنه الحديث وهذا الذي قبله أيضاً قد تقابل وعاصر مَنْ قبله ممن نقل عنه الحديث وهكذا حتى نصل إلى النبي ﷺ فلو وجدنا في هذه السلسلة شخصاً لم يعاصر الشخص الذي قبله في سلسلة المتن فلا نقبل هذا الحديث لأنه بذلك يكون هناك وسيط بينهما لا نعلم حاله فلعله كان كاذباً أو ضعيف الذاكرة لا يُقبَل منه الحديث ونسمي هذا الحديث بـ " الحديث المنقطع " أي أن سلسلة الناقلين منقطعة وغير متصلة  وهو من أقسام الحديث الضعيف ، ولو وجدنا السلسلة متصلة ولكن أول شخص في السلسلة ممن يدَّعي أنه سمع الحديث من النبي ﷺ لم يعاصره وقد وِلِد بعد موت النبي ﷺ أي أنه (تابعي) فنسمي هذا الحديث بـ " الحديث المُرْسَل " وهو من أقسام الحديث الضعيف أيضاً فلعله نقل الحديث من تابعي آخر مثله وهذا التابعي قد يكون ممن لا يُقبل منه الحديث سواء لعدم صدقه أو لضعف ذاكرته أو عدم لقائه بصحابي نقل الحديث من النبي ﷺ .

وأما عن ثاني شرط من شروط صحة الحديث الإسلامي وهو عدل الأشخاص الموجودين في سلسلة السند وعدلهم يعني أنهم أناس معروف عنهم أنهم صادقين في أقوالهم وأفعالهم ولا يُعرَف عنهم الكذب أو سوء الأخلاق ويجب أن يكونوا ملتزمين بالدين ويعلمون عقوبة من يلفق أحاديثاً كاذبة وينسبها إلى النبي ﷺ لأنهم يعلمون أنه ﷺ قال "إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (صحيح البخاري 1291 ) فمن يلتزم بالدين يستحيل أن يلفق حديثًا حتى لو كان في صالح الإسلام لأنه يعلم أنه بذلك سيكون من أهل النار.

فإذا وجدنا شخصًا واحدًا من هذه السلسلة عُرِف عنه الكذب فإن هذا الحديث يسمى حديثًا موضوعًا أو مكذوبًا ولا نقبل هذا الحديث حتى وإن كان يمدح في الإسلام.

وثالث شرط وهو ضبط الأشخاص الموجودين في سلسلة السند و ضبطهم يعني أن ذاكرتهم جيدة ونقلهم مضبوط ولا يعانون من أي أمراض تؤثر على نقلهم للأخبار كالزهايمر أو أمراض نفسية وعقلية، ومن مظاهر الدقة في هذا الجانب أن بعض الرواة كان لا يستطيع أن يروي الأحاديث إلا من خلال القراءة المباشرة من كتابه لأن ذاكرته ضعيفة لا يستطيع نقل الأحاديث إلا من خلال القراءة من كتابه وكان في هذا الوقت ممن يؤخذ بنقله وروايته وقد حدث أن كتابه قد أصابته النار فاحترق وبعد إحتراق كتابه لم يعد العلماء يعتمدون نقل هذا العالم لأنه لا يستطيع النقل من ذاكرته، يعني نفس الشخص في وقت من الأوقات كان ضابطًا يؤخذ بنقله وروايته وفي وقت آخر لم يعد يؤخذ بنقله وهذا من دقة علم الحديث الإسلامي .

وكل راوٍ من الرواة له سيرة ذاتية كاملة عن حياته منذ تاريخ مولده وحتى تاريخ وفاته وعن سيرته بين الناس ومن خلالها يتم تحديد ضبطه وعدالته وهذا علم منفرد عندنا بالإسلام يسمى علم الجرح والتعديل أو علم الرجال.

وهناك شرطان آخران يختصان بدراسة المتن وخلوه من التناقضات يسميان بـ الخلو من الشذوذ والخلو من العلة .

فهل ترون بعد هذه المعايير الدقيقة في تصحيح الأحاديث أي مبرر لتكذبيها وعدم الأخذ بها.

إذاً فالمعيار في تصديق الأخبار عندنا في الإسلام ليس أن هذا الحديث يمدح الإسلام وفي صالحه أم لا ، ولكن المعيار هو تحقق الشروط الخمسة التي ذكرناها والتي يجب أن تتوافر جميعها في كل حديث أو خبر حتى نأخذ به ونقبله ، فلا يدَّعي أحد أننا نصحح الأحاديث حسب أهواءنا وحسبما نحب! ، وإنما نصححها ونضعفها حسب منهجية علمية عقلية منضبطة.

المصدر: حساب العلم يؤكد الدين 

تعليقات