هل الكائنات الحية رُباعية الأبعاد؟
- الأربعاء 27 نوفمبر 2024
نشر حساب "الباحثون المسلمون" اليوم، تقريرا عن النوم وأهميته وكيف يحدث، ضمن حملة "أفلا تبصرون"، موضحا أنه لا كتب علم الأعصاب لا تجد حرجا في وصف ظاهرتيّ النوم والاستيقاظ على أنهما عمليتان معقدتان وغامضتان إلى حد كبير حتى اليوم، وبعكس ما قد يظنه البعض أنّ الدماغ خلال النوم "يتوقف عن العمل" فالحقيقة عكس ذلك تماما، بل إنه بتعبير قد يكون صائبا.. يغيّر نمط اشتغاله Mode بكيفية لا يمكننا وصفها إلا بشيء من التفصيل، ولا نعلم عن فوائد النوم إلا قليلا.
تشير الأبحاث
إلى أهمية النوم بدليل أنّ جميع المخلوقات الحية على الكوكب تنام ولو اختلفت في
الطريقة، وأنّ قلّة النوم خلال السنوات الـأولى من الحياة تؤدي لعدم اكتمال نموّ
الدماغ وموت الخلايا العصبية وظهور مشاكل عديدة في السلوك والذاكرة!
كيف يحدث النوم؟
مباشرة فوق العصب البصري تتواجد نواة عصبية اسمها Suprachiasmatic nucleus، في المساء ومع انخفاض
شدة الضوء تتحسّس لذلك فترسل برقيّة —مفادها أنه قد حلّ الظلام— إلى حزمة أعصاب في
الجزء الأعلى من جذع الدماغ تسمى Reticular activating system (سنختصرها في هذا المنشور إلى RAS، مبيّنة بشريط أحمر في
الصورة)، وهي مجموعة من الأعصاب
التي تنظم النوم واليقظة والساعة البيولوجية، وعندها تبدأ الـRAS ببعث أوامر إلى عدة غدد لإفراز مقدار
معيّن من الهرمونات والمركّبات الكيميائية كالكورتيزول والميلاتونين وTSH والهيستامين ونشرِها في الدم إلى كلّ
أنحاء الجسم لحثّه على النوم، كما تثبّط توتّر العضلات Suppression of muscle tone لمنع الإنسان من الحركة أثناء النوم
وتنفيذ ما قد يراه في أحلامه!
خلال النوم يكون
لحزمة الـRAS دور كبير في تقرير مواصلة النوم أو
إيقاظ الإنسان، ولكن كيف؟ تصل إلى هذه الحزمة ألياف عصبية من العين Visual inputs والأذن Auditory inputs والجلد Sensory inputs ترسل كلّ ثانية تقاريرَ إليها، وتقوم
الـRAS بفلترة تلك التقارير وفرز المعلومات
النافعة من الضجيج Filtering incoming stimuli & descriminate irrelevant noisy
stimuli،
فمثلا الهواء المنبعثُ من المكيّف إذا لامس الجلدَ وبلّغ الجلدُ عن ذلك، فإنّ حزمة RAS تعتبره ضجيجا لا يستحق إيقاظ الجسم من
أجله، وكذلك الأمر إذا بلّغت الأذن عن صوتِ السيارات في الحيّ، لكنّ صوت طرق الباب
والمنبّه أو هبوب عاصفة قوية مثلا فتلك منبّهات قوية تقرّر حزمة الـRAS إيقاظ الجسم بأقصى سرعة عند حدوثها من
خلال تعديل الإفرازات الهرمونية في الدماغ وكذا إرسال أوامر بالاستيقاظ إلى كلّ
مناطق القشرة الدماغية Cortex .. من يريد دراسة تفاصيل هذه العملية التي تحدث يوميا سيحتاج قراءة مئات
الكتب عن الأمر، وبعد ذلك سيكتشف أنّ ذلك لا يعادل إلا جزءا يسيرا من الصورة
الكاملة لظاهرة نوم الإنسان واستيقاظه، لأنّ هناك مناطقا دماغية عديدة تشارك في
تحقيق ظاهرتي النوم واليقظة بشكل صحيح، بعضها يزداد نشاطها عكس البعض الآخر، وذلك
بتدخل مبلّغات عصبية معينة بتركيز شديد الدقة، فعلى سبيل المثال يشار المهاد Thalamus في تنظيم دورة النوم واليقظة، وإصابته
بتلف يؤدي إلى غيبوبة دائمة!
وقد كان النبي ﷺ يُعلِّم أصحابَه فيقول: ❞إذا أصبح أحدُكم فليقل: اللهم بكَ أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت❝، وهذا ليس دعاءً عبثيا . . . اللهم قد أصبحنا بفضل حزمة الـRAS التي أودعتَها في أدمغتنا، وكفيتنا عناء التحكّم فيها فهي تعمل آليا، ممّا سمح لنا بقضاء شؤوننا اليومية بحرية ونشاط، والتمتع بالراحة في الليل دون اضطراب.