أمين "البحوث الإسلامية": تفسير القرآن حسب «الرؤى» غاية مسمومة تسعى لضياع هيبته وإسقاط أحكامه
- الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
رد محمد سيد صالح، الباحث في ملف الإلحاد، على سؤال: لماذا لم يُنزل الله القرآن مُفسراً بدلاً من تركه للبشرية يفسر كلٍ منهم كيف يشاء؟
وقال: لو كان لديك طفلاً صغيراً وأحببتَ أن تجعله في المستقبل رجلاً ذو شخصية عالمة وفعالة ومؤثرة يستطيع التأثير بإيجابية في المجتمع، ماذا كنت ستفعل؟! هل كنت ستقوم بمذاكرة دروسه بدلاً منه وتجتهد في فهم دروسه بدلاً منه وتدخل اختبارات نهاية العام وتقوم بحلها بدلاً منه؟! بالطبع لا، لإنك لو فعلتَ كل شيء بدلاً منه لن تراه في المستقبل كما تريد فلن تراه ذو شخصية عالمة وذكية وناجحة وفعالة، لأنك جعلته يعتمد على غيره، أما بناء الشخصية العالمة الذكية لن يكون إلا بالتدريب ومحاولة الفهم والاستقراء والاستنباط والقدرة على البحث والنظر إلخ.
وتابع: كذلك لو أردت
أن تجعل ابنك قوياً فإنك لن تقوم بالتدريب على حمل الأثقال بدلاً منه بل ستتركه
يعتمد على نفسه ويحاول أن يرفع وحده حتى قوى على رفع اليوم وزناً وغداً وزناً أعلى
وبعد غد أعلى وأعلى وهكذا.
وواصل: ولله
المثل الأعلى سبحانه؛ الله عز وجل خلق الإنسان وشرفه عن سائر المخلوقات بالعقل
وقدرته على التفكر والتعقل والتدبر، فتجد الجماد يُشغل حيزاً في الحياة لكنه لا
ينمو ولا يتحرك ولا يتفكر ولا يتدبر، أما النبات يشغل حيزاً في الحياة لكنه يتفوق
على الجماد بأنه يتحرك ينمو ويكبر، والحيوان يشغل حيزاً في المكان وينمو لكنه
يتفوق على النبات بأنه يتحرك، أما الإنسان فهو يشغل حيزاً في الحياة وينمو ويكبر
ويتحرك لكنه يتفوق على الحيوان وسائر المخلوقات بكونه يتفكر ويتدبر ويتأمل ويعقل.
ثانياً: مادام
الإنسان هو أشرف المخلوقات وأسماها وأعلاها ومتميز عنها بتدبره وتفكيره بعقلانية،
إذن لابد أن يكون هناك شيئاً يجعل فكر الإنسان دائماً حاضراً ومستيقظاً وأجمل
تدريب على استيقاظ العقل هو التدبر والتأمل والسعي في محاولة فهم الأشياء من حوله.
لذا أراد الله سبحانه أن يربينا ويعلمنا على استخدام العقول لا ركونها، فأنزل
كتابه الذى يُعد بالنسبة لنا كمسلمين دستور حياة فيه من الآيات المُحكمة المفسرة
الواضحة والتي يستطيع فهمها كل الناس مهما تفاوت عقولهم كقول الله سبحانه: ( قل هو
الله أحد ). فمن يقرأ هذه الآية يفهم مقصودها دون الاحتياج لتفسير وهذا ما عليه
جُل القرآن، وآياتٍ أخرى تحتاج لجهدٍ وتدبرٍ وتأملٍ لفهمها فيجتهد الناس في طلب
العلم وأدواته لمحاولة تفسير الآيات الغير واضحة بالنسبة لهم.
وأضح أنه لا شك
أن الإنسان منا يسعد ويطير فرحاً ويشعر بقيمته إذا كلفه من هو أعلى منه بمهمة
وأعطاه الثقة لفعل ذلك ، بعكس ما لو كان من هو أعلى منه قد أخبره بتفاصيل كل
المهمة و طريقة الوصول إليها والتعامل معها الخ و هنا قد لا يشعر الإنسان بقيمة
عقله أو ربما تهتز الثقة فيه.
ولو كان الله
أنزل القرآن الكريم كله مفسراً لأصبح ما في القرآن جامداً ولا يستطيع أحد أن يجتهد
في فهمه بعد تفسير الله له، ولكى يحثنا الإسلام على حُب الاجتهاد أخبرنا بوحى أوحى
به لنبيه أن يعلمنا أن المجتهد إذا أصاب في اجتهاده له آجران وأن المجتهد إذا أخطأ
في اجتهاده فله أجر، وهنا سيقبل الإنسان منا على طلب العلم والاجتهاد فيه لينال
أحد الأجرين، وهذا نوع من أنواع تكريم الله للإنسان وهو أن يعطيه الثقة في قدراته
وقيمة عقله القادر على فهم كلامه سبحانه أو محاولة فهمه.
وأوضح أنه لو أن
القرآن الكريم نزل مفسراً لما كان متماشياً مع تطور الإنسان وحياته، لأن من جميل
القرآن وقوته أن فيه آياتٍ حمالة أوجه وفى هذا إظهار لعظمة القرآن، مثلاً قول الله
تعالى: ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ
يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد ). ( فُصلت/ ٥٣ ). هذه الآية حينما نزلت على الأعرابي في شبه
الجزيرة العربية منذ أكثر من ألف واربعمائة سنة سيفهم منها أن الله يريد منه أن
ينظر في الآفاق أي في ارتفاع السماء عنه والنجوم التي تزينها وما ينزل من السماء
من ماءٍ يروى الزروع الخ ما يتمكن منه في هذا الوقت، وأن ينظر في نفسه أي في ما
يظهر له من تناسق في جسدك وأن كل عضو من أعضاء الإنسان في مكانه المناسب إلخ ما
يظهر له من تكوين الإنسان الخارجي، أما اليوم بعد تقدم العلم سيفهم الإنسان الآن
أن الله يطلب منه أن يصعد في الفضاء ويسبح فيها بالمكوك الفضائي أو بكاميراتٍ
يصنعها، وان ينظر فى أعماق النفس البشرية ويتأمل ما في داخلها من أشياءٍ دقيقة حتى
يصل إلى الحمض النووي المليء بالشفرات والمعلومات التي تصف للإنسان أشياءً كثيرة
كانت غامضة. مما لا شك فيه أن هذه الآية الواحدة تحتمل ما كان يفهمه الأعرابي في
زمنه ويفهمه أيضاً العالم المتخصص في علوم الكونيات في معمله، وكلا المفهومين صحي
ومقبول جداً.
خامساً: لا يحق
لأى أحد أن يُفسر القرآن الكريم لمجرد أنه أراد ذلك، بل لابد أن يمتلك كل من أراد
تفسير كلام الله بجملة من العلوم والأدوات التي يستطيع بواسطتها أن يفسر تفسيراً
مقبولاً ولكى تحده من الوقوع في الخطأ، ولابد للمفسر أن يكون متمكن من علمه بهذه
العلوم. ومن بين هذه العلوم ما هو آت: (علم اللغة، علم النحو، علم الصرف، علم
الاشتقاق، علوم البلاغة الثلاثة: المعاني، البيان، البديع. علم القراءات، علم أصول
الدين، علم أصول الفقه، علم أسباب النزول، علم القصص، علم الناسخ والمنسوخ،
الأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم، علم أصول الدين، علم أحوال البشر ليعرف
أطوار البشر وأدوارهم ومنشئ اختلاف أحوالهم لإلمام بمسلمات العلوم الحديثة
والاستعانة منها بما يخدم التفسير وخاصة ضمن الآيات الكونية، كنشوء الرياح والسحاب
والأمطار وطبقات الأرض وغير ذلك، معرفة المفسر للاتجاهات والتيارات الفكرية
المعاصرة). وهناك إضفاتٍ أخرى أضافها العلماء بين جملة هذه العلوم. فالتفسير له
رجاله وأدواته التي لا يقوى عليها أي أحد.
وبين أن خلاصة
الأمر أن القرآن الكريم لو نزل مُفسراً كان سيحدث الاتي:
١- كان سيقرأ مرة واحدة ويحفظ ثم يترك اعتماداً
على أن كل ما فيه قد اتضح فلا يحتاج لقراءته مجدداً. وقد يُحرم العبد من فضل قراءة
القرآن وأجرها هذا وقد أراد الله أن يثيب عباده بقراءته.
٢- سيجعل العقول تخمل وتتكاسل عن البحث
والنظر والتدبر لأن كل شيء واضحاً ومفسراً فلا يحتاج المرء لتدبره والتفكر فيه.
٣-عدم شعور الإنسان بقيمة عقله وقدرته
على التفكير.
٤- إعطاء فرصة للإنسان في الاجتهاد في فهم
آيات الله سبحانه بعد ما تتوفر لديه أدوات الاجتهاد فيه نوعٌ من أنواع تكريم
الإنسان.
وغير ذلك من
الحكم والحكمة الكاملة عند الله سبحانه وتعالى مُطلق الحكمة.
٥- لا يحق لأى إنسان أن يفسر القرآن
الكريم دون علم بأدوات التفسير وعلومه، فإن امتلكها كاملة يحق له ذلك.