رؤية نقدية لـ «جلال الصياد» حول المجموعة القصصية «صلصة الترقيم وحكايات أخرى» للكاتبة الدكتورة حنان إسماعيل

  • جداريات Jedariiat
  • الأربعاء 09 أغسطس 2023, 3:45 مساءً
  • 869
صلصة الترقيم وحكايات أخرى

صلصة الترقيم وحكايات أخرى

 صــــــــــــدر حديثًا المجموعة القصصية القصيرة للأطفال بعنوان (صلصة الترقيم وحكايات أخرى) للكاتبة الدكتورة / حنان إسماعيل – الصادرة عن دار زحمة كتاب للنشر والتوزيع، ورسوم بريشة الفنان / عبد الرحمن بكر – والمكونة من عدد ( 6 ) قصص وعناوينها كالآتى: ( صلصة الترقيم – محل الحلوى – الحذاء الباكي – المقعد – القلم – واجب مشترك )..

 "إن الواقع والخيال عند الأطفال مندمجان تمامًا، ولا يستطيعون التفرقة بين هذين العالمين المختلفين ". ومن هنا يستعين كتاب الطفل بالخيال لتوصيل خطابهم الجمالي والمعرفي للطفل، وكما قال شاعر الهند الكبير طاغور: إن الأطفال شعراء وخياليون حتى سن العاشرة ويفقدون هذه الخاصية السحرية بعد ذلك، لماذا؟ بسبب تدخلات الكبار في البيت والمدرسة.

 إذن لا مانع لديهم من أنسنة الأشياء، ويؤمنون فطريًا أن كل كائن حي (إنسان – طير – نبات – حيوان) والجماد أيضًا وما تحتويها الكلمة من مكونات.... الخ، تفهم وتشعر وتتحرك وتتكلم مثلهم، وليسوا مستعدين مطلقًا أن يتخلوا عن هذا الإحساس، ولأن الأطفال متفائلون بطبيعتهم، فرحون لا يتوقعون إلا السعادة في يقظتهم أو في أحلامهم. 

 وبهذه المقدمة أردت أن أنوه عما يهتم به كاتب الأطفال، ويحرص عليه عند التعامل مع الطفل بأي طريقة – سواء كتابة ( قصة – شعر – رواية – مسرحية... الخ ) أو تقديم نوع من أنواع الفنون أو دور تربوي سواء في البيت أو المدرسة أو دور العبادة ( مسجد – كنيسة – معبد... الخ ).

 نحن الآن بصدد الاحتفاء بعمل أدبي إبداعي يخاطب الطفل في صورة مجموعة من القصص القصيرة،التي أرادت بذلك النوع الأدبي مخاطبة الطفل.


1 – قصة " صلصة الترقيم ":

 استطاعت الكاتبة في أسلوب سهل ومبسط، وكلمات ليس فيها غموض، أن تعلم الطفل " علامات الترقيم "، وهو موضوع علمي في مجال اللغة العربية، وبلغة حوارية رائعة وبسيطة بين الأم والطفل حسن، وقد كلفته بكتابة موضوع تعبير بعنوان ما.. ثم أرشدته إلى الوسائل التي يحصل منها على المعلومات التي تمكنه الحصول على عناصر الموضوع، ألا وهي: القراءة الكثيرة للعديد من الكتب حول موضوع التعبير، وكذلك أيضًا الاستعانة ببنك المعرفة المصري الذي يحتوى على الكتب والمقالات والأبحاث.. إلخ، أي التحصيل أولًا ثم البدء في كتابة موضوع التعبير، ثم انشغلت عنه بشئون المنزل من إعداد الطعام للأسرة وغير ذلك، وأثناء انشغالها بالعمل طلب منها أن تقرأ ما كتبه، ولكن عندما أمسكت الأم بدفتر "حسن "وبدأت في القراءة، وجدت أن ما كتبه ليس به علامات الترقيم.

 من هنا كان لابد من الكاتبة أن توضح منذ البداية ( في أي سنة دراسية؟ وهل تناول المقرر الدراسي موضوع " علامات الترقيم " من عدمه؟ وهل السنة الدراسية التي بها قد أرشده أحد عن وجود بنك المعرفة للاستعانة به عند كتابة موضوعات التعبير. 

 ** ملحوظة: تم إلغاء موضوع التعبير في المدارس طبقًا للمنهج الجديد المقرر من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الخامس الابتدائي، واستبداله بوصف أحداث أو كتابة نصوص وصفية أو مقالات وغيرها......؛ ففي موضوع السن المحدد على الغلاف من ( 8: 10 ) أي بداية من الصف الثالث الإبتدائي ثم الرابع ثم الخامس، كان لابد من توضيح ذلك في التعريف بالطفل حسن البالغ من العمر.... أو في الصف..... 

 ولجأت الكاتبة إلى أسلوب المقارنة بين ما كتبه حسن وما تفعله في الطعام، واحتياجه إلى الصلصة التي تعطى مذاقًا خاصًا وما يوضع بها من مكونات مثل الملح والتوابل، في حوارها الشيق استطاعت الأم أن تتناول علامات الترقيم (الفاصلة، والفاصلة المنقوطة؛ بين شرطتين، علامات التعجب! علامات الاستفهام؟ ) وفوائدها وكيفية استخدامها.

 وانتهى الحوار إلى اقتناع حسن بذلك، ووعدها بالحرص على كتابة علامات الترقيم؛ لتكون لكتاباته مذاقًا جميلًا.


الأسلوب: تميزت بمفردات سهلة وواضحة مناسبة لهذه المرحلة السنية، فكل كلمة وردت في سياقها.


بعض جماليات الأسلوب:

- وجه الشبه بين صلصة الطماطم في الطعام، وعلامات الترقيم في الكتابة.

- استخدام لغة السؤال للطفل والوصول لإجابه بنفسه، مثل: هل لك أن تتذوق صلصة الطماطم قبل أن أضعها على المكرونة؟ وإجابته، تغيرت ملامحه، واستمر الحوار من نقطة إلى أخرى، حتى أقر بنفسه أنها أصبحت جيدة ومذاقها مقبول.

 وهنا انتبه أن الكتابة تحتاج إلى علامات الترقيم وهي العقدة في القصة، حيث تتصاعد الحبكة عبر الحوار السهل البسيط، ووصلت الكاتبة إلى النهاية السعيدة التي يرتضيها الأطفال.


2- قصة (محل الحلوى):


 تناولت القصة موضوع هام بالنسبة لصحة الإنسان عامه، وفئة الأطفال خاصة، ألا وهو المادة الحافظة، التي يتم إدخالها في صناعه العديد من الأطعمة، ورغم أن اسمها مادة حافظة، إلا أنها يمكن أن تتحول إلى مادة سامة، تتسبب في إصابة الإنسان بأمراض خطيرة، لو أهمل الإنسان في الأسلوب الأمثل عند تخزينها.

 فقد حرصت الكاتبة على طرح هذه القضية من خلال استنطاق الأشياء (المادة الحافظة)، وحوارها مع الطفل عمر، وأنسنتها للمادة الحافظة، واستطاعت مخاطبة الأطفال الذين يرغبون في أكل الحلوى (المسكرة) التي تتكون من السكر ومكونات أخرى، والمأكولات (المملحة) والتي تتكون من الملح، ولأن هذه المادة يتم وضعها فى المأكولات ( المملحة والمسكرة)، ويقبل عليها الأطفال بصفة خاصة.

 ومن مبدأ الحرص على صحتهم والخوف عليهم من الأمراض اختارت هذا الموضوع الهام، وانتهت القصة إلى إرشاد الطفل إلى أن الطعام الذي تعده الأم بالمنزل هو أفضل له، فشكرها على أمانتها وحرصها على صحته.


الأسلوب: هي قصة بسيطة جاذبة للطفل وممتعة عند قراءتها، تنتمي إلى القصص العلمي والصحي، واعتمدت لغة الحوار الهادي البسيط الممتع بين عمر والمادة الحافظة، وتناولت بعض المفردات التي تزيد من الحصيلة المعرفية للطفل، مثل: المادة الحافظة الأطعمة المسكرة مثل البسكويت وغيره، والأطعمة المملحة مثل: الشيبسي وغيره، عملية التخزين وأهميتها في حفظ المأكولات المغلفة.


القيم التربوية التي تضمنتها القصة: المحافظة على الصحة العامة للإنسان، والبعد عن أكل الأطعمة من خارج المنزل، الاستجابة بروح طيبة لمن يقدم لنا النصح ويرشدنا إلى الصواب.


الخاتمة: جاءت سعيدة للطفل لأنها أنقذته من الإصابة بالأمراض 

** ملحوظة: كلمة (تميط ) ثقيلة على الطفل.


٣- قصة ( الحذاء الباكي)


ملخص القصة: فى أسلوب درامي محبب للطفل، بدأت الكاتبة في أنسنة الجماد، وهو الحذاء الذي بدأً في سرد حياته مع الطفل الذي يرتديه، ومعاناته معه وعدم اهتمامه به، لمرافقته له في كل تحركاته: في الذهاب إلى المدرسة، والنادي، وشراء طلبات الأم وغيرها، حتى أصيب بثقب وبدأ في الاتساع، وانتهى به المطاف إلى الطرد من الملعب وخسارة هذا الطفل.


العقدة: عدم اهتمام الطفل به وإهماله له، ومفاجأته أن الطفل الفائز يرتدي حذاء به ثقوب كثيرة، هذه القصة رغم صغر حجمها وقلة عدد كلماتها، إلا أن بها العديد من القيم التربوية، مثل: كثرة استعمال الأشياء تؤثر على العمر الافتراضي لها، والاستخدام الأمثل للأشياء والمحافظة عليها. الابتعاد عن الظنون التي تنتاب الإنسان وتؤثر عليه بالسلب 

 جماليات الأسلوب:

 " آلمتنى الركلات / أصدمت بالكرة/ زاد ألمي أكثر وأكثر/ استأت كتيرًا/ نظرت إلى أرجل الأطفال / وجدت أحذيتهم جديدة / كنت أشعر أن الجميع ينظرون إلىّ ويسخرون من ثقبي / شعرت بالحزن / أخذت فى البكاء / أبطأت خطوة الولد الذي يرتديني / جلست علی کرسي الانتظار ".


الخاتمة: يتقبلها الأطفال؛ لأنه اكتشف أن الحذاء الذي يرتديه الولد الفائز به الكثير من الثقوب، مثله في الحال بل أكثر. 


4- قصة ( المقعد ): 

 ملخص القصة: طرحت قضية هامة وهى المحافظة على المرافق العامة لأهميتها، وهى قصة اجتماعية قومية.


تقنیات السرد: اختارت الكاتبة أنسنة الجماد وهذا محبب للطفل، طرحت القضية على لسان المعقد الموجود بالمترو، يحكى عما شاهده من أفعال للأطفال في داخل عربة المترو، فبداً بتعريف نفسه بأنه مقعد بإحدى عربات مترو الأنفاق، وبين مهمته بأنه يجلس عليه الركاب ليستريحوا حتى يصلوا إلى محطاتهم المقصودة.


العقدة: ما أزعجه هو رؤية مجموعة من الأطفال يعبثون بكل شيء في العربة، مثل: الشخبطة على الكراسي والحوائط، فيشوه الجمال - التأرجح على الكرسي حتى كسره دون أي شعور بالذنب من إيذاء وألم وبكاء - التعلق بإحدى الأيادي المعلقة، وبسبب وزنه الثقيل سقط على الأرض، وأصيب ذراعه فصرخ من الألم - جلوس رجل عجوز على الكرسي المكسور فسقط ع الأرض، تجاهل معاناة كبار السن في حالة الوقوع على الأرض.


بعض جماليات الأسلوب: قضيت مسائي سعيدًا بعد أن أديت عملي بنجاح - صرخت فيهم: لماذا تفعلون كل ذلك؟ - فأخفف عنهم عناء الطريق - أنتم بهذا تقصفون عمري الافتراضي - أخذت أراقب الحال -رأيت رجلًا عجوزًا صعد إلى العربية.


 القيم التربوية: 

- الحث على قيمه المحافظة على الممتلكات العامة وأهميتها.

- العمل على راحة الإنسان.

- الحرص على النفس البشرية من الأذى.

- الاستجابة للنصح والإرشاد.

- الحرص على التربية السليمة من الصغر.

- الحرص على جمال الأشياء.


الحل الذي لجأت إليه الكاتبة: بدلا من اللجوء إلى الجهات المنوط بها على هذه المشكلات، والمحافظة على المرافق العامة، وهي شرطة مترو الأنفاق، لجأت إلى دعوة العجوز على الأطفال الأشقياء.

 النهاية: خاطفة وسريعة، بشعور الأطفال بالخجل، بعد أن وقع زميلهم وأصيب في ذراعه، ونزلوا من المترو وانصرفوا.


5- قصة القلم:


ملخص القصة والأسلوب السردي: هذه القصة تطرح قضية غاية في الأهمية ألا وهى الاستخدام السيئ للأشياء، وما يترتب على ذلك من خلال أنسنة الجماد وهو " القلم "، حيث بدأ القلم بعرض مأساته مع صاحبه، الذي استخدمه بطريقة سيئة، مثل الكتابة على جدران حجرته فيشوهها، الرسم على الأبواب، فيزعج والدته التي انتهت للتو من طلائها، الكتابة على مناضد الفصل، فتتسخ ملابس الزملاء في الفصل، وتعرضه هو أيضًا - القلم - للخطر بإلقائه من شرفة الشقة مرة، وأخرى من شباك الفصل من المدرس.

 وهنا بدأت الكاتبة في معالجة الأمر وحل عقدة القصة، فلجأت إلى محاورة القلم للطفل بأسلوب هادئ بديع؛ لاستخدامه في أشياء مفيدة مثل: رسم لوحات جميلة يشارك بها في المسابقات المدرسية، أو كتابة قصة تعبر بها عن حلمه حتى اقتنع الطفل بالفكرة، وبدأ في كتابة قصة على أمل أن يكون مبدعًا.

 جماليات الأسلوب:

 قصف بعض المشاعر المصاحبة / تضايقت من تصرفاته كثيرًا قررت أن أعلمه درسًا / حاورته / قلت له.

 القيم التربوية:

- العمل على رفض الاستخدام السيئ للأشياء.

- المحافظة على الشكل الجمالي للمكان.

- استخدام الأسلوب الصحيح بحوار هادئ وجاد.


الخاتمة: مقبولة عند الأطفال لانتهائها بفعل إيجابي


6- قصة ( واجب مشترك ):


على غير العادة قدمت الكاتبة هذه القصة الجميلة التي تعالج قضية هامة، وهي كذب الكبار المنوط بهم مسئولية رعاية وتربية وتعليم الأطفال، وأول من يبدأ الطريق في حياة الطفل ألا وهى الأسرة، وخاصة الأب والأم، وقد استعانت بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية الشريفة باعتبارهما من المصادر التي يستدل بها الكاتب في التوثيق.

 وعلى لسان الطفل نبيل البالغ العاشرة من عمره يحكي قصته مع والده الذي أنكر وجوده كذبًا أمام ابنه - ومشاركة الطفل نفسه في الكذب ومحاولته التفكير في كيف يكذب، وحيرته بين إصرار والدته على التحلي بالصدق مهما كانت الأمور، وبین رؤيته لوالده باعتباره المثل الأعلى له وهو يكذب، واضطرار الطفل إلى الاستعانة من خارج المنزل؛ للوقوف على الحقيقة ولجوئه لمعلمته لاستبيان الأمر.

 وهنا قدمت الكاتبة نموذجًا جيدًا لعلاج هذه المشكلة، وهى كيف يتم إقناع الأب بعدم الكذب مرة أخرى، عندما أرشدته معلمته لمادة التربية الدينية إلى بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وإشراك والده في مراجعة الواجب معه، وهنا فهم الأب أنه أخطأ حين كذب أمام ابنه، وعندما رن الهاتف، وأمر نبيل بأن يعتذر للمتصل بأن والده موجود، ولكنه ليس مهيئًا للرد على مكالمات هاتفية الآن.


نوع القصة: تعليمية تثقيفية وبأسلوب اللغة العربية الفصحى المبسطة التي تناسب مفردات ولغة الطفل " أي الطفولة المتوسطة "

الحوار الدرامي: شيق ومقبول وليس فيه تعقيد.


حل المشكلة بالحوار الهادئ والجمل العذبة البسيطة والسلسلة. 

القيم التربوية بالقصة: التحلي بالصدق والأمانة والتأسي برسولنا الكريم في أخلاقه كقدوة، التحذير من الكذب؛ لأن الكذاب يتوقع منه أي فعل سيء، الحرص على ألا يرانا أطفالنا في مواقف سلبية.


تعليقات