أمين "البحوث الإسلامية": تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
القرآن
رد الدكتور محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، على سؤال يثيره مروجي الشبهات، يقول: كيف يكون القرآن كلام الله ويحتوى على سب وشتم حينما يصف بعض الناس بالقردة والأنعام، وأن يسب أبو لهب بلفظة كتبت يدا أبو لهب؟
وجاء في الإجابة
نهى الإسلام نهى عن الاستهانة والسخرية من الناس بل نهى عن التنابز بالألقاب، أي ينادي
الرجل الرجل بلقبٍ لا يحبه، وهذا يتجلى في قول الله سبحانه وتعالى عن ذلك: ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا
خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا
مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ
الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ ). (الحجرات/ ١١ ).
كما بين الله
سبحانه وتعالى في كتابه أن من صفات المجرمين الضحك والسخرية والغمز واللمز
بالمؤمنين فقال سبحانه: ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ
آمَنُوا يَضْحَكُونَ ). ( المطففين / ٢٩ ).
بل ونهى الله
سبحانه وتعالى على أن يسب المسلم المشرك أو آلهته رغم أن الشرك ضلال وكفر لكن مع
ذلك نهى الإسلام عنه قال سبحانه : ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا
لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ). ( الأنعام / ١٠٨ ).
بل قبل للنبي
صلى الله عليه وسلم أن يدعوا على المشركين فأبى رسول الله ذلك وقال: "إني لم
أُبعث لعاناً وإنما بُعثتُ رحمة ". نجد من خلال هذا الحديث العظيم أن النبي
أبى أن يدعوا على الكافرين أو يلعنهم فهو لم يأتِ بذلك بل جاء لدعوتهم راجياً أن
يرحمهم الله بهداهم، وغيرها من الآيات والأحاديث الجلية التي نهت عن
السب والشتم واللعن للمسلم أو للكافر.
وبين محمد سيد
صالح، أن الله أمر رسوله أن يدعوا الخلق
جميعاً إليه بالحكمة و الموعظة والحسنة، وإن اصابه آذى منهم أن يرد الأذى بنفس
القدر دون زيادة عنه، ثم حثه تعالى على أن الصبر عليهم افضل وأتقى وهذا يتجلى في
قول الله تعالى: ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ
لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) ).(سورة النحل / ١٢٥ :
١٢٨ ).
وحين سُئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم هل أتى عليه يوم كان أشد عليه من يوم أُحد ؟ قال: لقَدْ
لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ
العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ
يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ
أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا
بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ:
إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ
إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ
فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ
شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ
وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا.
وهذا الحديث
يبين شيئاً مما ابتلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أوذى وابتلى في سبيل
هذا الدين أشد ابتلاء، فقد رمي بالحجارة حتى دميت قدماه، وشج رأسه، ومع ذلك صبر
وأشفق على من آذوه وعفا عنهم وكان قادراً على أخذ حقه لكنه كما قال تعالى عنه: (
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). ( الأنبياء/ ١٠٧ ).
وبين أن الشاهد
من النقطتين السابقتين أنه يستحيل هذا الدين الذي يحمل هذا الخُلق ويدعوا إليه
ويحث الناس على مكارم الأخلاق وينهى عن السب والشتم والسخرية أن يحمل بين طياته
سباً أو شتماً.
إنما ما جاء في بعض
الألفاظ كقول الله تعالى : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ
يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ). (
الفرقان / ٤٤ ). وقوله : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي
السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ). ( البقرة / ٦٤ ). وغير
ذلك فما هو إلا بيان واقع.
فالسب وبيان
الواقع ليسا شيئاً واحداً، وعلى الإنسان أن يفرق بينهما. فبيان الواقع يكون في
محله تماماً رغم أنه يحمل شيئاً من المرارة لكن يستلزم من وراءه إرشاد وبيان حق
ليعرف الإنسان الجاهل أو المغيب موضعه. أما السب والشتم هو ما كان خلافاً للواقع
وقد قيل كذباً بقصد الإيذاء المحض.
بمعنى أوضح أن
الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وميزه عن سائر خلقه بقوة العقل والإدراك فعلى
الإنسان أن يستغل تلك القوة والميزة ليفهم بطريقة صحيحة لأنه لو عطلها وتخلى عنها
فما الذي يميزه عن الكائنات الأخرى من الأنعام أو القردة أو الحمير؟! فكان لابد من
هذا الإيضاح والتنبية حتى لا ينخدع الإنسان وينساق وراء جهله. فالتشبيه هنا ليس
تشبيهاً ذاتياً أى أن الإنسان مثله مثل القرد او الأنعام في الهيئة إنما تشبيه
موضوعي يدل على أن الإنسان الذى كرمه الله وفضله عن سائر المخلوقات بالعقل عطل
عقله وترك استخدامه فأصبح فى هذه الجزئية لا يختلف عن الطريقة التي يعيش بها
الأنعام من حيث الوعي والإدراك، كمن يقول لك أن النتيجة لمجموع العددين ١+١ = ٥
ويخطئ في بديهيات رغم أنك أرشدته للصواب وفهمته وأعطيته البراهين على خطأ هذه
النتيجة فإن لم تخبره بحقيقة أمره وأنه لم يستخدم عقله ولم يفهم بالطريقة الصحيحة
التي يجب عليه أن يفهم بها، سيبقى منخدعاً هكذا سعيداً بما عليه من ضلال، لكن لو
أوضحت له طبيعة أمره حتى وإن كانت هذه الحقيقة مُرة فلعله بذلك يعيد النظر أو
ينتبه غيره من الوقوع في ما وقع فيه.
وأما عن قول
الله تعالى: ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ). ( المسد / ١ ).،
فإن هذه السورة
نـزلت في أبي لهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خص بالدعوة عشيرته، إذ نـزل
عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وجمعهم للدعاء, قال له أبو لهب: تبا
لك سائر اليوم, ألهذا دعوتنا ؟ فتكفل الله سبحانه وتعالى بالدفاع عن رسوله فأخبر
أبو لهب أن من تبت يداه حقاً هو أنت وليس رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما أن هذه
الكلمة ليس فيها مسبة أو شتم، إنما هي تقرير ووعيد من الله سبحانه وتعالى لأبو لهب
بالخسران والهلاك بل وفيها أيضاً دلالة على صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
حيث وعد الله أبو لهب بالهلاك والخلود في النار في قوله: ( سيصلى ناراً ذات لهب )
أي سيحيط أبو لهب بنارٍ من كل جانب ومع إخبار الله سبحانه وتعالى عم النبي أبو لهب
بهذا المصير إلا أنه لم يخطر بباله أن يكذب رسول الله بأن ينطق الشهادة ويدخل
الإسلام ولو نفاقاً ليكذب ما جاء به رسول الله أمام الناس وقد عاش فترة من الزمن
بعد نزول هذه الآية.
واختتم بالقول: خلاصة الأمر أن الإسلام لم يأمرنا إلا بالقول الحسن قال تعالى: ( وقولوا للناس حسنا ). ( البقرة / ٨٣ )، وأمرنا بالقول الحسن لكل الناس مسلمين كانوا أو غير ذلك، ونهينا عن السب واللعن والشتم والسخرية والغمز واللمز، وأن ما جاء فى القرآن من بعض التشبيهات إنما هي تشبيهات موضوعية ليست ذاتية يقصد بها التنبيه والإرشاد والإقرار بواقع يعيشه بعض المغيبون.