أمين "البحوث الإسلامية": تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
هشام عزمي ـ الباحث في ملف الإلحاد
كتب: أحمد إبراهيم
كشف الدكتور
هشام عزمي، الباحث في ملف الإلحاد، طرق وأساليب التلبيس، لإظهار الباطل على أنه
حق، وذكر أن التلبيس هو دسّ الأفكار الباطلة، والمذاهب الردية ضمن حشد أفكار
صحيحة، أو مقبولة إجمالاً ولها حظ من النظر العقلي السليم، لو حتى كانت ظنونًا لم
تبلغ مبلغ الحقائق العلمية، كون الظنون الراجحة مقبولة في العلم التجريبية حتى
يأتي ما هو أعلى منها في الحجية والرتبة المعرفية، ولكن مفهوم التلبيس يكمن في
مجيء سموم الأفكار الباطلة الضالة مندسة في حشد كبير من أفكار المعارف المقبولة في
مناهج البحث العلمي.
ولفت إلى أن
القرآن الكريم، قد أنكر على أهل الكتاب استعمالهم لهذا المسلك في ترويج أباطيلهم،
قال تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ
وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وقال جل وعلا: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ
الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} منوها إلى
أن معنى: تلبسون الحق بالباطل، أي: تخلطون وتمزجون الحق بالباطل!
وأضاف
"عزمي" أن أي صاحب مذهب باطل لا يستطيع الترويج لمذهبه إلا عن طريق خلطه
ومزجه بمجموعة من الأفكار الصحيحة، أو المقبولة إجمالاً، أو لها حظ من النظر، ولو
لم تثبت بعد صحتها، فهو بعمله هذا يخفي ويستر الباطل الفاسد الكامن في مذهبه
وأفكاره، فإنّ عرض مجموعة من الأفكار الصحيحة أو المقبولة إجمالاً يجعل عقول الناس
تستسلم وتطمئن لسلامة قصد مروجها، خصوصًا عندما يزينها ويزخرفها، ثم تأتي الأفكار
الباطلة المندسة محاطة من سوابقها ولواحقها بما يسترها عن أعين العوام، إذ أن
للصحيح والمقبول من الأفكار ظلالاً تسمح بمرور الباطل المندس بينها دون أن تثير
الانتباه، أو تكشف عواره وفساده.
وتابع: هذا يفلت
المبطلون بأفكارهم المسمومة بالتلبيس الماكر والزخرف الظاهر إلى أذهان الناس ضمن
ما يعبر من أفكار ومفاهيم، وولولا هذا التلبيس لاكتشف الناس الباطل بسهولة،
ولرفضوه ابتداءً، فالجماهير من الناس يرفضون ما كان باطلاً ظاهرًا، أو ما يعتقدون
بطلانه.
ونوه الدكتور
"عزمي" إلى ضرورة أن يكون المسلم وعي وحصيف وأن يستجمع كل وعيه، وأن
يمحص كل دقيقة وجليلة من الأفكار والمذاهب والآراء، فإن لم يكن أهلاً لذلك فعليه
أن يسأل أهل العلم والمعرفة والخبرة والتخصص، من أئمة المسلمين الذين يخشون الله
واليوم الآخر، وعرفوا بتقواهم وصفاء أفكارهم، وقدرتهم على النقد والتمحيص وتمييز
الحق والباطل، وكشف زخارف القول في المذاهب والأفكار، فإن أولياء الشيطان كثيرون،
ومكرهم عظيم، وحيلهم قد تنطلي على الأذكياء، مشيرا إلى أنه في هذا المقام يجدر بنا
أن ننبه على أن الفساد قد يكمن في البناء الفكري الذي قام عليه المذهب الباطل حيث
يكون هو الأساس الخفي عن الأنظار، وقد يكمن في جزئية خفية من مفردات المذهب الباطل
لا تظهر للعيان. وقد يمكن في قطرات من السم القاتل في كأس عظيمة من العسل!
وتابع: لهذا فإن مقاومة الباطل وكشف زخارفه لا تكون بادعاء بطلان كل
أجزاء المذهب الذي يروجه المبطلون، أو كل الأفكار التي يدعون إليها، إنما تكون
مقاومة الباطل بتفكيك هذا المذهب الباطل، وكشف عناصر الباطل الموجودة فيه، وتعرية
زخارفها، وبيان بطلانها، وحين لا يتيسر للباحث تفكيك المذهب وكشف العناصر الفاسدة،
يلزمه حينها بيان أنه لا يصح الأخذ بهذا المذهب، أو مجموع آرائه، وهو على هذه
الحالة، بسبب الباطل المندس فيه، والمفسد له. وهذا كما نحكم بأنه لا يصح تناول كأس
من العسل المسموم، أو أي مقدار منه، لأنه قاتل.
لكن حينما
يمكننا تفكيك المذهب، وتمييز الحق والباطل فيه، فإن القيام بهذا هو الأحق أن يكون
منهجنا، وهذا هو مسلك رواد الحق وعشاقه، والباحثين عنه، والداعين إليه، لافتا إلى
إنه على الباحث في هذه الحالة أن يقوم بتفكيك المذهب أو النظرية أو الأطروحة إلى
عناصرها الأساسية ومكوناتها الجزئية، ثم يبحث في كل عنصر منها وفق منهج البحث
العلمي، ثم يبني حكمه بناءً على وصل إليه البحث في هذا العنصر، وهكذا حتى يستوفي
جميع العناصر، ولا تغرنّه كثرة عناصر الصواب، إذ قد يكفي عنصر فاسد واحد لإبطال
النظرية بأكملها.
وأكمل: بيد أن
هذا المسلك لا يقدر عليه إلا المتفوقون من أهل البحث والنظر والتخصص، أما عوام
المثقفين والباحثين الذين يأخذون المذاهب والنظريات تقليدًا واتباعًا، فهم لا
يمكنهم التفكيك والتمحيص على هذه الصورة، فالواجب عليهم الاجتناب بالكامل حتى لا
يؤثر الباطل من حيث لا يشعرون.
ومن أساليب
ترويج الفكرة الفاسدة أن يتم إلقاؤها في نهاية عرض الأفكار الأخرى، بحيث تتسلل إلى
النفس بدون أن تجد عيونًا حذرةً تكشفها، وتعري الزخرف الذي يكتنفها ويخفيها، فإنه
من طبيعة الإنسان أن يستجمع في بداية اطلاعه على كتاب أو مقال أو مذهب أو نظرية،
أو متابعته لمؤلف أو صاحب محتوى على الانترنت، كل ما يملك من حس نقدي يستعمله لفحص
كل دقيقة وجليلة بيقظة ووعي حسب إمكانياته العقلية والذهنية والثقافية، حتى إذا
طال عليه الأمد في الفحص الدقيق اليقظ الواعي، دون أن يعثر على ما فيه زخرف ظاهر
أو زيف مدسوس، ملّ من شدة الفحص والمراقبة، وبدأ الكسل والنعاس يتسرب إلى مراكز المراقبة
في عقله، فتهدأ نفسه، وترتخي أعصابه، ويذهب عنها الحذر والتربص، وبعدها تبدأ
الطمأنينة تجاه هذا المذهب أو صاحب المحتوى تتسلل إلى قلبه رويدًا رويدًا، فإذا
اطمأن له منحه ثقته دون حذر، وقد يصل إلى حالة المستقبل المصدق الأعمى دون نقد أو
اعتراض، وقد يبلغ به الأمر إلى اعتناق المذهب أو التعصب لصاحب المحتوى دون وعي أو
بصيرة.
وأضاف
"عزمي" وعندما يبلغ المتلقي هذه الحالة تستطيع الأفكار المزخرفة الفاسدة
التسلل إلى عمق النفس، وإلى مراكز ثوابت الأفكار، دون أن تجد عقبةً تصدها، أو
مانعًا يردعها، أو جهاز تفتيش يكشف زخرفها، أو نقطة مراقبة تستبين باطلها، فتجده
يردد هذه الأفكار الباطلة دون تحرير أو مناقشة، ثقةً منه بكاتبها أو بملقيها، ويستغل
أهل الباطل هذه الحيلة كثيرًا جدًا فيما يقدمون ويكتبون وينشرون ويعرضون من مذاهب
وأفكار ومحتوى على وسائل النشر والإعلام والتواصل الاجتماعي، لتتسلل زخارفهم إلى
عمق النفوس، دون أن تستوقفهم نقاط تفتيش أو فحص أو مراقبة، وقد تتحول إلى ثوابت
عند المتلقي، ثم عقائد راسخة يعتنقها رغم بطلانها، ويدافع وينافح عنها.
وبهذه الحيل
الشيطانية تدخل الزخارف الباطلة على المثقفين والأذكياء والنبهاء، فكيف بمن دونهم
ممن لا خبرة عندهم، أو تحصيلهم من المعرفة قليل، أو حظهم في كشف الزخارف عليل؟!
وختم "عزمي" كلمه قائلا : أننا نجد السطحيين والبلهاء يندفعون بلا ترو أو تريث، وينخدعون بالزخارف والأصباغ الملونة، دون فحص دقيق لما يلقيه عليهم الشياطين في منصات التواصل الاجتماعي أو غيرها، حتى يسقطوا في مكيدة الزيف، ويسلموا أعناقهم لناحريها. وكل هذا وهم لاهون عابثون يتضاحكون، ينساقون بسذاجة تامة وغباء مطبق إلى الهاوية لا يشغلهم إلا طعم الحلوى التي تقدم لهم، فلا يفكرون فيما هم إليه صائرون، وما هم إليه سائرون.