الاستدلال على وجود الله بحدوث الصفات للذوات!

  • أحمد نصار
  • الثلاثاء 14 نوفمبر 2023, 09:11 صباحا
  • 187
تعبيرية

تعبيرية

كتب:أحمد إبراهيم

يعد الاستدلال بحدوث الصفات للذوات على وجود الله، شبيها لصيرورة النطفة إنسانا والبذرة زرعا والنواة نخلة. فإذا كانت تلك الصفات المتجددة على المرء أعراضاً حادثة، وهو غير قادر عليها، فلابد لها من فاعل آخر غير المرء نفسه، وهذا ما نشرته صفحة الإلحاد تحت المجهر.

ولفتت إلى ما نقله  ابن تيمية عن أبي الحسن الأشعري:  (إن سأل سائل: ما الدليل على أن للخلق صانعا صنعه ومدبراً دبره، وقيل: الدليل على ذلك: أن الإنسان، الذي هو في غاية الكمال والتمام، كان نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم لحماً ودماً، وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال إلى حال؛ لأنا نراه في حال كمال قوته وتمام عقله لا يقدر أن يحدث لنفسه سمعاً ولا بصرًا ولا أن يخلق لنفسه جارحة.

وأضافت: دل ذلك على أنه قبل تكامله واجتماع قوته وعقله كان عن ذلك أعجز لأن ما عجز عنه في حال الكمال فهو في حال النقصان عنه أعجز ورأيناه طفلا ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً، وقد علمنا أنه لم ينقل نفسه من حال الشباب إلى حال الكبر والهرم؛ لأن الإنسان لو جهد أن يزيل عن نفسه الكبر والهرم ويردها إلى حال الشباب لم يمكنه ذلك، فدل ما وصفناه على أنه ليس هو الذي نقل نفسه في هذه الأحوال وأن له ناقلاً نقله من حال إلى حال ودبره على ما هو عليه لأنه لا يجوز انتقاله من حال إلى حال بغير ناقل ولا مدبر.

وتابعت: ومما يبين ذلك أيضا أن القطن لا يجوز أن يتحول غزلا مفتولا ولا ثوبا منسوجا بغير صانع ولا ناسج ومن اتخذ قطنا فانتظر أن يصير غزلا مفتولا ثم ثوبا منسوجا بغير صانع ولا ناسج كان عن المعقول خارجا وفي الجهل والجاً، وكذلك من قصد إلى برية لم يجد فيها قصراً مبنياً فانتظر أن يتحول الطين إلى حال الآجر وينتضد بعضه إلى بعض بغير صانع ولا بان كان جاهلا، فإذا كان تحول النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ثم عظماً ودماً أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدل على صانع صنعها أغنى النطفة ونقلها من حال إلى حال.

ونوهت إلى قوله تعالى ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩) }،  فما استطاعوا بحجة أن يقولوا إنهم يخلقون ما يمنون مع تمنيهم الولد فلا يكون ومع كراهتهم له فيكون، وقال تنبيها لخلقه على وحدانيته {َفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ )، فبين لهم عجزهم وفقرهم إلى صانع صنعهم ومدبر دبرهم،  فالمقصود أن حدوث صفة جديدة في الشئ يستلزم وجود من أحدث هذه الصفة، وبما أن صاحب الصفة نفسه الذي حدث له الصفة عاجز عن هذا، فهذا يدل على أن من أحدثها ليس هو نفسه، وأنه يفتقر إلى من يحدث له الصفة بعد الأخرى. كما في مثال الإنسان الذي يعجز عن إحداث مراحل خلق الجنين في داخل الرحم، ثم هو يعجز عن تغيير حاله من حال إلى حال بدليل أنه في عز شبابه وذروة عنفوانه لا يقدر أن يمنع عن نفسه الكهولة والهرم والشيخوخة، فكيف به في سائر مراحل حياته؟  فهذا يدل على أن له خالقا قديراً هو الذي يحدث له هذه الصفات والأحوال.

وأردفت الصفحة : وعلى هذا النحو من الاستدلال جرى استدلال الأنبياء عليهم السلام أمام كفار عصورهم، مثل ما وقع من إبراهيم عليه السلام مع النمرود، فيما أخبر الله تعالى عنه {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، وقوله تعالى🔹️﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأتي بِالشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ فَأتِ بِها مِنَ المَغرِبِ} أي ان الدليل على وجود الله هو حدوث صفة الحياة للأموات وحدوث صفة الموت للأحياء، فلما كابر النمرود وزعم أنه يحي ويميت، لم يسلم له إبراهيم ولم ينتقل إلى حجة أخرى، بل تابع بنفس الحجة -وهي حدوث صفات الأشياء وتغير أحوالها- حتى أفحم خصمه، فكأنه يقول: إن كنت صادقاً في زعمك أنك تحي وتميت، فالذي يحي ويميت هو نفسه الذي يأتي بالشمس من المشرق، فأت بها انت من المغرب لتثبت دعواك، {فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ﴾.

وختمت الصفحة ، أن سائر الآيات التي تذكر حدوث صفات المخلوقات، فكلها تشير إلى هذه الدلالة، مثل قوله تعالى { ٔألَمْ تَرَىٰ أَنْ اللّٰه يُزْجِي سَحَاباً ثُمْ يُؤلْفُ بَيْنَهُ ثُمْ يَجّعَلَهُ رُكَاماً  فَتَرىٰ الْوَدْقَ  يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَينْزلُ مِنَ الَّسمَاءِ مِنْ جِبَالٍ  فِيهَا مِنْ بَرْدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاء وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يُذْهِبُ بالْأبْصَارْ "   

 

 

تعليقات