باحث بملف الإلحاد: الفرائض في الإسلام أبرز الأدلة على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
- الجمعة 22 نوفمبر 2024
وخز الضمير
من الحيل الدفاعية اللاشعورية التي تلجأ إليها النفس عند المشاكل والتحديات: الإنكار والهروب؛ حيث يقوم المرء بإنكار الحقائق حتى لا يضطر للتعامل مع لوازمها وتوابعها. فقد يكون المرء مبتلى بشهوةٍ ما، ويحيا صراعًا داخليًا رهيبًا بين شهوته وضميره الذي يمنعه وينهاه عنها! ويتفاقم هذا الصراع الداخلي بكل ما يمثله من شعور قاهر بالذنب وضغط نفسي يؤثر على حياته ويشتت تفكيره!
عند هذه اللحظة قد يتعلق الإنسان بأدنى سبيل يحقق له الخلاص من هذا الصراع
والشعور بالذنب؛ فإذا جاءه من يقول له إنه لا يوجد إله ولا أديان ولا شريعة، أو
أنه يمكنه ممارسة شهواته بذريعة الليبرالية أو الحرية الجنسية، فعندها قد يهرع هذا
الشاب إلى اعتناق هذه الأفكار حتى يتخلص من وخز الضمير المتواصل، ويقضي على الشعور
بالذنب!
وهذا مسلك مشهور لترويج زخارف المذاهب الفاسدة، فتجد مثلا ريتشارد دوكينز،
أبرز دعاة الإلحاد الجديد، ينتقد مفهوم الخطيئة والشعور بالذنب عند المؤمنين، ويرى
أن مقاومة الشهوات ومحاربتها ليست فقط فاشلة وغير مجدية، بل هي أصلاً معركة في
الاتجاه الخاطئ!
والحل من وجهة نظره هو الاستسلام التام لهذه الشهوات وإطلاق العنان لها،
ويحكي عن الرسائل التي تصله ممن اتخذوا قرار الإلحاد، بأنهم يشعرون بعده براحة
نفسية كبيرة وانعتاق من إلحاح الضمير.
وهذا حقيقي.. لأن الذي يحسم الصراع الداخلي بين ضميره وشهوته لصالح
الشهوة، ويقوم باغتيال الضمير والقضاء عليه، سوف يشعر بالطبع براحة مؤقتة نتيجة
انتهاء الصراع. لكن في المقابل اللهاث وراء الشهوات دون كابح لن يمنحه السعادة، بل
سيجعله أكثر بؤسًا وتعاسةً!
لماذا؟
لأنه قد اتخذ القرار بحرمان نفسه من أهم مصدر للراحة النفسية والسكينة، وهو
الإيمان بالله، فهذا هو أصل السعادة الموافقة لفطرة الإنسان ولروحه، وهو الشيء
الوحيد القادر على منحه سعادة روحانية عميقة تنسجم مع عقله وقلبه. أما البديل فسوف
يكون شهوات قصيرة متتابعة، شهوة تلو شهوة، لا يدوم أيُها إلا لحظات، ثم يشتاق
بعدها لما بعدها، ثم ما بعدها، ثم ما بعدها، في سباق محموم وحرمان لا ينقطع، فهذه
ليست سعادة حقيقية، بل بؤس حقيقي!
هذا لأنه لا يجد ما يملأ به فراغ روحه، فيلهث وراء الشهوات واللذات
اللحظية، حتى تحرقه تمامًا! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ((إن للكفر والمعاصي من
الآلام العاجلة الدائمة ما الله به عليم؛ ولهذا تجد غالب هؤلاء لا يطيبون عيشهم
إلا بما يزيل عقولهم ويلهي قلوبهم، من تناول مسكر، أو رؤية ملهٍ أو سماع مطرب ونحو
ذلك)).
وهذا حقيقيٌ؛ فهؤلاء لا يجدون مفرًا من شقاء الدنيا وهمومها إلا في سماع
الأغاني ومشاهدة الأفلام ومتابعة البرامج الفكاهية الساخرة والانهماك في ألعاب
الكمبيوتر والانخراط في الشهوات، وهذه كلها أشياءٌ مبنيةٌ على إلهاء المرء وتغييب
عقله حتى ينسى همومه ومشاكله، ولا تحمل في الحقيقة زادًا للنفس أو الروح يعينها
على المواصلة والاستمرار، فضلاً عن معاندة الموانع ومقاومة العقبات.
لهذا السبب لا يجد المرء سعادة حقيقية ولا لذة فعلية إلا في طاعة الله
والقرب منه والأنس به، بل إن دقائق معدودة من التضرع بين يدي الله تعالى والتذلل
له وانسكاب الدموع في حضرته يعطيان المرء من القوة والحماس والنشاط لمواصلة
المشوار ما لا يجده أبدًا في شهوة خاطفة أو لذة عابرة، فضلاً عن فيلم أو مسلسل أو
أغنية.
وبالتالي لا ينبغي أن نستسلم للشهوات أو أن نترك شبابنا يستسلم لها، بل
لابد أن نعلمهم ونغرس فيهم وجوب مقاومة الشهوات واستشعار خطرها، فالإنسان إذا
استشعر الخطر حشد كل قوته وإمكانياته وحصلت له همة في دفعه وصرفه عن نفسه، وهذا لا
يكون إلا بالحرص على تزكية النفس كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}
.
لهذا علينا أن نغرس في النشء أن يكون مشروع حياته هو تزكية نفسه، وأن يترقى
بها في العبادات. نحن نقرأ أمثلة أن فلانًا من السلف كان يقوم الليل بألف ركعة،
وغيره يختم القرآن كل ثلاثة أيام، فهل بلغوا هذه المنزلة فجأة؟! أم أنهم تدرجوا في
تزكية أنفسهم وتنمية عبادتهم حتى انتهوا إلى هذه المستويات؟
وهذا هو ما نريد أن نغرسه في الشباب عند حكاية أحوال الصالحين، أن نشجعهم
على الارتقاء الدائم والمستمر في منازل الروح عن طريق اتساع القلب وانشراح الصدر
بحصول العبادات القلبية التي أمر الله بها مثل: الحب والخوف والرجاء والتوكل
والإنابة والإخلاص والتوبة والصبر والشكر والرضا والافتقار إلى الله وغيرها، بخلاف
من يزعمون أحوالًا ومقاماتٍ ليست في الكتاب والسنة مثل: المحو والصحو والفناء
والبقاء والسكر والهيمان! فهذه الأحوال المخترعة ليست مما علمه رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأتباعه.
المقصود أن الهجوم هو خير وسيلةٍ للدفاع ومقاومة الشهوات، والنفس البشرية إن لم تنشغل بالحق انشغلت بالباطل، لهذا فإن تزكية النفس وحشد العبادات القلبية فيها وتنميتها وتزكيتها هي أهم سبل مقاومة الشهوات.