صدور كتاب " الحرب في زمن التغريدات"

  • جداريات Ahmed
  • السبت 01 يونيو 2019, 10:31 مساءً
  • 1523
غلاف الكتاب

غلاف الكتاب

 

                                                                                   حروب افتراضية تخوضها جيوش نظامية ضد جيوش جوالة مجهولة الهوية

   

"حينما تتحول (الاستاتيوس والتويتة) إلي سلاح في يد الجماعات، يسقط القتلي ضحايا لمعارك افتراضية".. بتلك العبارة بدأ الكاتب الصحفي محمد عبد السلام مؤسس المؤسسة المصرية لتبسيط العلوم، ورئيس المجلس التنفيذي لمجلة "إيجيبشيان جيوغرافيك"، كتابه "الحرب في زمن التغريدات.. تكنولوجيا المعارك الإفتراضية"، والذي صُدر مؤخرًا عن دار أكتب للنشر والتوزيع.

 "الحرب في زمن التغريدات" جاء في 11 فصل، الأول حمل اسم "الحروب عبر الأزمان"، والثاني "فن صناعة المعارك"، والثالث "تكنولوجيا استقاط الدول"، والرابع "معاك الشبكة العنكبوتية"، والخامس "التجنيد علي الدوت كوم"، والسادس "أونلاين تصدير الرعب" والسابع "التدريب الالكتروني للجيوش"، والثامن "أرض الجواسيس السيبرانية" والتاسع "فرق استطلاع التواصل الاجتماعي"، والعاشر "السوشيال ميديا.. السُم في الخبر"، والحاي عشر "المعركة العُظمي الثالثة".

 طيلة 270 صفحة، أثبت الكتاب أنه لم تعد للطائرة أو الدبابة دور البطولة في معارك هذا العصر، أرض المعركة نفسه تغير كثيراً، تمر أيام وأسابيع بل وشهور لا يلتقي الجنود وجها لوجه، ورغم ذلك يتساقط العشرات والمئات من القتلي والمصابين الأبرياء، تلك الصورة تجلت بشكل واضح في الهجوم الارهابي الذي تعرضت له فرنسا في الثالث عشر من نوفمبر من العام 2015، ما اضطر الرئيس الفرنسي لاعلان حالة الحرب، ولكن ضد من؟!.

 "عاجل: ستاد "سان دوني" يتعرض لهجوم إنتحاري والأمن ينجح في إحراج الرئيس "فرانسوا أولاند".. إرهابيان يقومان بتفجير أنفسهما داخل مطعم بالقرب من الاستاد.. احتجاز رهائن بقاعة "باتاكلان" للمناسبات.. مسلحون يطلقون الرصاص في شارع "لافونتين او روا"..هجوما انتحاري في بولفار "فولتير".. إطلاق نار عند تقاطع شارعي "بيشار" و"أليبير" أمام شرفة مطعم "لو بوتي كامبودج".. استهداف مطعما يابانيا ومطعما في شارع "شارون".. القتلي يتساقطون بالمئات"

 "إنها الحرب".. هكذا جاءت عناوين جميع وسائل الإعلام الفرنسية ليلة الثالث عشر من نوفمبر، والتي شبهها العالم بأنها الحادي عشر من سبتمبر الأوروبية، حرب اسقطت عشرات بل مئات الضحايا، ومئات أخري من المصابين، وأشلاء هنا وهناك، حرب ادت الي اعلان حالة الطوارئ القصوي، أدت إلي غلق الحدود الفرنسية.

 "سنخوض حرباً بلا هوادة".. هكذا صرخ الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" قبل حتي أن تنتهي الهجمات التي تعرضت لها شوارع عاصمته، وقال أيضا: "إنا نواجهة أعمال الحرب.. وفرنسا لن تتهاون في محاربتة".. والكثير منا تساءل، علي من سيعلن الحرب، ومن هو ذلك الشيء الذي سيعلن علية الحرب بلا هوادة، وأي ميدان سيتجه.

 علمونا في المدارس، إن الحرب بين فريقين، كل فريق يمتلك جنودة بمختلف فصائلة وتشكيلاته، تجمعهم راية واحدة، يقفان علي ارض معركة أطلقوا عليها "ميدان"، وكل منهما يقاتل بكل ما يمتلكة علي مر العصور، من سيوف ورماح، الي طيارات ودبابات، كان هذا فيما مضي، اليوم أضحت تلك النوعية من الحروب من الكلاسيكيات، اختفت الجيوش وإضمحلت التشكيلات وإنقرضت الطائرات، ولم يعد هناك راية أو ميدان.

 نظرة سريعة إلي حادث الثالث عشر من نوفمبر الذي هز عاصمة النور "باريس" سيجد ان ما حدث في تلك الليلة ينطبق علي الوصف الذي قالة الرئيس الفرنسي: "أعمال حرب"، فقد شهدت الليلة سبع هجمات مختلفة، استخدمت فيه اسلحة ثقيلة وتفجيرات، سقط أكثر من 160 قتيلاً، ولا يزال يرقد في المستشفيات أكثر من 250 مصابا قد لا يخرج بعضهم سوي إلي القبر، لذلك قال هولاند: "سنخوض حرباً بلا هوادة"، لكن علي من!.

 كانت صدمة حقيقية حينما أدرك العالم أن حالة الحرب التي عاشتها فرنسا ثاني أقوي دولة أوروبية ليلة كاملة، وفي عقر دارها، لم يكن ضد جيش بالمعني المفهوم للمصطلح، رغم وجود الميدان ورغم كثرة القتلي لم يكن هناك فريقين يحاربنان بعضهما البعض، كانوا مجرد ثمانية أشخاص، تنقلوا بين أهداف تم إعدادها بمنتهي الدقة، اعملوا آلة القتل في سبعة ميادين مختلفة، ورغم أنهم قتلوا وفر بعضهم، إلا إنهم حققوا بمنتهي السهولة وبأقل العدة والعتاد ما تعجز عنه الحروب التقليدية.

 "الحروب التقليدية".. تلك هي الكلمة التي كنت ارغب الحديث عنها لتكون مقدمة لكتابي، ولكن الصدفة وحدها هي التي جعلتني أنتظر قليلاً لتشتعل أحداث "باريس" بحرب مختلفة من نوعها، حرب إفتراضية كتلك التي يلعبها الأطفال في نوادي "الفيديو جيم"، حرب يملك ذراع تحريك مقاتليها شخص مجهول يجلس علي بُعد ألاف الأميال، ولكنه يري ميدان المعركة.

 لقد ذُهلت حينما شاهدت فرنسا "بجلالة قدرها" تسير حاملة الطائرات "شارل ديجول" للمشاركة في قتال ذلك التنظيم الإرهابي الذي أعلن مسئوليتة في أعمال الحرب التي عاشتها "باريس"، فتنظيم "داعش" مهما بلغت قوتة التي حولته من مجرد تنظيم إلي "جيش جوال" إلا أنه سيظل مجرد تنظيم إرهابي يمتلك جيشا غير نظاميا، وإن كان يمتلك ما هو أكثر قوة وتأثيرا وخطورة، فهم يستخدمون نفس التكنولوجيا التي تستخدمها الجيوش العظمي.

 هل تعلم أن هناك أكثر من 12 ألف منظومة روبوتية مستخدمة في العراق الآن؟، وهل تعلم أن الطيارون الجالسون في نيفادا يقتلون عن بعد تنظيم القاعدة في أفغانستان؟، هذا ليس خيال علمي، ولكنها الحرب في عصر التكنولوجيا الحديثة، نفس التكنولوجيا التي أضحت متاحة للجميع، حتي التنظيمات الارهابية يمكن ان تمتلكها في منتهي البساطة.

 منذ سنوات تنبأ الكاتب "بيتر سنجر" مؤلف كتاب "الحرب عن بعد: دور التكنولوجيا في الحرب"، إن التقنيات التي قدمها الجيش الامريكي والبريطاني إلي الجماعات الارهابية في العراق وافغانستان ستجلب الحرب إلى عقر دار من اخترعوها، فمع شروع الدول الأخرى، وحتى الإرهابيين، في بناء أو شراء أسلحتهم الروبوتية والالكترونية الخاصة، فإن هذه الثورة يمكن أن تقوض أيضاً التفوق العسكري الأمريكي.

 دعونا نعترف أن التكنولوجا الحديثة رغم أهميتها إلا أنها اصبحت نقمة علي شعوب الأرض، فقد وفرت للجميع علي رأسهم المتطرفون والارهابيون خدمة جليلة في عالم القتل بكل اشكالة، وعلينا ان نفهم جيدا أننا نعيش طبيعة متغيرة للحرب والتهديدات الجديدة للأمن القومي لأي دولة، فالإرهاب يعيش طفرة تكنولوجية ألكترونية سيبرانية غير مسبوقة، مما جعلها تشكل جيوشًا لامتماثلة قادرة علي مقارعة اكبر الجيوش النظامية في العالم، وفي عقر دارها.

 ومع أن الحرب اللامتماثلة والإرهاب الدولي ليس جديدين، فإن التطورات التكنولوجية الحديثة والنظام الجيوسياسي الحالي أكسباهما أهمية استثنائية في العقود الأخيرة، لذلك فقد أنصب التركيز فيما يخص الحرب اللامتماثلة المعاصرة على أشكال محددة من حرب العصابات والتمرد.

 وفيما يخص حرب الفضاء الإلكتروني يتطرق "جون باسيت" إلى الهجمات الإلكترونية التي يجري تنفيذها بالتسلل عبر سلاسل الإمداد، واستغلال السلوك البشري لإنتاج أسلحة إلكترونية واستخدامها عبر إطلاق "البرمجيات الخبيثة"، لذلك يرى أن الوتيرة المتسارعة لتطور هذه الأسلحة ونشرها تهدد بأن يتقدم هذا التطور كثيراً على الجهود الدولية الرامية إلى تأمين الفضاء الإلكتروني ليصبح مجالاً للجميع.

 ومع بدء عهد التواصل الاجتماعي تغيرت طبيعة وشكل التنظيم الإرهابي، فقد تمكنت التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" وأخواتها، أنها من خلال تلك التقنية الحديثة يمكنها أن تدخل كل بيت في قارات العالم الست، وأن تلك التقنية ستحقق لها عدة أهداف، أولها وأهمها الانتشار وبث الرعب في قلوب محاربيها والأكثر اهمية تجنيد عملاء جدد يرغبون في الانتماء اليها.

 الفيسبوك.. داعش نموذج:

 تنظيم داعش الارهابي أدرك منذ الوهلة الاولي الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإجتماعي في جعل تنظيمها عابراً للقارات، من خلال صناعة افتراضية تفوق الواقع، فهو ما إن يطأ أرضاً حتى يبادر بشكل منظم وسريع في تغذية المواقع بأخباره صوتاً وصورة، فمن بين سبعة حسابات فتحها التنظيم في محافظات صلاح الدين وديالي والأنبار ونينوى أغلق منها خمسة، كما تم غلق الحساب الرسمي للتنظيم على "فيسبوك"، غير أن حسابات جديدة سرعان ما تظهر لتحل مكانها.

 ويستخدم تنظيم داعش وسائل الاعلام الاجتماعية لنشر أفكارها ولتهديد أعدائها وذلك بنقل التفاصيل الدموية لذبح وحرق الأسرى، وتعززت السمعة الوحشية لقوتها العسكرية، عن طريق وسائل الإعلام الجديد، والتي من خلالها تمكنت من إضعاف مقاومة أعدائها، بل وقاد البعض منها إلى الفرار من المعركة، وفيما بعد قامت بتوجيه نداءات على صفحاتها علي تويتر والفيسبوك للمستهدفين من الشباب من كلا الجنسين لجذب مجندين والتماس التمويل على الانترنت فضلا عن التهديدات للأعداء الحاليين والمحتملين.

 سلاح التغريدات:

 "سلاح التويتات".. عبارة هزليه ولكنها تلخص ما جاء في دراسة مركز "بروكينجز" الأمريكي والتي أعدها خصياصا عن تنظيم "داعش" الإرهابي" وكشفت مدي استفادة التنظيم من الأساليب المتطورة عن طريق شبكة الانترنت لاستقطاب أعداد كبيرة من المجندين في صفوفه يعتمد، حيث يعتمد علي أكثر من 45 الف موقع علي تويتر الألكتروني من أجل الترويج ونشر الحملاته الدعائية عبر مواقع التواصل.

 الدراسة أظهرت أن نحو 45 ألف شخص من مستخدمي موقع تويتر ممن تمكن تنظيم "داعش" الإرهابي من تجنيدهم لصالحه يعملون على نشر دعايات التنظيم الإرهابي ورسائله، ولديهم آلاف الحسابات الإلكترونية التابعة لهم الأمر الذي أسهم بتطورهم بشكل متواصل على الرغم من محاولات تعليق أعمالهم وحساباتهم على الإنترنت، في محاولات أعتبرها البعض ناجحة لوقف أعمال هؤلاء الأشخاص ووقف انتشارهم.

 أما عن الكيفية التي استخدام بها تنظيم "داعش" الإرهابي شبكة الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي فلم تكن غامضة، فقد كان من الضروري استهداف مستخدميه الأكثر نشاطاً، خاصة تلك الحسابات التي تم جمعها على مدى العامين الماضيين وإضافتها إلى الوثائق المتعلقة باستراتيجية تنظيم "داعش" الإرهابي تعمل بطريقة منسقة لتوسيع رسائل التنظيم، كما ان موقع تويتر الإلكتروني بدأ باستهداف حسابات التنظيم قبل فترة قصيرة من نشر شريط الفيديو الذي يظهر إعدام "جيمس فولي".

 صور الآنستجرام:

 الغريبة ان تنظيم داعش لم يتجاهل مواقع الصور الاشهر "آنستجرام" و"تمبلر"، بإعتبارهم موقعين يمكن أن يسهما في صناعة "بروبجاندا"، وتساعد في تضخيم حجم سيطرتها ونفوذها، وبث الرعب والخوف في نفوس خصومها.

 والأكثر من ذلك قام التنظيم باقتحام عالم تطبيقات الهواتف الذكية، فأحد مشاريع "داعش" في هذا المضمار تصميم تطبيق "فجر البشائر" باللغة العربية على موقع "تويتر"، الذي أطلق عام 2014 ويتم تسويقه على أنّه منتج "داعش" الرسمي، إذ يتيح لمستخدميه بالإطلاع على آخر أخبار التنظيم الجهادي من خلال الإشتراك بالإنترنت أو على هواتف أندرويد من خلال تحميله من متجر جوجل، وهذا التطبيق لا يشبه غيره من التطبيقات، فمنذ لحظة تنزيله يبدأ بنشر تغريدات على صفحة المستخدم الشخصية بشكل آلي، وتتضمن التغريدات روابط وهاشتاج وصوراً وفيديوهات، ويتم نشر المضمون ذاته والتغرديات من حسابات جميع الذين نزلوا التطبيق، لكن بفوارق زمنية محددة لتفادي الشبهات.

  مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية أشارت إلى أن نشاط التطبيق في نشر التغريدات بلغ حجماً قياسياً خلال هجمات "داعش" الأخيرة لتبلغ حدود 40 ألف تغريدة في اليوم الواحد، وعندما بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن تقدمها صوب العاصمة بغداد، بدأ مئات مستخدمي تطبيق "فجر" بإرسال آلاف التغريدات التي تضمنت صورة لأحد مقاتلي داعش ينظر إلى علم التنظيم يرفرف فوق المدينة مع نص مكتوب على الصورة يقول: "إننا قادمون يا بغداد".

 وكان حجم هذه التغريدات كبيراً، لدرجة أن أية عملية بحث عن كلمة بغداد على موقع "تويتر" سينتج منها ظهور صورة مقاتل داعش هذا في المقام الأول، وهو ما استخدم بالتأكيد كواحدة من وسائل ترهيب سكان المدينة، وتمت لاحقاً إزالة التطبيق من متجر جوجل للتطبيقات لمخالفته الأنظمة، وان كانوا في حساباتهم الخاصة على "تويتر" يعدون مؤيديهم بالعودة من جديد.

 هنا يمكننا إجابة السؤال المسكوت عنه دائماً، وهو كيف استطاع تنظيم داعش ان يقوم بتجنيد واستقطاب وكسب كل هذا الدعم والتأييد؟، كيف فعل كل هذا رغم رغم ممارساته الوحشية التي يحرص على بثها لمشاهد الإعدامات الجماعية وقطع الرؤوس والتهليل والتكبير على ذلك؟، كيف يفعل هذا وهو يتفنن في ابتكار الوسائل المرعبة في القتل كتصوير شباب تحفر قبور آباءهم قبل أن يُنفذ بهم حكم الاعدام؟، وهنا يجب الإشارة إلى أن التنظيمات الجهادية تستهدف من خلال مواقع التواصل الاجتماعي إيصال رسائلها إلى ثلاث فئات، أولها المؤيدون والمتعاطفون بهدف التواصل معهم وتجنيدهم واستثمارهم والحصول على دعمهم ومساندتهم، وثانيهم الرأي العام بغرض تأكيد قوة وانتشار نفوذها وتحركها على الأرض، وأخيرا الخصوم بهدف الرتهيب والتخويف.

 الحقيقة ان تنظيم "داعش" يدير هذه العملية بدهاء، فهو حينما يقدم ويستعرض مشاهد القتل الوحشي، يضع تعليقاً من منظوره لتلك المشاهد، فعلي سبيل المثال يكتب علي الشريط: "تصفية المئات من قطعان الجيش الصفوي وراية الدولة تعلو فوق جثثهم"، فهو تقدمها لأناس تفشت بينهم مشاعر خيبات الأمل والإحباط والخذلان واليأس والغضب الشديد لهم مما يجري ويمارس عليهم من سياسات طائفية، فيحاول أن يظهر وكأنه تمكن مما عجز عنه غيره تجاههم، وفي المقابل يقدمها لخصومه كافة بغرض بث الرعب والخوف والترويع وإضعاف معنوياتهم، وفي الوقت نفسه بدأ يسعى إلى ترويج صور تقديمه المساعدات والتفقد للأهالي في المناطق المسيطر عليها، بغرض إحداث خلخلة لدى المتعاطف تجاه ما يسمعه ويقرأه عن وحشية التنظيم.

 

 

تعليقات