الإلحاد.. بناء شُيّد من الماء

  • جداريات Ahmed
  • الأحد 20 أكتوبر 2019, 1:11 مساءً
  • 1116
شعار الإلحاد

شعار الإلحاد

 

قديما قالوا، التعلم في الصغر كنقش على الحجر، والتعلم في الكبر كنقش على الماء، أي أن التعلم في الكبر بلا جدوى، هكذا هو فكر الإلحاد ، أشبه بالموجة الضعيفة التي تأتي من حين لآخر دون أن تترك آثرا واضحا في الحياة، حتى الإلحاد الجديد والذي أطلقه الكاتب ثيو هوبسون  تحت عنوان New Atheism، هو مصطلح بدا في الظهور بشكل كبير بعد أحداث 11 سبتمبر والإنطلاق منها في موجة تجتاح العالم شعارها "شيطنة الأديان" ومنهجها هو "الدعوة للإلحاد" في مقابل خلع كل شرور العالم ووضعها في رقبة الدين "أي دين"، مما صنع لوناً جديداً من الإلحاد يخالف ما كان معروفاً من قبل منذ الثورة الفرنسية في أوروبا، وهذا ما كشف عنه موقع دلائل الذي يهدف في المقام الأول إلى فضح الملحدين الجدد ومزاعمهم الهشة التي لا تسمن ولا تغي من جوع ، كما قال الموقع أن هذه الموجة الجديدة ظهر لها قادة وفرسان أبرزهم  كريستوفر هيتشينز وسام هاريس ودانيل دانيت وريتشارد دوكينز ، فلنبدا بالأخير وهو ريتشارد دوكينز وهو في الأساس عالم حيوان تطوري كما يطلقون عليه فهو بخلافهم أصبح أشهر الملحدين الجدد وأشهر ممثل لهم كأيقونة (علمية) و (اجتماعية) أمام الناس في المقابلات والمناظرات والحوارات (ولذلك اختاره صاحب المقال في عنوانه).

و مع إصرار الملحدين الجدد على إثارة معارك وصراعات فكرية"جريئة" مع الأديان لا لغرض التعايش معاً (وهو ما لم يكن يحلم به الملحدون القدامى العدميون والوجوديون والعبثيون) وإنما لغرض (إقصاء) الأديان والمتدينين من الحياة بأسرها فإنه قد اضطرهم ذلك إلى الخوض في نقاشات جدالية ووحوارات ومناظرات تمس أعمق نقاط ضعفهم المادي والإلحادي وتكشفها في مقابل تفوق الأديان فيها (مثل مسألة انعدام المرجعية الأخلاقية أو الصواب والخطأ أو الجرائم الإنسانية أو الجبرية السلوكية أو الجرائم الأخلاقية في عرف أكثر الناس مثل الاغتصاب والخيانة الزوجية وزنا المحارم وجماع الحيوانات) وهو ما جعل من الواضح جداً السقوط الوشيك والانهيار السريع لموجة الملحدين الجدد من بعد ما كان يظن أكثر المخدوعين بهم أنهم وصلوا إلى القمة بسبب الزخم الإعلامي الذي أكسبهم وكتبهم المثيرة للجدل بقاءً أطول على الساحة والأخبار.

    وكثير نحن ما نجد اليوم من يميلون لتبني هذا الاتجاه نحو ما يسمى بالإلحاد الجديد والذي ينادي بالعودة للمسالمة ولو نسبياً مع الدين، وخصوصاً بعدما اتضح التهويل المتعمد والمبالغ فيه بعد أحداث 11 سبتمبر لشيطنة الأديان في صورة الإسلام. وهو ما صار دافعاً لرصد تداعيات هذا الفكر على المجتمعات بعد انتهاء وهم (البديل الإلحادي) للحياة والأخلاق والعيش.

وفي المجمل: يذكرنا هذا المقال بمقال آخر شهير  منذ سنوات للصحفي الأمريكي الشهير كريس هيدجز  رئيس مكتب جريدة نيويورك تايمز في الشرق الاوسط والبلقان سابقاً، والذي كان بعنوان: الإلحاد الخطير لكريستوفر هيتشنز وسام هاريس، والذي سلط الضوء فيه جمل كاملة من كلمات وكتابات أشهر الملحدين الجدد مبينا مدى التطرف الفكري الذي احتوته (وخصوصاً دعوة سام هاريس في كتابه "نهاية الإيمان" إلى قتل المسلمين)، حيث أظهر التناقض الصارخ عند الملحدين حيث تراهم ينتقدون التعصب الديني والفكر الإرهابي والقاتل والدموي لإقصاء المخالف في الفكر أو العقيدة، ثم تجدهم هم أنفسهم لا يبالون بفعل ما كانوا ينتقدونه إذا أتيجت لهم الفرصة لإبداء الرأي أو تخيل انتقال القوة والسيطرة إلى أيديهم.

فمثل هذه الآراء التي كشفت تناقضات ووحشية تفكير الملحدين الجدد؛ هي التي ساهمت في سرعة تداهيهم وسقوطهم بهذه الصورة في السنوات الأخيرة، حيث صار الكثيرون -كما قلنا- يتبنون فكرة مهاجمة وردع (المذهب الدوكينزي) إن صح التعبير، حيث لم يروا مجالاً في الإنسانية لتقبل مثل هذا (الإلحاد الشرس) بين جنباتها ليزيد صراعات العالم صراعاً لا قيمة فيه ولا مرجعية ولا غاية يمكن الوقوف عندها.

في النهاية أن ظاهرة الإلحاد الجديدة موجودة لوجود اضطرابات في العالم ، لاسيما في الوطن العربي ، ولأنها هشة بلا أساس ثابت وأنها شيدت من ماء أي ستسقط سريعا ، لأن الإيمان فطري ، من يخالف الفطرة فهناك شيء ما يقف وراء هذا التحول القصير ولكن سرعان ما سوف يسقط الإلحاد الجديد سقوطا مدويا لأنها بلا منهج علمي رغم تبني الملحدين مصطلحات كبيرة مرتبطة بالعلم تهدف في المقام الأول لزعزعة النزعة الإيمانية لدى الإنسان المؤمن ، ولكن إذا ما قرأ الإنسان المؤمن بشكل جيد فسوف يمتلك الأدوات التي بها يرد بقوة على كلام وحجج الملحدين الوهمية الهشة الضعيفة  

 

تعليقات