رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

الاستدلال على وجود الله بالمخلوقات!

  • جداريات Jedariiat
  • الإثنين 30 أكتوبر 2023, 6:43 مساءً
  • 265

كتب: أحمد إبراهيم

يعد أحد أشهر البراهين العقلية الدالة على وجود خالق لهذا الكون، ألا وهو دليل حدوث أو إمكان أو افتقار الذوات، وهو دليل يهدف في المقام الأول إلى نتيجة واحدة، لكن تعددت صياغاته ومسالكه؛ على ثلاث هي الاستدلال على وجود الله بحدوث المخلوقات، والاستدلال على وجوده بإمكانها، وبإفتقارها .

فقد نشرت صفحة "الإلحاد تحت المجهر" أن دليل حدوث الذوات يقرر أن كل ما في العالم عبارة عن حوادث ومتغيرات، وأشياء كانت بعد أن لم تكن، وهذه حقيقة حسية مباشرة، وأن كل حادث لابد له محدث وكل فعل لابد له من فاعل وكل أثر لابد له من مؤثر، وهذه قاعدة فطرية بديهية، والجمع بين هاتين المقدمتين نستنتج أن لهذا العالم خالق وبارئ أوجده وأحدثه بعد أن لم يكن موجوداً.

وأضافت الصفحة: أن هذا الخالق البارئ ليس من هذا العالم، بل هو خارج عنه ومتعالٍ عليه، والدليل على هذا أن هذا العالم فيه حوادث كانت بعد أن لم توجد، وكانت بعد أن لم تكن، وما كان جزؤه حادثا فكله حادث؛ لأن الكل يعتمد على أجزائه التي يتركب منها، فإذا كانت أجزاء العالم، المشاهدة لنا، بمثابة حادثة، فهذا يعني أن العالم كله حادث، وكونه حادثاً فهو يحتاج إلى محدث. كذلك كون العالم يتركب من أجزاء يعني احتياجه إلى من يركبه ويقيمه بالضرورة، ولا يجوز في العقل أن يتركب ويقوم بنفسه.

وأوضحت أن دليل إمكان الذوات، فيقرر أن كل ما نشاهده في هذا العالم يجوز في العقل وجوده وعدمه، فهو إما أن يكون موجوداً أو يكون معدوماً، أي أنه ممكن الوجود وليس بواجب، وما كان كذلك فالوجود والعدم له سيان

ولفتت إلى قول شيخ الإسلام ابن تيمية: ثم من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوانات والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض، وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود، بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم.

وما كان واجب الوجود لذاته لا يقبل العدم؛ إذ لو قبل العدم لكان ممكن الوجود وممكن العدم، وهذا ليس بواجب الوجود بذاته. وإذا كانت الأجزاء التي شوهد عدمها يمتنع اتصافها بوجوب الوجود لم يكن أن يقال: إن الكل واجب الوجود: تؤكد الصفحة في تقريرها.

وتابعت: ومن هنا فأن الذي نشاهده في العالم ممكن الوجود وممكن العدم يحتاج إلى مرجح يرجح وجوده على عدمه لأن الترجيح بدون مرجح محال، أو بتعبير بعض العلماء الفيزيائيين: لماذا يوجد شيء بدلا من لا شيء؟ وهذا المرجح هو سبب وجود العالم وما فيه، وهو خالقه وبارئه ومنشؤه، مضيفة أن دليل افتقار الذوات فهو كدليل الإمكان لكنه لا ينطلق من مسألة الترجيح بين الوجود والعدم، بل يرى أن موجودات العالم لا توجد من نفسها ولا يمكنها إيجاد نفسها بنفسها، بل هي مفتقرة إلى من يوجدها ويمنحها الوجود، وهذا الموجد لا يحتاج في وجوده إلى غيره، بل هو مستغني عن غيره لأن وجوده واجب وضروري بخلاف وجود سائر الموجودات التي يتوقف وجودها عليه.

ونوهت إلى مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية :" كل واحد من الحدوث والإمكان دليل على الافتقار إلى الصانع، وإن كانا متلازمين... وكون الممكن والمحدث مفتقراً إلى الفاعل هو من لوازم حقيقته، لا يحتاج أن يعلل بعلة جعلته مفتقراً، بل الفقر لازم لذاته. فكل ما سوى الله فقير إليه دائما، لا يستغني عنه طرفة عين، وهذا من معاني اسم الصمد، فالصمد: الذي يحتاج إليه كل شيء، وهو مستغن عن كل شيء، وكما أن غنى الرب ثبت له لنفسه لا لعلة جعلته غنياً، فكذلك فقر المخلوقات وحاجتها إليه ثبت لذواتها، لا لعلة جعلتها مفتقرة إليه.

وهذا المسلك في الإستدلال موجود في قول الله تعالى ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَلِقُونَ ﴾ [الطور: ٣٥] . وهي حجة عقلية بطريقة التقسيم والسبر: حيث يقسم احتمالات إيجاد العالم إلى ثلاثة: موجود بلا خالق، خلق نفسه بنفسه، خلقه خالق. ثم يسبر ويفحص ويتحرى هذه الاحتمالات. فالاحتمال الأول باطل نظراً لافتقار واحتياج العالم إلى موجد يوجده، والثاني باطل لأنه يستلزم أن يكون العالم موجودا قبل ان يوجد ليوجد نفسه، وهذا محال عقلاً، فلا يبقى إلا الاحتمال الأخير وهو ضرورة وجود خالق لهذا العالم. وهذه طريقة عقلية قرآنية سديدة ومحكمة.

تعليقات