اليوم العالمي لذوي الهمم.. 7 علماء مسلمين تحدوا الإعاقة (إنفوجراف)
- الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
كانت الليلة دافئة، كأن خارج القاعة صقيع يتداعى، وتدفعه "نقوش على حجر" الإذاعي الملهم الأستاذ رضا عبد السلام .
هناك، داخل قاعة
ملتقى السرد العربي الذي يرأسه الناقد البارز د.حسام عقل، استخرج الأستاذ حجره
الكريم من أعماق بحر الرحلة الهادر، وعرج بنا في سباحة روحية إلى نقوشه الإنسانية
الفريدة، ولم يكن ثمة موج إلا وهذبته المعاني النبيلة .
بما تفسحه أسئلة
الأستاذة عزة عز الدين - مديرة الحوار-، ينطلق الكاتب منفوح الحرف، ويسرد لا تحده
ضفاف، التجربة كانت شاقة، والإرادة يمنحها الله للإنسان، يشغلها، أو يعطلها.
ويتذكر- صاحب
الكتاب الذي يقع في ٤٧٦ صفحة، ويقسم إلى ثلاثة أجزاء- سنوات الميلاد، وصناعة
الأمل، متنقلًا في دروب الرحلة بين البيت، والشارع، والمسجد عظيم الأثر، نشوة من
نفحة علوية تمسك كلما أصغيت، وزهوة تليق بمقام النموذج ثلاثي الإبداع "
طالبًا، مذيعًا، وكاتبًا".
يغالبه شجن شفيف
كلما مر على أثر والده في التجربة، وتلمع عينه، وهو يستحضر من ذاكرة طبعت فيها
تفاصيل الحكاية مشهد الميلاد، ويخلع عناء رداء الرتابة، ويضعنا في مهب عبارته
الثقيلة: صرخت أمي لما رأتني، ونزلتُ كصاعقة، لكن أبي حملني بين يديه، سمى، وكبر،
وأردف هذا بركعتين، شكرًا لله.
وأتذكر معه، وفي
خلفيتي بيت هادئ، ووالد ليس كمثله أب، ومسجد الهندي بمسقط رأسي أطفيح، وهو يحكي
يتهادى أمامي مشهدًا بانوراميًا، واستعذب مشاعر الكاتب الكبير وهي تراوح بين
الأسى، والامتنان، وألمس عن قرب نفسًا ثائرة، هادرة بفيوضات كل لحظة من رحلة
التدبر، والتنكر.
بناصية الكتاب،
وعقولنا، يمسك الناقد حسام عقل، ويصحبنا مترجلًا كمرشد تاريخي داخل أثر عتيق، له
رائحة يستعصي فهمها على الماديين، الطاعنيين في السفاهة، ويقترب، فنضطرب: إنه كتب
كتابه هذا وقلمه بين فكيه، ولم يغادر تفصيلة إلا أحصاها، لذلك فالأمر لم يعد
"سيرة ذاتية"، وفقط، بل هي لوحة فنية رسمت بعناية، وتبشر عما قريب بعمل
إبداعي "رواية، أو قصة قصيرة".
من قبله أطلعنا
الإذاعي الملهم على قصة الكتاب، إنها كانت رغبة صديقه الصادق د. شريف عمرو- صاحب
المقدمة-، وبإلحاحه سرى قلق المبدعين الفطري في خاطره، لدرجة أنه فكر عدة مرات قبل
أن يمسك قلمه، ويواجه صفحة بيضاء، وقرأ عشرات السير الذاتية خشية أن يتورط في
تجربة مواجهة جمهوره عبر صفحات مكتوبة.
وتمر من ثنايا
التفاصيل قصة "الأستاذة فادية"- معلمته التي روضت قسوة الأنفس المعاندة،
ونظرات الأعين الحاقدة، وآوته إلى إنسانيتها لا تفرق بينه، وبين أقرانه، وتغرس
بيدين عطوفتين بذرة الطموح، والمحاولة، دون أثر لنظرة شفقة، أو تدليل يفسد الغراس .
من هنا إلى
والدته الرؤوم، حنانها المعلم، وقلبها السمح الذي يغفر مساءً خطايا المجتمع
المتربص نهارًا، وأشقائه، وهم ينثرون الأخوة في فناء الدار حبًا، وحُبًا، إلى زوجة
ساقتها أقدار الله لقلب صفي، تجبر كسره، وتشد في الليلة العجفاء أزره..
يالها من رحلة
في سطور، يتفيأ القارئ ظلالها، ويمسه لظاها، كلما قلب صفحات الكتاب، ومن وقع حديثه
يجرفني تيار الصدق الخالص إلى بداية شغفي بالكتابة، فأنا القادم من خلفية ريفية
موازية لم أرد من الصحافة إلا لقاء أمثاله، أصحاب الإرادة الحقيقية الجامعة بين
الصبر، والخير، والجمال في مواجهة قبح الاستعجال، والحقد، والقبح .
ومن خلف الصفوف
ينطلق د. حسام موافي إلى منصة يزينها الكاتب الوقور، ويسكب شهادته عطرًا يفوح في
الأجواء: عندما اتصل بي لتحديد مقابلة في برنامجه "سيرة ومسيرة"، قلت:
أنا أعرفك، رضا عبدالسلام بتاع إذاعة القرآن، غير أنه بدخوله علي رأيت آيةً من
آيات الله، معجزة حقيقية، وتساءلت: كيف أعد كل هذه البرامج، واستبق باب التميز في
الإذاعة العريقة؟..
واستطرد، بما
يليق بمقام المناقشة الثرية: إن الذي بلا تجربة في رحلته، من جاءته الدنيا سهلة،
ولم يجتهد، ويعاني، لا قيمة له"..
وانفجرت اثنتى
عشرة عينًا من المحبة، أو يزيد داخل القاعة، أصدقاء، ومحبون، يكشفون الغطاء عن
كواليس الرحلة، ويتذكرون مآثرها، ويجاهرون بالحب النقي، وهو في وقاره، يبتسم،
ويشرد أمام ذكريات تمر كشريط متحرك أمام عينيه.
وقلت: إن الله
اختار لهذا الملهم مواقيته، فلكل خطوة ميقات معلوم، لا يخطئ استعداده، وجاهزيته.. وهذا
بجانب الشجن المتجذر في الطريق أفضل العطايا ..