الرد على شبهة أن «شريعة الإسلام جاءت لتقاتل الناس كافة إن لم يؤمنوا بالإسلام»

  • جداريات Jedariiat
  • الخميس 22 يونيو 2023, 10:23 مساءً
  • 211

قال محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، إن البعض يدعي أن شريعة الإسلام جاءت لتقاتل الناس كافة إن لم يؤمنوا بالإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ ).

وأوضح ـ في منشور عبر حسابه الرسمي على فيس بوك ـ أن الرد على هذه الشبهة، يجب الإشارة فيه أولا إلى أن ديننا لم يأمرنا قط بإجبار الناس أو إكراههم على اعتناق الإسلام، وإلا لو كان الأمر قهري يُسلب حرية إرادة الإنسان في الاختيار بين الحق والباطل لخلقنا الله ابتداء على صورة خلقه من الملائكة الكرام مسيرين لا مخيرين،  إنما نجد الله يُخبرنا في الإسلام في نصوصٍ كثيرة محكمة وجلية بعدم جواز إكراه الناس في دين الله تعالى، قال تعالى: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ ). ( البقرة / ٢٥٦ ). وقال جل في علاه: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). (الكهف / ٢٩)، و قال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ). ( هود/ ١١٨ )،  وغير ذلك من الأدلة الدالة على ذلك.

 

وتابع: لكن علي المسلم أن يبلغ الناس دين الله ويقيم عليهم الحجج والبراهين، وبعد البلاغ وإقامة الدعوة لا يجوز لمسلمٍ قط أن يُكره الناس على الدين قط. قال تعالى: ( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ). ( التوبة / ٦ )، وفى هذه الآية المباركة يأمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أنه إذا أقبل عليه أحد ليسمع منه الإسلام عليه أن يُسمعه ويرشده ثم بعد ذلك يُبلغه مأمنه أي يعطيه الأمان ويتركه لشأنه دون أن يتعرض له بشيء من الأذى.

وواصل: بعد هذه المُقدمة نقوم بإيضاح المقصد من وراء الحديث:

أولاً: لابد من توضيح وتحرير المصطلحات لتتضح الصورة للجميع، فما المقصود بكلٍ من" أُقاتل " و "الناس"؟ .. المقصود بكلمة أُقاتل بالحديث : نجد أن النبي صلى الله عليه و سلم يبدأ حديثه بقول "أمرتُ أن أُقاتل الناس" ولم يقل "أُمرتُ أن أقتل الناس" والفرق بينهما كبير، ولو قال أمرتُ أن أقتل الناس هذا يلزمه أن يدخل على الناس من غير المسلمين بيوتهم ليقتلهم أو يهددهم او أنه يقتل كل من وجده في طريقه من غير المسلمين إن رفضوا الدخول في دينه.

أما أُقاتل فهي تدل على المشاركة بين طرفين. أي أُمر النبي أن يُقاتل من يمنعه نشر دعوته إلى الله ونشر الحق بين الناس. فإن لم يعترضه أحد أثناء دعوته تُصبح الدعوة سلمية كما هي في الأصل وكما عمم النبي صلى الله عليه وسلم هذا السلام بين الناس كافة بمختلف أديانهم حيث قال: "يا أيها الناس: أفْشُوا السلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"(رواه أحمد، والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي). إنما إذا تصدى لدعوته أحد فهو يقاتله دفاعاً عن نفسه ودينه و نشر الحق للناس. وهذا من تمام العدل وإكرام الناس أن يخبرهم ويصل إليهم بالدعوة ففى الكتمان ضلال لا يرضاه عاقل سوى.

كما أن المقصود بكلمة الناس بالحديث: كلمة الناس في هذا الحديث كلمة عامة يراد بها الخاصة وهذا موجود عند العرب وفى العربية وأدلة وجوده وقبوله من القرآن والسنة كثيرة جداً منها قول الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). (آل عمران / ١٧٣). فنجد في هذه الآية ثلاثة أصنافٍ من الناس وهم: ١- قوم قيل لهم: وأشير لهم بالذين قال لهم، أي جماعة من الناس قِيل لهم.

٢- والناس الأولى بالآية الذين قالوا لهم همُ: "المنافقون".

٣- والناس الثانية بالآية هم: "المشركون".

وأردف: هنا نجد أن جماعة من الناس وهم المنافقون قالوا لجماعة أخرى من الناس أن الناس من المشركين قد جمعوا لكم فاخشوهم، بل نحن في حياتنا اليومية قد نستخدم هذه اللفظة العامة التي يراد بها الخاصة، مثال ذلك: إذا غلبك صاحب العمل الذى تعمل به تجد نفسك تقول له "أرحم الناس" ولا يفهم من هذا أنك تطالب مديرك أن يرحم كافة الناس في الأرض بل يُفهم أنك تطلب منه أن يرحم ويرفق بمن هم تحت يديه من الناس في العمل.

وأكمل: الشاهد أن كلمة الناس التي جاءت في الحديث لا يُقصد بها كافة الناس، إنما يخرج منها المسلمون والمعاهدون والمستأمنون وأهل الذمة فيتبقى لنا بعد إخراج ما تم ذكره المحاربون فقط وهم الذين يتصدون لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقفون أمامها، وهذا ما يؤكده كلمة "أُقاتل" التي تم شرحها سلفاً والتي هي معناها أن أحارب من يحاربني، أما عن أدلة عدم جواز قتل المستأمن والذمي والمعاهد في الإسلام كثيرة لكن لسنا بصدد عرضها هنا،  وعليه فقتال المقاتل المعتدى شيء واجب لا يستنكره أحد "أنا غيره فلا وإلا فلماذا لم يقال النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبو طالب وهو من عامة الناس غير المسلمين؟! ".

 

ثانياً: النبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش بين ألوانا من الناس ولم نره أنه قاتلهم جميعاً بل نجد العكس تماماً، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم فور وصوله إلى المدينة المنورة أصدر وثيقة دستورية تُسمى بوثيقة المدينة لتنظم حياة سكان المدينة من المهاجرين والأنصار ولتنظيم علاقاتهم مع اليهود، وقد شملت هذه الوثيقة بنوداً كثيرة شملت الطرفين من المسلمين واليهود منها :

حق المواطنة للطرفين كما نجد ذلك فى وصف رسول الله ليهود بنى عوف أنهم أمة من المؤمنين.

حق الاعتقاد "لليهود دينهم والمسلمين دينهم".

حق الأمن والأمان للطرفين.

حق المساواة فالمسلم وغيره كلاهما أمام القانون سواء.

حق التملك للطرفي المسلم وغيره.

وغير بلك من بنود الوثيقة العادلة.

فلو كان مأمورا بقتال الناس حسب فهم وظن البعض فلماذا لم يقاتلهم بدلاً من وضعه لهذه الوثيقة الطيبة التي تدل على أن الإسلام احتضن غير ملته وأعانه على الظلم الذى يقع عليه؟، وهما يتضح للمنصف مقصد الحديث وعدم تعارضها مع آيات القرآن الكريم التي نهت عن إكراه غير المسلم وإجباره للإسلام.


تعليقات