الفطرة البشرية أكبر دليل على وجود خالق عظيم

  • أحمد نصار
  • الثلاثاء 14 نوفمبر 2023, 09:30 صباحا
  • 129
تعبيرية

تعبيرية

كتب:أحمد إبراهيم

تعد الفطرة البشرية من الأمور التي خلقت مع خلق الإنسان فهي الخلقة التي خلق الله الناس عليها، والمراد بها قوة أو استعداد أو صلاحية تقتضي في النفس قبول المعارف العلمية والعملية السليمة بحيث تميل الى اعتقاد ما هو صواب، دون ما هو خطأ، وإرادة ما ينفعها، دون ما يضرها، ما لم يمنعها مانع.  فهي في الجانب العلمي عبارة عن البنية العقلية الأساسية التي تؤدي إلى اكتساب العلوم والمعارف الصحيحة بمفردها من البيئة المحيطة ما لم توجد موانع، وفي الجانب العملي هي البنية الغريزية التي تؤدي إلى معرفة الطفل كيف يتغذى من الثدي ويصرخ عند الجوع ويبسط ذراعيه ورجليه عند سقوطه إلى أسفل وحده دون تعليم ما لم يمنعه مانع. وهناك جوانب أخرى من الفطرة أكثر تعقيداً تظهر رويداً رويداً مع الاحتكاك بالعالم الخارجي مثل المعارف الأخلاقية والروحية.  

فحقيقة الفطرة كما نشرتها صفحة "الإلحاد تحت المجهر" أنها أقرب ما يكون إلى إعدادات المصنع الأساسية للأجهزة الكهربائية بحيث أنه بمجرد تشغيل الجهاز وتوصيله  بالتيار الكهربي يعمل بحسب هذه الإعدادات، فلو شبهنا الإنسان مثلاً بجهاز الراديو المضبوط مسبقا على إذاعة القرآن الكريم، فإذا اتصل الراديو بالتيار الكهربي وكان هناك بث إذاعي سيذيع لنا القرآن الكريم، لكن هذا لا يعني أن الفطرة لا يمكن تغييرها أو التلاعب بها، فمن الممكن مثلاً أن تدير مؤشر الراديو إلى اذاعة الأغاني أو إذاعة الكنيسة أو حتى إذاعة تل أبيب! فالفطرة السليمة تستطيع من خلال التفاعل مع الواقع والاحتكاك بالعالم الخارجي أن تنتقي ما يوافقها ويصلح لها وينفعها، كما يلتقط الراديو موجة إذاعة القرآن الكريم من دون سائر القنوات الإذاعية، حتى تصل إلى الحق والصواب وحدها. لكن رغم هذا فإن الفطرة قابلة للتغير والإفساد، كما يمكن تحويل مؤشر الراديو.

وفي حديث الفطرة المشهور: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه     فإن الفطرة هي القبول للعقائد الصحيحة لكن يمكن تغييرها وإفسادها للقبول بالاعتقادات الباطلة،    كما في الحديث القدسي: " إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً " .  


وقد ذهب البعض إلى أن الفطرة لا تقتضي معرفة الله والإيمان به، وإنما هي مجرد القابلية للإيمان، بمعنى أن الفطرة محايدة بين الإيمان والكفر، وأنها مجرد القابلية لكل منهما على حد سواء. وعلى هذا التقدير لا يكون في القلب ولا خلل، ولا استقامة ولا انحراف، إذ نسبته لكل منهما متساوية وليس أحدهما أولى بالقلب من الآخر، بحيث أن الإنسان يمكنه أن يؤمن أو يكفر باختياره دون أن يكون في فطرته ما يقتضي ترجيح الإيمان على الكفر، بل تكون النفس قابلة لأي منهما على السواء، كما في مثال الراديو لا يكون مضبوطاً على إذاعة معينة، بل كل الموجات والإذاعات لديه سواوهذا القول يختلف عن قولنا بأن الفطرة مقتضية للإيمان بالله، لأنه إذا كانت الفطرة هي مجرد القابلية للإيمان كان الإيمان ليس واجباً في حقها، بل ممكناً من الممكنات، بخلاف ما إذا كانت الفطرة مقتضية للإيمان، فعندها يكون الإيمان واجباً إذا انتفت الموانع والصوارف دون شرط،

 ولفت إلى ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: "دل الكتاب والسنة على كون الخلق مفطورين على دين الله، الذي هو معرفة الله والإقرار به بمعنى أن ذلك موجب فطرتهم، وبمقتضاه يجب حصوله فيها، إذا لم يحصل ما يعوقها، فحصوله فيها لا يقف على وجود شرط، بل على انتفاء مانع، ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لموجب الفطرة شرطا، بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال ما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق ".

 والمقصود هو أن الله جل وعلا فطر عباده على فطرة فيها الإقرار به ومحبته والإخلاص له والإنابة إليه وإجلاله وتعظيمه، وأن هذا كله ليس من مجرد تعليم الأبوين أو تأثير المجتمع، لأن الأبوين والمجتمع والبيئة يبنون على أصل الفطرة، كما أن الطفل الصغير في فطرته حب الطعم الحلو وكره الطعم المر، فإذا جرب أصنافاً من الطعام مال إلى ما يوافق فطرته وبَعُدَ عما ينافيها ما لم يوجد مانع كمرض أو خلل في حاسة التذوق أو ما شابه.  فإذا ما وجد مانع يعوق الفطرة، فإن هذا لا يعني تعطل الإنسان بالكلية، بل يستمر في نموه العقلي والنفسي والأخلاقي والروحي لكن بشكل مشوه فاسد، فيعبد غير الله تعالى أو يجعل له شركاء أو يلحد، كما هو الجنين في الرحم إذا وجد لديه خلل في الجينات يمنع وجود نسيج معين أو عضو معين أو حتى أنزيم معين، فإن نموه لا يتوقف، بل يستمر لكن بشكل مشوه على خلاف الطبيعي، كذلك في مثال الراديو إذا غيرت القناة الإذاعية لا يتوقف عن العمل، بل يستمر في عمله ليذيع القناة الأخرى.

تعليقات