ماذا لو خسرت كل ذرات ومواد هذا الكون شحناتها الكهربائية ؟!
- الأربعاء 20 نوفمبر 2024
تجمعت في هذه القصة جميع عناصر نجاحها، فعدد شخصياتها محدود وهو الزوج والزوجة، والزمن محدود جدا كذلك واستعان الكاتب بخاصية الفلاش باك من أجل استكمال الأحداث. كذلك من حيث وحدة الموضوع؛ نرى أن الأديب الأستاذ عمرو أنور تطرق في قصته هذه إلى فن التعامل مع المرأة فعرض لسيكلوجيتها والتغيرات الطارئة التي تعرض عليها، وأنه من الصعوبة بمكان أن يغوص الرجل إلى دواخل المرأة ويتعرف على مكنوناتها؛ وذلك لأن المرأة أحيانا لا تعرف ماذا تريد، بل قد تكون مذبذبة بين أمرين متناقضين عليها أن تحسم رأيها لصالح أحدهما، تريد الشيء ونقيضه في نفس الوقت؛ ربما بسبب ما يعتريها من تغيرات هورمونية تؤثر على مزاجها وحالتها النفسية وجسدها أيضا.
على سبيل المثال
نراها تريد حريتها وتريد الزواج أو الارتباط برجل يحبها في نفس الوقت، تكره خصال
عنيدة في الرجل كالبخل مثلا وتستمر في حياتها معه رغم عدم إنفاقه عليها وعلى
أبنائها بحجة ضل راجل ولا ضل حيطة في نفس الوقت، تكره الرجل الخائن وتكره أنفاسه
ورائحة عرقه ولا يهنأ لها نوم إلا بحضنه في نفس الوقت.
وفي قصتنا هذه
يعرض الكاتب بُعدا آخر يضيف زهوا إلى بطلة قصته، تقول وهي تعرفنا بنفسها أن لها
وجه مستدير وعينان واسعتان بلون موج البحر، أهداب متوسطة الطول، ثغر صغير، شفاه
لمياء ووجنتان ممتلئتان، قد متناسق وقوام ممشوق، جسد لحيم في غير اكتناز ونهود
نافرة في غير امتلاء.
وحين تسرف
المرأة في وصف جمالها يدلل هذا على ثقة عالية بالنفس، لا تجعلها تتغاضى أو تتحمل
عيوب الرجل، بل تشعر بتهافت الرجال عليها وتأثيرها الطاغي، وقد سردت أنهم يلقبونها
بالفاتنة الساحرة الجميلة، جل هذه الثقة التي امتلأت بها جعلتها تخلع خاتم الزواج
من إصبعها دون أي تردد في سرعة حصولها على البديل الأفضل في غضون أيام، وأنه هو
الخاسر لهذا الصاروخ الأنثوي الذي يسير على قدمين وسط البشر، وتدعمها وتقويها على
هذا الوضع والدتها.
وهنا يبدأ
الكاتب في عرض نقطتين مهمتين، هما:
الأولى: النزعة
الانتقامية من هذا الرجل الذي منحها حريتها بسهولة دون أن يتحايل عليها أو يتذلل
لها بأن تُبقي عليه في جنتها. ليس في صورته بل في صورة كل رجل تقابله. لقد شعرت
حين قرع الباب هذا الأمين ذو الحلة السوداء والكاب الأسود ليسلمها ورقة طلاقها
أنها صفعة على صفحة جمالها.
هذا الرجل الذي
وصفته بأنه وسيم، يعمل في وظيفة مرموقة، ينتظره مستقبل باسم . فقط لم تستطع هي أن
تتحمل نواهيه وأوامر، فقط كان عليها أن تتجنب ما يغضبه، لكنها استكبرت وشعرت أن
هذا يقلل من شأنها.
ويمر بها العمر
وهي ترفض أي عرض زواجي بعد أن تتحدث مع صاحب العرض وتخرج معه وتكون حريصة كل الحرص
أن يتعلق بها، ثم تلقي به بعيدا على سبيل الانتقام، الذي لم تستطع تنفيذه مع
خطيبها الذي تزوج بأخرى وهاجر الى الخارج ليعيش مع من اختارها قلبه وتقدره بسلام.
الثانية: هي
أوضاع الرجال في مجتمعنا الشرقي من طالبي المتعة الرخيصة والذين يلتفون كالذباب
حول المطلقات والأرامل.
رصد الكاتب
مراحل تطور المرأة العمرية وكيف يتدرج جمالها في الهبوط، بدءا ببداية ظهور التجاعيد
أسفل العينين ثم على جانبي الشفاة، ومحاولتها الجاهدة في إخفائها بمساحيق التجميل،
وكيف نجحت في ذلك في المراحل المبكرة منها، بينما باءت بالفشل في المراحل
المتقدمة، فقلت فرص زواجها من الحمائم كما وصفتهم، بينما بقى الصقور المحلقون
حولها.
وهنا تدخل
البطلة في مرحلة سن اليأس، وخضوع المرأة لأسوأ حالة نفسية ومزاجية تتعرض لها خلال
حياتها بأسرها، ونجدها تتهم الرجل بأنه هو من أطلق تلك المسميات على المرأة، بينما
هو في الواقع لفظ قرآني " واللائي يئسن من المحيض" فالله سبحانه وتعالى
يقصد به أن هذا العمر يتوقف فيه الحيض لدى المرأة وبالتالي تتوقف عن الانجاب، وهذا
ليس عيبا بل هو استراحة لها من آلام تلحق بها وأعباء تلقى على كاهلها، وتعطيها
الفرصة كي تتفرغ للعبادة وأنشطتها الأخرى.
أيضا نجد هنا
البطلة تشعر بحساسية شديدة تجاه بشرتها والدهون التي تراكمت في مواطن مختلفة من
جسدها، فتبدأ تشعر بالندم وأنها ربما تكون تسرعت في طلبها للطلاق.
وتنتهي بنا
القصة نهاية مباغتة وهي أنها كانت تتخيل ماذا كان سيحدث لها إن أصرت على خلع خاتم
الزواج، لينقلنا الكاتب نقلة أخرى وهي موقف الزوجة من الخيانة الزوجية، وشأن كشأن
أي أنثى تقول المثل الذي يتردد في مثل هذه الحالات وهو جنازته ولا جوازته ، لما
يصيب هذا الوضع أنوثتها في مقتل ، فهو يشعرها بأنها غير كافية بالنسبة له ، ولا
تملأ عينيه، فتشعر بزعزعة الثقة وتكون هذه بداية النهاية.
العمر في لحظة
..! (قصة قصيرة)
بقلم / عمرو
أنور
من يدعي منكم يا
معشر الرجال أنه يعرف جيدا حقيقتنا نحن بنات حواء .. أو حقيقة ما نفكر فيه .. أو
حتى ما نسعى إليه فهو واهم .. واهم لاشك في هذا !
خُلقنا من ضلع
أعوج .. إن حاول أحدكم تقويم هذا الاعوجاج انكسر .. طبيعتنا وأهدافنا تتغير بتغير
دوافعنا وبواعثنا وما نتطلع إليه بعد حين !
"فادية فهمي" هذا اسمي ..
"جميلة" هذا وصفي في عجالة .. "فاتنة" هذا وصفي بعد تأملي
للحظة .. "ساحرة" هذا وصفي بعد أن أتهادي في خطوي مقبلة أو مدبرة .
هذه الأوصاف
وغيرها الكثير لم أطلقها أنا علي ذاتي .. بل أطلقها عليَّ كل من رآني .. ولم تكن
له عندي حاجة كنزوة أو ما يشابهها .. أطلقها عليَّ أيضا من كانت له عندي حاجة
فالكل في وصفي بهذه الكلمات سواء ..! أتيه
إعجابا بنفسي في اللحظة التي يرميني بها أحد الرجال بنظرة في غفلة من إدراكه ويحول
ناظريه عني ثم يستفيق ويعيد ويطيل النظر إلي وجهي وجسدي إلي أن أغيب عن ناظريه ..
وهناك من يقف علي الطوار ويرميني بنظرات إعجاب وأنا أهبط من سيارتي وبمجرد أن
تتدلي احدي قدمي وينحسر فستاني إلي ما فوق ركبتي ويري اللحم الأبيض مكتنز حتى يقف
مشدوها وتتحول نظرات إعجابه البريئة إلي نظرات شهوانية يكاد لظاها يحرق محجريه ..
ودوري أنا هنا أن أدعي الغضب وأنفث الهواء في دفقات متتابعة مدعية التأفف ولكن
بداخلي أدركت منذ حداثة سني مبلغ قوتي ! فسعادتي لا تنتهي كلما كثُر عدد المعجبين
والمحبين وطارحوا الغرام .. وعليَّ أنا أن أشير بسبابتي إلي من سأطارحه الغرام
فأدفعه قدما للأمام بكل الوسائل لئلا يتراجع ..
شارفت الآن علي
الستين عاما دون أن أتزوج .. لا .. بما
أنني أقسمت أن أواجه نفسي بالحقيقة فسأمحو كلمة ـ لا ـ من قصتي .. تزوجت بعدما
أنهيت دراستي الجامعية .. وبعد عام بالتمام والكمال من عقد القران وقبل الزفاف
بشهر طُلقت منه بناءا علي رغبتي في لحظة فقدت فيها السيطرة علي عقالي ..! شاب وسيم يعمل في وظيفة مرموقة .. ينتظره
مستقبل باسم .. لكنه مازال في بداية مشواره وأنا في عجلة من أمري .. لم أستطع أن
أتحمل نواهيه وأوامره أو أراعي ما يغضبه فكانت النهاية الحتمية لعلاقتنا هي الطلاق
.. وما سارع بوتيرة الأحداث وهون علي نفسي كلمة الطلاق هو ما قيل في وصفه ..
الطلاق قبل الزفاف أهون من الطلاق بعده .. وأهون بعده وأخف وطأة من الطلاق في ظل وجود أطفال .. لذا كان قرار
الطلاق هو قراري الذي لا رجعة فيه .. وما هون عليَّ الأمر هو أنني كنت أعرف أنني
جميلة ومرغوبة .. لم يكن يساورني أدني شك في أن النهاية ستكون غير سعيدة !
سأبدأ أولا بوصف
نفسي ـ ربما ـ أستطيع أن أقترب بصورتي ـ الجميلة ـ أكثر فأكثر من خيالك؛ وجه مستدير وعينان واسعتان بلون موج البحر ..
أهداب متوسطة الطول .. ثغر صغير .. شفاه لمياء ووجنتان ممتلئتان .. قد متناسق
وقوام ممشوق .. جسد لحيم في غير اكتناز ونهود نافرة في غير امتلاء ..
انتهي كل شيء في
لحظة واحدة اعتبرها البعض لحظة جنونية أُبتليت بها ولم أستطع السيطرة علي
نفسي حينما قررت أن أخرج من إصبعي خاتم
الزواج الذي كان يزينه .. وأنا أنظر في عينيه المشدوهتين .. ثم وضعته علي المنضدة
التي تفصل بيننا .. ثم إنتصبت بعصبية في مكاني وقلت بحدة : لن يكتمل زواجنا .. لقد
حزمت أمرى ولا سبيل أمامنا إلا الطلاق .. وبنبرة حادة ممزوجة بتحذير طرقت علي
المنضدة براحة يدي وقلت : أرسل إليَّ ورقة الطلاق .. !
والحق أقول ..
عندما أتعرض لوصف اللحظة التي تمسكت فيها بالطلاق بموضوعية خالية من الكبر والغرور
أقول أنني لم أكن مُحقة فيما فعلت .. ربما كانت هذه مجرد لحظة تخلي فيها عقلي عني
وجنحت شخصيتي إلي التهور .. وربما كنت في
تلك اللحظة أرتدي عباءة الدلال التي ترتديها الفتيات وما دفعني لاتخاذ هذا القرار
أنني كنت علي ثقة ـ في غير محلها ـ أنه سيأتيني صاغرا فقد شغف بي حبا .. وربما
كانت لحظة حنق وحمق .. ولكن أيا كان وصف هذه اللحظة .. فقد اتخذت هذه الخطوة بكامل
إرادتي. تدخل الكثيرون لمحاولة إثنائي عن قراري ولكن كانت ثقتي في جمالي أكبر
كثيرا من أن أتراجع .. فكنت أقول كلما زادت ضغوط أمي عليَّ للتراجع عن قرارى : لا
شك في أن الأيام ستأتيني به مستسلما .. ولكن أتتني اللطمة من حيث لا أدري ولا
أحتسب
..!
رن جرس الباب
عاليا بنغمة زقزقة العصافير المبهجة .. أسرعت وفتحته علي مصراعيه .. وجدته يقف
أمامي بملابسه السوداء وكابه الأسود يزينه النسر وشاربه الكث وبيده كناشة من
الأوراق وقلم وسأل : الأنسة "فادية فهمي" ؟
ـ نعم أنا
ـ مد يده بالقلم
وقال : أرجو التوقيع هنا بالاستلام !
بأنامل ثابتة وعناد حديدي ونظرة ثاقبة التقطت القلم ووقعت .. لم أذكر
أنني ذرفت دمعة واحدة من عيناي وأنا أتسلم ورقة الطلاق .. لقد امتلأت نفسي حقدا
وكرها له .. قررت الانتقام ليس منه فقط بل من جميع الرجال .. سوف أوغويهم بكل
الوسائل المتاحة لدي .. وأنا أعلم أني أمتلك منها الكثير والكثير !
بعد الطلاق
بأسابيع التحقت بإحدى الوظائف ذائعة الصيت .. فزادتني غرورا علي غرور .. وضاعفت من
يقيني أنكم ـ يا معشر الرجال ـ ستأتون علي أربع تترى وجماعات لتنالوا الحظوة عندي !
ها أنا علي
مشارف الثلاثين عاما ..
مازلت عند الوعد
الذي أخذته علي نفسي عندما وقعت علي ورقة طلاقي ممن أحببته .. أن أنتقم منكم جميعا
.. لأني لم أستطع أن أنتقم منه هو ! فقد تزوج غيري أقل مني جمالا وفتنة وهاجرا إلي
كندا فقد كان تخصص دراسته مطلوبا هناك وأحسبهما سعيدين
أما أنا فلست
تعيسة لأن حولي الكثيرون منكم يتطلعون لنظرة مني وأنا حائرة .. أعود فأتدلل علي
هذا وعلي هذا وعلي هذا .. أعيب علي هذا هندامه وعدم تناسق ألوان ملابسه .. وعلي
هذا لكنته التي تميل إلي الريفية.. وعلي هذا لأنه قصير القامة .. وعلي هذا لأنه
فارع الطول .. وهذا بدين .. وهذا نحيف أعجف وهذا .. وهذا..
تزوج هو من
واحدة .. أما أنا الآن فيحوم حولي الكثير منكم .. ينتظرون إماءة من رأسي أو
ابتسامة ليتقدموا معلنين عن رغبتهم في إرضائي وأنا مازلت عند وعدي لنفسي بالانتقام
من كل ما هو خشن .. وأنتم يا معشر الرجال علي رأس قائمة الانتقام ..! أمنح الواحد
منكم ابتسامة ثم يأتي اللقاء .. ثم تتعدد اللقاءات .. ألحظ تعلقه بي .. أزيده
رحيقا علي رحيق من لمسة يد حانية أتعمد أن تبدو له عفوية أو قبلة يحملها الأثير
وأحيانا تحملها الشهوة علي بساط الريح !
تجاوزت الخامسة
والثلاثين وأنا مازلت في قمة جمالي إلا من بعض التجاعيد الرقيقة أسفل عيني ..
أُفلح في الكثير من الأحايين في إخفائها بالمساحيق ..
تجاوزني الكثير
من طالبي الزواج والاستقرار .. تبقي لدي القليل منهم أما طالبي المتعة اللحظية
والجسدية فهم كثر .. لقد تغيرت المقادير بتغير الموازين .. تساوت الكفتان طوال
الخمسة عشرة عاما السابقة من عمري .. كفة طالبي الزواج والاستقرار والذين أطلقت
عليهم ـ الحمائم ـ مع كفة طالبي المتعة الجسدية والذين أكنيتهم ـ بالصقور ـ
لم يكن هناك ما
يثير قلقي .. فما زلت أنا كما كنت جميلة وفاتنة وبمهارة استطيع إخفاء تلك التجاعيد
بابتسامة علي ذاك الثغر الصغير .
لن يفلح القلق
في أن يتسرب إلي نفسي ويجعلني أحيد عن هدفي الذي وضعته أمام عيني بعد أن أكون قد انتقمت وبرأت نفسي من اللطمة
الأولي
..
أشرفت علي
الأربعين عاما
..
توفيت والدتي
وأصبحت وحيدة في بيتي بعد أن سافر أخي خارج البلاد .. سأفعل ما يحلو لي الآن .. لن
أقول أنني ما زلت في ريعان شبابي .. بل أكدته علاقاتي معكم يا معشر الرجال .. فرغم
أن وجهي تغضن قليلا إلا أنه مازال جميلا .. ومازال قدي متناسقا إلا من بعض
الترهلات في خصرى .. ولكن ما زلت مرغوبة وبشدة .. فالرجال من حولي يتطلعون إلي
ابتسامة ساحرة من ثغري الذي حرصت بعد أن شارفت علي الأربعين على أن يبقي بساما لكل
من حولي ! ولكن التحول هذه المرة بات قويا .. فما أن تجاوزت الأربعين عاما حتى
تعادلت الكفتان ثانية ولكن تغير محتوى ومضمون الكفة الأولي فبعد أن كانت لمن في
مثل عمري أصبح يأتيني طالبا الزواج من شارفوا علي الخمسين عاما .. وكثير منهم له
ظروفه الخاصة علي شاكلة أرمل أو مُطلق أو مطلق ولديه أطفال أو غير ذلك الكثير ..
أما الكفة الثانية ـ كفة الصقور ـ فما زالت تعج بالباحثين عن المتعة الحسية ليس
إلا .. وأعني بها المتعة الحرام .. وأنا علي عهدي لن أتنازل عن فكرة الإنتقام منكم
.. فلم تبرأ نفسي من اللطمة الأولي بعد !
اقترب سني من
الخامسة والأربعون .. هذا السن الذي تسمونه ـ أنتم معشر الرجال سن اليأس ـ أطلقتم
هذا الاسم عليه لأغراض دنيئة في نفوسكم .. اليأس من ماذا ؟ من الزواج ؟ أم من
الإنجاب ؟ أم اليأس منكم ؟ أم اليأس من الحياة ؟
أطلقتم هذا
الوصف لمرحلة عمرية لنا ـ نحن القوارير ـ بخبث شديد حتى تكون المرأة التي أشرفت
علي بلوغه فريسة سهلة في أيديكم .. تنالون منها كلما سنحت لكم الفرصة فأنتم تعلقون
الطعم في الشص ثم تحاصرونها بمسميات عدة أغلبها إن لم تكن كلها تدعوها لترضخ
لطلباتكم وأوامركم علي شاكلة العمر يجري وها قد اقتربتِ من سن اليأس وعليكِ أن
تقبلي بمن تقدم إليك يطلب الزواج منك حتى وإن لم يكن علي نفس مستواكِ الاجتماعي
والثقافي والدراسي والمهني وغير ذلك الكثير من المستويات التي يقاس عليها الزواج
الناجح
.
والنتيجة هي أنه
في ظل هذه المسميات التي وضعتموها أنتم يا ـ معشر الأوغاد ـ هي أنكم كبلتم حركتنا
ورسمتم بألسنتكم الحادة كشفرة الموسى دائرة حولنا لا نستطيع الخروج منها .. ونظل
ندور فيها سواء أسرعنا الخطي أو خطرنا أو تهادينا في مشينا لا نستطيع الخروج منها
إلا إلى قبورنا حيث ينتظرنا عذاب مُقيم وأليم وثعبان أقرع ـ كما ترددون أنتم ـ
لينال منا لأننا لم نقبل بما فرضتموه علينا .. فأنتم تبغون أن نعيش بينكم جواري
وإماء .. خُلقنا لا لشيء إلا لتستمتعوا بنا .
لن أقبل أنا
بهذا .. سأفرض إرادتي عليكم جميع أنتم وغيركم فأنا مازلت مرغوبة حتى بعد أن تجاوزت
الخامسة والأربعون وأصبحت قاب قوسين من الخمسين ربيعا .. لن أخجل من نفسي ولن أقول
تجاوزت سن اليأس .. بل سأقول بملء فيهي أشرفت علي الخمسين عاما بالتمام والكمال ..
وأنا لن أبالغ كما يبالغ غيري من الوصول إلي مرحلة أللا عودة وأقسم لكم أني مازلت
جميلة مقارنة بغيري لا مقارنة بنفسي منذ عشرين أو ثلاثين عاما مضت .. وبرغم أنى
دأبت علي وضع كمية دسمة من المساحيق علي وجهي إلا أن ترهل وجنتي وعنقي أصبح لا
يجدي معه مضاعفة كميات المساحيق .. أصبحت أقف أمام المرآة وقتا أطول مما مضي ألحظ
وأرقب تغضن وجهي وزوال نضارته .
حينما أتممت
عامي الخمسين بدأ القلق يتسرب إلي نفسي بعد أن أنحسر عدد طالبي الزواج مني ليس هذا
فقط .. بل تقزم أيضاعدد طالبي المتعة الشهوانية وانصرف أغلبهم إلي الغادات البضات ..
الجميلات منهن
الشقراوات والسمراوات علي حد سواء .. وبقيت أنا وحدي أعيش في جزيرة منعزلة حاقدة
ناقمة علي الرجال الأوغاد .
أجلس الآن في
منزلي ما أن تنتهي ساعات العمل أردد الطرف بين التلفاز وبين تليفوني المحمول ..
أنتظر أحدا ما يحدثني ولو عن طريق الخطأ .. أستدعي ذكرياتي حينما لم أكن قد أتممت
الخامسة والعشرين عاما وكلكم معشر الرجال وانتم تتقربون إليَّ والجائزة ابتسامة
فلقاء فلمسة حانية فقبلة في الهواء وفي أحايين أخري أقل من هذا وفي أحايين أخر
أكثر وأكثر .. لقد تحولتم الآن عني أيها ـ الأوغاد ـ بعد أن زالت نضارة وجهي وولي
شبابي إلي غير رجعة .. لا .. لا .. سأعيدكم إليَّ بأي ثمن حتى لو تطلب الأمر أن
أضاعف كمية المساحيق لأخفي تلك التجاعيد اللعينة .
أشرفت علي
الخامسة والخمسين .. ولن أدعي أن قواعد اللعبة فقط تغيرت .. بل تغير كل شيء .. ولي
عني حتى طالبوا المتعة الحسية .. لقد زهدوا في صاحبة الجسد البض بعد أن اعترته
التجاعيد في كل إنش فيه .. وظهرت جليا لكل ذي عينين ترهلات البطن وتوارى الخصر
النحيل خلف الشحوم وتحول الجسد الممشوق إلي جوال من القطن لا ملامح له وتضاعف حجم
النهود التي كانت نافرة وتدلت وأصبح لا غني لي عن مشدات الصدر الأصغر حجما في
محاولة يائسة مني لخداع العيون النهمة والمتطلعة والفاحصة .. لا ليس ذلك فقط, بل
كل العيون لعل وعسي ! فمازال الأمل يحدوني في أن أجد من أنتقم منه فما زالت آثار
اللطمة الأولي تجرح نفسي .. ولا أعرف علي أي أساس من أين جاء هذا الأمل .. ربما
بعد أن رجحت كافة الباحثين عن سيدة تعيش وحيدة تبحث هي الأخرى عمن يؤنس وحدتها
فيما تبقي لها من عمر !
أنا الآن أقترب
ـ سريعا ـ من بلوغ سن التقاعد .. أسابيع قليلة تفصلني عنه والأيام تجري وتجري ..
وأنا كما أنا بلا أنيس أو جليس ! الغريب في الأمر أنني كنت أعتقد أن التأرجح بين
كفتي الميزان قد زال بانحسار أعداد الباحثين عن الاستقرار العاطفي والنفسي وبين
تقزم أعداد الباحثين عن المتع الجسدية في صورتها الشهوانية الحيوانية بسبب ما
أعترى جسدي من ترهلات صَعُبَ عليَّ مداواتها أو حتى مواراتها .. فرغم مضاعفتي
لِكَم المساحيق علي وجهي المتغضن وعنقي المعروق إلا أن الحقيقة باتت عارية أمام
الجميع .. فكنت أشهد نظرات الإشفاق في عيون الكثير منهم وهو ما كان يؤجج مشاعر
الحسرة بداخلي . أشرفت علي الستين عاما وأنا أعيش بلا هدف وبلا غاية .. لقد جاء
اليوم الذي ظننته بعيدا .. أصبحت أعيش بلا أمل في غد ..
كانت هذه الصور
تتخايل أمام عيني بينما أجلس صامتة ..!
انتبهت علي صوته
وإشاحة يده أمام عيناي قائلا : هيه .. إلي أين ذهبتِ ؟ منذ فترة وأنا أتحدث إليكِ
وأنت لا تردين ! دعينا حبيبتي لا نفكر في الماضي ونبدأ من جديد ! فتحسست خاتم
زواجي بأناملي فوجدته مازال يزين أصبعي فانسحبت ابتسامة علي جانب ثغري ..
أعتقد زوجي أن ابتسامتي تعني أني قد غفرت له خيانته لي .. ولكني أرى أن إبتسامتي هذه ليست سوى مخدر يسرى الآن في شرايينه .. سيتلاشي مفعوله لحظة أن أجد لزوجي بديلا يؤنس وحدتي .. فأنا أكره الخيانة كما أني أمقتُ الوحدة