ما بين التطرف والإلحاد .. وهم التقدم والازدهار

  • معتز محسن
  • الأربعاء 16 أكتوبر 2019, 4:10 مساءً
  • 1390
الباحث / معتز محسن

الباحث / معتز محسن

هل يكره أحد منا التقدم والإزدهار، خاصةً بين الأمم؟

الإجابة القطعية تأتي على الأفواه في وقت واحد: لا، لأن الازدهار عنوان الخلود لمن يسعى لخدمة البشرية في مجلات شتى تُبقي على السلالة البشرية، وعلى إرثها حتى لا يختفي النوع القائم على إعمار الأرض.

لكن للتقدم والازدهار شروط ومواصفات إن أحسنا فهمها وهضمها يكون لنا نصيب الملازمة لهاتين الكلمتين ، بطاقة الإعجاب والإبهار في عيون الآخرين وتعليقاتهم وقت ملامسة المنجز المطلوب على أرض الواقع ، كحقيقة راسخة رسوخ جذور الشجرة الطيبة في قلب الأرض سامقة الفروع معانقة للشمس ، حيث تظل مخضرةً لإروائها بشكل سليم ، يعطي لها البقاء والصمود على مر الأزمان.

السؤال المطروح هو : ما هي شروط التقدم والازدهار بين الأمم ؟

تختلف العقول والآراء حول الديدن المراد بلوغه عبر خطوات التنفيذ، ما بين من يرى في التدين القح دون اللجوء للآخرين هو المكمن في تحقيق التطور والازدهار، وهناك من يرى أن الأخذ بأسباب العلوم والمنهجية العلمية دون الاتكاء على الغيبيات، أساس تسيد العالم عبر قوانين علمية راسخة، كما حدث في أوروبا عقب الحروب الصليبية وهجر الجميع لقوانين الكنيسة، مع جعل الكتاب المقدس ملجأ للنفس وقت صدئها ومللها من لغة العلوم، لكن للعلوم مبادئ راسخة في النفس تطغى على الجميع حتى تبقى الدولة شامخة ببريق الاختراعات والاكتشافات دون اللجوء إلى ما هو مدخر في عالم الغيب والميتافيزيقا!!

هذا هو حالنا في وقت تيه الهدف المنشود من بين الأفواه العالكة للمناظرات الواهية ما بين التطرف والإلحاد، كنوع من الثأر ما بين من هجر الدين وبين من تسبب في تيبس الدين في قالب معين جعل من الوسطية سرابًا نتلمسه في حالة حنينية واهية، تخشى الظهور والتألق وقت التشاحن على فراغ التميز والتفوق.

هل في تمسكنا بالدين لدرجة هجر الأسباب الأخرى للتقدم الحل في إنقاذ العقيدة من شوائب الآخرين؟

ليس في الاكتفاء بالعقيدة حل جذري ، ينقذ العروة الوثقى من مزايدات الآخرين ولو كان ذلك صحيحًا، و إلا ما استيقظنا على ملاحم دموية تكبر وتصول وتهلل وتحمد في تابلوهات نحرية وكأننا أمام لوحات مرسومة في عصر النهضة والباروك، كلوحات "دافنشي"، "مايكل أنجلو" و"رمبرانت" تحيي فينا لغة الغل والحقد تحت دعاوى الغيرة على ما أنزله الله من كلمات بلسمية تنقي الروح من الشوائب المتزاحمة في نفوس البشر !!

وليس في هجر الروح وازدراء اليقين تحت مسمى نبذ المجهول في عنان السماء الجالب للتأخر والتقهقر الحل في ملاحقة الدول المتقدمة ، وإلا ما عادت بريطانيا في فتح كنائسها في القرن التاسع عشر بعد أن وجدت أساقفتها يعظون بنبرة بشرية لا تلتحم بلغة السماء ليأتي ملوك بريطانيا في تلك الفترة يصيحون صيحتهم الشهيرة : لقد ألحد رجال كنيستنا.

هذا ما حدث في انتهاج مبدأ المنهج التجريبي والعلمي لفرنسيس بيكون في فترات عصر النهضة، لتتيبس الروح وتتعطل عن الابتكار بعد أن خاصمت السماء مستكفيةً بما ينتجه البشر الذي لا يستطيع الإنتاج والابتكار إلا بما يشا}ه الله عز وجل حسب ما سطر في اللوح المحفوظ ،وتتأكد خطواتنا في ما تسطره أقدامنا وسواعدنا يومًا بعد يوم برحمة الله وفضله الغزير.

تتسابق الأصوات الآن في السؤال: إذن ما هو الحل الأمثل لمجانبة الطريقين المتعرجين في سبل التميز والتطور؟

الحل بازغ كبزوغ الشمس الساطعة ليوم مشرق جديد على الدوام ، وهو الوسطية في كل شيء ولنا في فترة الدولة العباسية سواء اتفقنا أو إختلفنا معها الفضل في فتح الإسلام على العالم حتى في وقت التناحر الشديد بين الفقهاء والدهريون وعلماء الكلام ، ففي لغة التخاطب المستنير والحوار المفيد المثال الأكبر في تجاوز المحن باستثناء مشكلة خلق القرآن التي تسببت في تشرذم الصفوف من أجل حفنة من الأوهام ، لم تثمر لنا إلا ثمرات شائكة طعنت الجميع وتسببت في خسارتهم .

لنتعظ من الدولة العباسية وعصر الولاة في تشجيع الكلمة الطيبة ما بين دين وعلم وأدب وفكر وفلسفة أسهمت في تألق كبير أتى من الاحتكاك بالآخر عبر حركة الترجمة ونقل العلوم مع احتواء مختلف الحقول المعرفية ما بين علوم نقلية وعقلية في رحاب الكلمة المقدسة المشجعة على الاستزادة في المعرفة والتبحر في كشف الأسرار المجهولة في كتاب الكون ، كي لا يتوقف العقل عن الإبتكار والإختراع من خلال الكتاب الكريم والسنة النبوية المظلومة من بعض أبنائها بإلحاق التهم الباطلة عليها في خلق المشاكل والأفكار المتناحرة ، ففي السنة النبوية دعوات صادقة تدعونا لطلب العلم ولو في الصين ، مستمرين في خطانا من المحبرة إلى المقبرة.

هكذا يكون الحل القاطع بين متناقضين، حتى لا نكون أسرى للأوهام كما هو معهود بنا منذ الأزل ، فبالإيمان القويم تأتي العطايا وبالعمل الصادق الصحيح تأتي النتائج المرجوة دون إفراط وتفريط.


تعليقات