محمد سيد صالح يرد على "شبهة جهاد الطلب"

  • جداريات Jedariiat
  • الأربعاء 14 يونيو 2023, 00:41 صباحا
  • 342

قال محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، إن من الشبهات التي تُثار حول الإسلام شبهة جهاد الطلب، وفيها يتهمون الإسلام بأنه معتد على الآخرين في بلادهم دون وجه حق.

وفي رده على تلك الشبهة ضرب مثلا للتوضيح، قائلا: "أنا أعمل مدير مطعم بالمملكة العربية السعودية، وبعد انتشار وباء كورونا المستجد وجدتُ عدة هيئات مختلفة من وزارة الصحة والبلدية والشرطة دخلوا علينا بعدد كبير من السيارات وتوجهوا إلى سكن العاملين بالمطعم لمعاينته، ثم جاء بعدها مالك المطعم ليعرف طلباتهم".

وتابع: "بعد معاينة الهيئات لسكن العاملين اعترضوا على معظم التجهيزات الموجودة بالسكن وعلى حسب رؤيتهم أن تلك التجهيزات لا تتناسب مع وباء كورونا. وطالبونا بتقليل عدد العاملين في كل غرفة حيث يكون لكل عامل مساحة 12 متر مربع، وتزويد السكن بمنافذ تهوية، وشفاطات، وتزويد السكن بمطبخ مركزي يكون من الاستانليستيل، وألزمونا بتجهيز مكان مخصص للطعام، حيث لا يأكل العامل داخل غرفته، وإلزامنا بوضع إرشادات صحية بكافة لغات العاملين بالمطعم ليفقهوا الاحترازات المطلوبة للوقاية من الفيروس، كما أنهم ألزمونا بتزويد السكن بالمطهرات والمعقمات والكمامات والقفازات، وألزمونا بتوقيع عقد مع شركة نظافة تأتى كل يوم لتصبح مسؤوله عن سكن العاملين وغيرها من الطلبات التي تحتاج إلى وقتٍ و جهدٍ ومال".

وواصل:  أريدك أن تتخيل معي لو منعهم صاحب المطعم من الدخول ورفض تنفيذ كل شروطهم، بحجة أنه صاحب المطعم وصاحب السكن ومالكه، ثم قال لهم ليس من حقكم ولا شأنكم التدخل في شؤون العاملين لدينا، وأن هذا ليس مطعمكم يا تري ماذا سيكون رد فعل وزارة الصحة والشرطة والبلدية؟! بالطبع ستلزمه جبراً وإلا ستغلق المطعم. ولو تجاوز مالك المطعم وأصر على رفض ما طالبوه سيسجن لا محالة. ولو قام مالك المطعم برفع السلاح عليهم وحاول قتلهم أو قتل أحد من أفرادهم سيقتلوه على الفور، أليس كذلك؟ وقتها لن يتعجب أحد من ردة فعل هذه الهيئات الحكومية، بل سيتعجبون من اعتراض صاحب المطعم، لعدم اكتراثه واهتمامه بصحة العمال. بل سيتغنى الناس بردة فعل هذه الهيئات وأنها ما فعلت ذلك إلا لصالح الإنسان والشعب والمجتمع، لأن الإهمال في حق هؤلاء الموظفين يجعل الوباء يزداد وينتشر بين جموع الناس.

الرد على شبهة جهاد الطلب

وأردف في رده على شبهة جهاد الطلب الأرض كلها هي أرض الله وحده وليس لها مالك سواه، وهو الذى أرسل نبيه للعالمين و أمره بتبليغ الناس بدستوره ودينه لتنضبط حياتهم وتسعد وتنعم وتستقيم حسب إيماننا نحن المسلمين. ولأن الإسلام دين نزل للعالمين فكان واجباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم نشره في كل أنحاء الدنيا حتى لا يكون لأحد حُجة عدم التبليغ، وهذا ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يسعى لإيصال رسالة الله للبشر جميعا.

 لكن كيف كان يفعل ذلك؟

كان صلى الله عليه وسلم يبدأ الدعوة بأن يرسل رسلاً إلى الأمراء والملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام وتوحيد الله عز وجل وترك عبادة الأصنام ( كما كان عند العرب )، وترك عبادة البشر ( كما في النصرانية)، وترك عبادة النار (كما في المجوسية) ، إذاً فالأمر كان يبدأ في سلام وليس بطلب الجهاد كما يعتقد البعض وهذا كان نص رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم  "بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إلى هِرَقلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلى مَن اتَّبَعَ الهُدى، أمّا بَعدُ، فَإنِّي أدعُوكَ بِدِعايَةِ الإسلامِ، أسلِم تَسلَم، وأسلِم يُؤتِكَ اللَّهُ أجرَكَ مَرَّتَينِ  (صحيح مسلم). كما يُلاحظ أدب رسول الله صلى الله عليه و سلم في إنزال هرقل الروم منزلته حين وصفه ب – عظيم الرومحتى أننا نجد باباً كاملاً في صحيح مسلم اسمه باب كتب النبي -ﷺ- إلى الملوك يدعوهم [١٢٩٠] عَن أنَسٍ: أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -ﷺ- كَتَبَ إلى كِسرى وإلى قَيصَرَ، وإلى النَّجاشِيِّ: وإلى كُلِّ ملك من ملوك الدنيا ليَدعُوهُم بترك الجهل وعبادة كل ما هو دون الله والتوجه إلى عبادة اللَّهِ وحده الذى لا شريك له.

وأكمل: لكن ماذا كان يفعل الملوك أمام هذه الطريقة المسالمة؟! ، كانوا يقتلون الرسل الذى يرسلها رسول الله بالسلام كما فعل عمرو بن شرحبيل وهو ما كان سبباً في قيام غزوة مؤتة، أو كانوا يمزقون رسائل النبي صلى الله عليه وسلم كما فعل كسرى ويتوعدون دعاة المسلمين بالقتل إذا حاولوا دعوة الناس في البلاد ، بل ويتوعدون العوام بالقتل إذا دخلوا في الإسلام .

فكان يجب كسر هذه الجدر المنيعة التي تحول ببن الناس وبين الإسلام، فيكون للناس كامل الحرية في دخول الإسلام أو عدم الدخول فيه بعد عرضه ونشره بينهم. ورفض هؤلاء الملوك الجبابرة كان لأجل دنيا زائله حتى وإن كان ذلك على حساب نشر الحق. أما المسلمون لم تكن غايتهم الحرب مطلقاً. لكن بتصدي هؤلاء الملوك الجبابرة لرسائل المسلمين ومنع دعوة رسول الله، كان واجباً على المسلمين قتالهم لأمرين:

أولهما: ليصلوا بدعوة الإسلام إلى عامة الناس وخلاصهم من عبادة العباد والذل للبشر أمثالهم إلى عبادة رب العباد الذي كرم خلقه جميعاً. ولم يكن قتال المسلمين لهؤلاء الجبابرة لأجل إكراه الناس على الدخول في الإسلام، إنما لوصول الإسلام إليهم.

وثانيهما: وهو نصرة المستضعفين الذين إذا ما أعلنوا إسلامهم في بلاد الكفر قتلهم هؤلاء الملوك الكفار، فكان يجب توسيع رقعة الإسلام وأن تكون الغلبة للإسلام في ذاك الزمان الذي لا يعترف إلا بالقوي، فالضعيف فيه مقهور مذلول لا شأن له ، فعندما تعلو كلمة الإسلام وتكون الغلبة له ؛ يستطيع كل إنسان اعتناق ما يشاء من الأديان سواء يريد الإسلام أو النصرانية وغيرها دون إكراه حيث قال عز وجل " لا إكراه في الدين " وهي آية محكمة غير منسوخة بإجماع العلماء. وهذا كان واضحاً لا غبار يشوش عليه، فكان يعيش تحت راية الإسلام النصراني واليهودي والمجوسي.

أما نصرة المستضعفين فهذا لا يختلف عليه إلا ظالمٍ مُستبد، ونصرتهم مصداقا لقوله عز وجل: ( وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ). (النساء ٧٥)

فهل تمانعون نصرة المستضعفين، أو تريدون من المسلمين أن يكونوا ضعفاء وتضيع دعوتهم في زمان لا يعترف إلا بالقوي، أم تتوقف دعوة الإسلام وما جاء به من حق وينشر بدلاً منه الجهل والظلم والشرك والاستعباد؟!

وكما نشكر الهيئات الحكومية على أنها سعت لتوجيه الناس للوقاية من المرض كما هو في المثال السابق، على كل عاقل سوى أن نشكر الله ورسوله على إقامة الحُجة ونشر الحق وتوجيه الناس للوقاية من النار..

واختتم: جهاد الطلب هو رد فعل طبيعية أوجبها الإسلام بعد رفض جبابرة البلاد طلب السلام، ففي جهاد الطلب خير ورحمة للعالمين، فالإسلام لا يبدأ بالقتال في كافة حالات نشر دعوته، بل يعتبر الإسلام الصلح والسلام هو الفتح الحقيقي المُبين لذا نجد قول الله تعالى: ( إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ) ( الفتح / ١ ). وهذه الآية نزلت بعد صُلح الحديبية، ودخول المسلمين مكة دون أن يرفع واحداً منهم سيفاً، فالإسلام قد سمى الصُلح فتحاً بل فتحاً مُبينا وهذا لا يدل إلا على سلامة الإسلام الذي غايته هداية الناس جميعاً إلى الحق بالحق.

تعليقات