هشام عزمي يكتب: أبو شبر

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 11 يونيو 2023, 8:50 مساءً
  • 751

في بداية دراستنا للعلوم الشرعية كان مشايخنا دومًا يحذروننا ألا يكون أيُنا أبا شبر؛ فإن العلم ثلاثة أشبار: من دخل في الشبر الأول تكبر، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه لا يعلم، فإياك أن تكون أبا شبر!

من أسباب وقوع الشباب في الانحرافات الفكرية هو نموذج أبي شبر، نموذج السطحية الفكرية! تجده قد قرأ كتابًا موجزًا في مسألة ما، فيخرج علينا يجزم ويقرر! بل ربما لم يقرأ إلا مقدمة الكتاب والفهرس، بل قد يكون ما اطلع عليه هو مجرد فيلم وثائقي في موضوع ما، فتجده يتكلم وكأنه قد حاز جوامع العلوم، فيثبت وينفي، ويجزم ويشكك! تجده يقول مثلًا إن العلم أثبت أنه لا حاجة للخالق لنشأة الكون! أو إنه أثبت أن الإنسان قد نشأ من أسلاف سابقين أشباه للقرود! أو إنه لا يوجد إله! أو غيرها من الأحكام الجازمة القطعية التي تُلقى بمنتهى السهولة وكأنها منتهى العلوم!

هذه هي أعراض السطحية الفكرية التي يُبتلى بها كثيرٌ من الشباب، بينما هذا الشاب لو تأني وصبر وتعمق في القراءة والبحث، لاكتشف أمورًا خطيرة غابت عنه في أول مشواره، وأن الأحكام القطعية اليقينية النهائية التي كان يُصدرها بكل أريحية، ليست على هذه الدرجة من الصحة واليقين التي كان يتصورها، وأنه يحتاج إلى مراجعة وتنقيح أفكاره ومعرفة درجتها الحقيقية بين الظن واليقين، وأنه ما زال أمامه الكثير والكثير ليتعلمه ويستوعبه، وأن ما كان بالنسبة له أمرًا مقطوعًا به في السابق، ليس إلا قضايا مظنونة محل بحث وجدل، بل أبعد من هذا قد تكون مجرد زخارف ملونة ليس لها نصيب من الحقيقة! يقول الشاعر:

فاليومَ حين فتحتُ عين بصيرتي ... أصبحتُ أعلمُ أنني لم أعلمِ.

ويقول ابن خلدون: ((شعورُ الإنسانِ بجَهله ضَربٌ من ضُروبِ المعرفة))، وقبل ابن خلدون بقرون قال الإمام الشافعي:

كـلَّما أدَّبَنِي الدّهْــــرُ.. أَرانِي نَقْصَ عَقْلِـي

وإذا ما ازدَدْت عِلـْماً.. زادنِي علْماً بِجَهْلي

فليت أبناء اليوم يتعلمون من أسلافهم التواضع المعرفي وعدم الانتفاخ بشراذم الأفكار وقصاصات المعرفة، فإن مزيج السطحية الفكرية والغرور المعرفي قبيحٌ معيبٌ، ومثيرٌ للشفقة! عرض أقل

 

تعليقات