هل رأيت حشرة سرعوف الورقة الميْتة؟
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
تعبيرية
كتب:أحمد إبراهيم
أكد المفكر، بدية
محمد البشير، الباحث في ملف الإلحاد، أن الشق العلمي في دراسة علم الجغرافيا من ناحية
الوصف التاريخي الدقيق و التوزيع المضبوط للمناطق الجغرافية شهد تفردا ظاهرا واضحا
لا لبس فيه من علماء المسلمين ، فالمنهجية العلمية المعتمدة على الوحي الإلهي
" القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة " كالمرجع الأول في البحث عن المعارف،
و حاجة العلم اللازم للقيام ببعض العبادات كالصلاة و الاتجاه إلى القبلة جعل الدقة
العلمية في الوصف الجغرافي حكرا على المسلمين لفترة طويلة من الزمن ، و لا تزال المؤلفات
الحالية شاهدة على هذه الإسهامات التي تساعد ليس فقط اهتمام المسلمين بالبحث عن المعارف
الجغرافية بل السبق في تأسيس منهجيته العلمية و أصوله،
وتابع"البشير" أن الباحث الغربي مارتن بلسنر، اعترف في قوله " ما زالت مؤلفات المسلمين في الجغرافيا
تحتل مكانًا مهمًّا حتى يومنا هذا؛ لأن المعلومات التي تتضمنها تزيد في علمنا بالجغرافيا
التاريخية المتعلقة بالبلدان التي تناولتها هذه المؤلفات، وبالتالي تنمِّي بصورة غير
مباشرة معلوماتنا عن تاريخ تلك البلدان؛ فتراث الإسلام في هذا الميدان له أهمية خاصة"،
لافتا إلى أنه مع الاقتران اللازم للعلم الجغرافي مع المنهجية التاريخية فوكأنما إتسمّ الجغرافي بلفظ المؤرخ اقتران لزوم
بهذا العلم إيذانا بكون علمي التاريخ والجغرافية صنوان لا يفترقان، وفرعان من شجرة
واحدة، من ناحية عدمية التمكن التاريخي للمؤرخ سوى بالمعرفة الجغرافية²، و حاجة الجغرافي كذلك إلى الإطلاع التاريخي
و تقديمه لنافذة تاريخية عن طريق وثيقة " الخريطة " فقد سبقت الحضارة الإسلامية
عصرها في هذا الشأن ، فصار الجغرافي المسلم مؤرخا موثوقا و المؤرخ جغرافيا بارعا.
وأردف: ممن لمع نجمهم في هذا المقام و اشتهر ذكرهم في الكتب ،و صاروا على الألسنة جوابين حتى وصلوا إلى أوروبا و منها إلى مسامع الملوك ومجالس الأمراء الشريف الإدريسي رحمه الله تعالى عزّ و جلّ الذي بلغ ذكره مسامع الملك روجر ليطلب منه هذا الأخير صناعة كرة أرضية فتظهر هذه الحادثة بدلالتها للأهمية العلمية الحضارية التي اتسمّ بها الإدريسي المنتشرة شرقا و غربا من جهة و دلالتها على تقدم المسلمين في العلم الجغرافي و العلم بكروية الأرض (التي كانت مجهولة لأوروبا حتى كوبرينيكس ).
من جهة أخرى، قال عبد الرحمن حبنكة الميداني"هذه لمحة
عن اهتمامات المسلمين الجغرافية، وهي بمثابة نموذج من مقدار كبير قام به المسلمون في
هذا العلم، المقترن بعلم التاريخ، ولا حاجة بنا إلى أكثر من هذا في هذا الموجز عن الحضارة
الإسلامية".
وأضاف: قد ترك لنا
الإدريسي إرثا علميا ضخما ، و يكفيه فخرا كتاب " نزهة المشتاق قي إختراق الآفاق
⁴" الذي شهد تأسيس بعض أصول علم الجغرافيا الحديثة متناولا بمسوعية هذا
الكتاب مفاهيم سبق بها كوبرينيكس كالعلم بكروية الأرض و البرهنة عليه ،قال ولديورن
رايت صاحب كتاب "قصة الحضارة "وكانت هذه الخرائط أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط
في العصور الوسطى، لم ترسم قبلها خرائط أتم منها، أو أدق، أو أوسع وأعظم تفصيلاً. وكان
الإدريسي يجزم كما تجزم الكثرة الغالبة من علماء المسلمين بكريَّة الأرض، ويرى أن هذه
حقيقة مُسلَّم بصحتها".
وأشار إلى أن خارطته محدثة عن التقدم العلمي للمسلمين في العلم الجغرافي و التاريخ الحضاري، تعدبوصفها أوّل خريطة كاملة للعالم من ناحية جغرافية ، و مصدرا تاريخيا و ملاحيا كان من أسباب تشييد إكتشافات هامة في أقاليم أروبا والأقاليم البلدان المعروفة و الغير معروفة آنذاك".
فقد أشاد المستشرقون بخريطة الإدريسي بشدة و تناولها بعضهم بصفتها النافذة الحية على عصور ماضية ، و إعتبرها بعضهم شاهدا على الإكتشافات المبكرة لبعض الأقاليم، و تظل شاهدا على مديونية الغرب للعرب بأثر هذه الخريطة على الملاحة الغربية و معبّرة عن فضل المسلمين في تيسير عمارة أروبا ، هذا ما عبّر عنه المستشرق غوستاف لوبون " وخريطة الإدريسي التي نشرتُ صورتها والتي اشتملت على منابع النيل والبحيرات الاستوائية الكبيرة -أي على هذه الأماكن التي لم يكتشفها الأوربيون إلا في العصر الحاضر- أكثرُ خرائطِه طرافةً، فهي تثبت أن معارف العرب في جغرافية إفريقيا أعظم مما ظُنَّ زمنًا طويلاً".
و مع ما رأيناه من السبق العلمي و الحضاري و التأسيس العلمي
و المنهجي لعلوم الجغرافيا من طرف علماء المسلمين كالشريف الإدريسي رحمه الله تعالى
عز و جل فقد جاء على الناس زمان تنسب فيه العلوم
لغير منسوبها و تسمى فيه الحقائق بغير مسمياتها و تسمى الأوهام حقائق دون قشور ، و
المسميات تطلق على غير ذي أسماء ، فانتظروا إنا معكم منتظرون .