باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
رد الدكتور عبد
الله محمد، الباحث في ملف الإلحاد، على سؤال يثيره بعض الملاحدة، يقول: لماذا يطلب
الله من البشر عبادته وهو غني عن العبادة؟
وبين في مقال نشره عبر حسابه الرسمي على فيس بوك، أن هذا السؤال من أكثر الأسئلة شهرة لدى
الملاحدة "ولكن حين تدقق النظر فيه تجده سؤالا غريباً من ملحد ينكر وجود الله
أصلاً، ألا يعرف الملحد أن بسؤاله هذا يعترف ضمنياً بوجود الله، لأن هذا السؤال لا
يتناول حقيقة وجود الله ولكن يتناول صفة من صفات الله"!.
وذكر أن السؤال إذ
طرحه مؤمن فيكفيه أنه يعلم أن الخالق عز وجل حكيم وكل أفعاله يفعلها بحكمة سواء أعلمنا
تلك الحكمة أم لم نعلمها.
وأوضح عبد الله محمد
فساد هذا السؤال من عدة أوجه، كما يلي:
1 ـ مغالطة أنسنة الإله.
السؤال عن
الحكمة من طلب الله للعبادة بالرغم أنه عز وجل لا يحتاج إليها هو سؤال قائم على
مغالطة منطقية تسمى أنسنة الإله حيث يريد أن يسيّر على الإله ما يسير على البشر من
طباع وأحاسيس، فعند البشر حين يطلب أحدهم شيئا لا يطلبه إلا لسد حاجة أو نقص وهذا
خطأ فادح فنفس الانسان تختلف تماما عن نفس الله ؛فنفس الله غائبة عنا فكيف يجرؤ
الواحد منهم على ان يتخيل ويحلل نفسا لا يعلم عنها شيئاً ولم يرى مثيلاً لها من
قبل ، وهذا بلا شك ما كان منتشرا في العقائد الوثنية في العصور القديمة فقد كان
الواحد منهم يجعل من إلهه رجل اشقر له عينان لونهما ازرق!!
وتابع: حتى لو
تغاضينا عن هذه المغالطة فإن الواقع البشري يخبرنا أن طلب الإنسان لشيء لا يعني
حاجته إليه.
وذرب على ذلك
مثالين، الأول: الطبيب حين يطلب من المريض ان يفتح فمه ليأخذ الدواء لا يحتاج لذلك
ولكنه يفعل ذلك من أجل مصلحة المريض فقط.
الثاني: ذلك
الرجل الذي كان على الشاطئ مع اسرته يجيد السباحة ووجد طفلا يغرق في البحر فقام
مسرعاً ونزل الى البحر وانقذ الطفل وقامت امرأته بالصراخ ليسارع الناس لإنقاذ
الطفل مع زوجها؛ هذا الرجل وزوجته طلبا إنقاذ الطفل على الرغم انه ليس ابنهم ولا
مصلحة لهم في انقاذه إلا إنهم انقذوه من أجل مصلحة الطفل نفسه
ج. حين تطلب من
الفقير ان يفتح يده لتعطيه مالاً فطلبك هذا لا يعود عليك بنفع وانما فعلت ذلك
لمصلحة هذا الفقير.
وأردف: وتكفينا
هذه الامثلة لنثبت انه حتى في حياة البشر الطلب لا يعني الحاجة لسد نقص فمالكم وان
نفينا عن الخالق مغالطة الانسنة أصلاً.
٢. العبادة من أجل مصلحة الإنسان:
إن العبادة لها
أثر كبير جدا على الفرد والمجتمع فالله عز وجل طلب من البشر عبادته من اجل مصلحتهم
على مستوى الفرد والمجتمع، فعلي مستوى الفرد ينال الانسان من الراحة النفسية ما لم
ينله في أي شيء آخر فأنت حين تعبد الله تتضرع إليه وتشكو إليه آلامك واحزانك
فيخففها ويزيلها عنك ، وتخبره بأفراحك فيزيدك منها ويبارك فيها ، تتخلص من هموم
الحياة في صلتك بربك وخالقك ، تذكر ربك فيطمئن قلبك وهذا ما تناله في الدنيا ،
واما في الآخرة فإنك تنال نعيما ابدا فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر ، فمن هذا المغفل الذي يغفل عن هذا الحصاد العظيم من وراء العبادة بل وحتى
يغضب لان الله وهبه وامره بذلك لينال هذا كله .
أما ما يتحصل
للمجتمع من الالتزام بالعبادة فهو أعظم وأجل ؛ فالعدل والصدق وبر الوالدين
والأمانة والحفاظ على النفس البشرية من القتل و العطف على الفقير وكفالة اليتيم وحسن
المعاملة وحب الخير للغير وتعمير الكون والدفاع عن الضعيف والدفاع عن الوطن والأهل
وإزالة الأذى من الطريق وصلة الأرحام وغير ذلك من الخير والإحسان مما نحتاج إليه
في مجتمعنا يقع ضمن العبادة التي أمرنا الله بها والتي بها ينصلح حالنا في الدنيا
وننال النعيم في الآخرة، فيقول ابن تيمية رحمه الله : "العبادة: هي اسم جامع
لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة،
والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء
بالعهود، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان
للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء
والذكر والقراءة، وأمثال ذلك: من العبادة وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله
والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه،
والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة
لله" فعلام الاعتراض إذاً إلا اذا كنا نكره الخير ونريد انتشار الفساد في
المجتمع دون رادع
!!
٣. المطالبة بالحقوق لا تعني الحاجة إليها :
لو أن هناك
رجلاً غنياً يملك مالاً وفيراً وله أخوة فقراء ومات أبوهم فكلهم سيرثون اموال
ابيهم بما فيهم الرجل الغني فهذا حقه على الرغم انه لا يحتاج تلك الأموال ، فهل
يستطيع أحد ان ينكر عليه مطالبته بحقه على الرغم من عدم حاجته إليه ، بل وهل
يستطيع احد ان ينكر عليه مطالبته بسجن ومعاقبة إخوته أشد العقاب لكونهم اخذوا
امواله بحجة انه لا يحتاج إليها ؟! ، قطعا من حقه المطالبة بالاموال والمطالبة
بمعاقبتهم ، فعدم احتياجه للمال لا يسقط
حقه في اخذه ومعاقبة من يمنع المال عنه.
٤. الله عز وجل مستحق للعبادة:
إن الله عز وجل
مستحق للعبادة فهو المنعم علينا بنعمه التي لا تعد ولا تحصى فمن ذا الذي يستطيع ان
يعيش بدون بصره او سمعه او خلل في جسده ، فهو الذي سخر لنا الماء لنشربه والهواء
لنتنفسه والشمس لنفع الارض والنبات والجسم ، هو الذي اعطانا العقل الذي توصلنا به
إلى جميع العلوم وجميع المعارف فهو مستحق للشكر والتضرع والتذلل اليه وطاعة أمره واجتناب
نواهيه فذاك حق المنعِم على المنعَم عليه
٥. الله عز وجل غني عن العبادة:
إن الله عز وجل
غني عن العبادة غير محتاج إليها فهي لا تزيد من ملكه ولا تنقص منه شيئاً فهي من أجل
الإنسان ومصلحته ، فيقول الله تعالى ( إِن تَكْفُرُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ وَإِن
تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، ويقول تعالى أيضاً ( وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ
وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ )، ويقول تعالى أيضاً ( إِنْ أَحْسَنتُمْ
أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ )، ويقول تعالى أيضاً ( وَقَالَ مُوسَىٰ
إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ
حَمِيدٌ )
وضرب مثالا واحدا من السنة (يا عبادي إنَّكم لن
تبلُغوا ضُرِّي فتضرُّوني ولن تبلُغوا نَفعي فتنفَعوني يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم
وآخرَكم وإنسَكُم وجنَّكُم كانوا على أفجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منْكم ما نقصَ ذلِكَ
مِن مُلْكي شيئًا يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على
أتقَى قلبِ رجلٍ واحدٍ ما زادَ ذلِكَ في مُلْكي شيئًا) رواه مسلم.
٦. غِنى الله عز وجل عن العبادة لا يمنع
من مطالبته بحق له على مخلوقاته ومعاقبة من يقصر في أداء حقه :
فذلك شيء يعود
إلى إرادة الله عز وجل في أن يطالبنا بحق له علينا بل ويعاقبنا إذا لم نؤده وقد
اثبتنا عقلا وواقعا بإمكان ذلك -ولله المثل الأعلى- كما في مثال الغني الذي له حق
في ورث أبيه، فلا يوجد مانع عقلا من حب الله عز وجل للعبادة وطلبها منا بالرغم من
غناه عنها ولا يوجد إلزام عقلي بكرهه عز وجل والاعراض عن طلب العبادة من البشر .
فمن يملك ذرة
عقلٍ لا يجد إشكالاً في مطالبة الله عز وجل بحق من حقوقه ومعاقبة من يقصر في اداء
هذا الحق على الرغم انه غير محتاج له.
واختتم الباحث
في ملف الإلحاد، مؤكدًا أن طلب الله عز وجل للعبادة لا يعني أنه يحتاج إليها فليس
كل طلب يدل على الحاجة ، فالطبيب يطلب من المريض ان يفتح فمه لمصلحة المريض وليس
الطبيب وهذا التصور قائم على مغالطة أنسنة الإله.
وشدد على أن العبادة تعود أولا وأخيرا بالنفع على الإنسان ومجتمعه، كما أنها حق لله على مخلوقاته والله عز وجل غني عنها وغناه لا يمنعه من المطالبة بها وعقاب من يقصر في أداء حق له.