رئيس مجلس الإدارة

أ.د حسـام عقـل

حسان بن عابد يكتب: ماذا لو أصيب إنسان بجفافٍ حاد في العين

  • جداريات Jedariiat
  • الأحد 28 مايو 2023, 01:41 صباحا
  • 1402

ماذا لو أصيب إنسان بجفافٍ حاد في العين، وكان عليه أن يشتري كلّ يوم نصف لتر من السائل المرطّب يقطّرها في عينيه بمعدل قطرة في كلّ عين كلّ دقيقة، طول حياته في صحوته ونومه، وإلا تراكم في عينيه الغبارُ والجراثيم والتهبتا، أو التصق الجفنان بنسيج العين أثناء النوم فلما قام صباحا وفتح عينيه تمزق بؤبؤا عينيه لشدة التصاقهما بجفنيه؟

 

ألا تفسد حياة هذا المسكين وهو يحمل معه قارورة السائل طول اليوم ويضع في عينيه كلّ دقيقة، فلا ينجز شيئا من أمور حياته؟ ألن يشعر هذا الإنسان براحة عظيمة لو اخترع العلماء مضخة صغيرة لضخّ السائل المرطّب في العينين آليا؟ ألن يدفع للحصول عليها كلّ ثروته وسيبقى طول حياته يشكر من اخترع تلك المضخة؟ . . . مِن كرم ولطفِ من صنع الإنسانَ أنه زوّده بماهو أحسن من ذلك بكثير، إنها الغدة الدمعية Lacrimal gland وما أدراكَ!

هي غدة موجودة فوق كرة العين (ترونها كتلة صفراء في أعلى يمين الصورة)، متصلة بالجهاز العصبي الإعاشي Autonomic nervous system فتعمل آليا في صحوة الإنسان ونومه دون الحاجة للتحكم فيها، تفرز باستمرار سائلا مرطبا للعين نسميه عادة بالدموع، ينزل إلى العينين عبر 12 قناة صغيرة Ducts، والسائل مكوّن من الماء والأملاح بتركيز محسوب مناسب لنسيج العين فيغذيها ويرطبها ويمنع التصاقها بالجفون Anti-adhesive، وليس هذا فقط فهو يحتوي أيضا على بروتينات وإنزيمات مناعية (lysozyme, lactoferrin) وأجسام مناعية (IgA) لقتل الجراثيم . . . تُفرز الغدة الدمعية حوالي نصف لتر من الدموع كلّ يوم!

إذا وُجد في العين غبار أو جراثيم وقضت عليها الإنزيمات المناعية فهل تبقى المخلّفات تسبح في العين؟ ماكان لخالق الإنسان أن يفوته هذا الأمر، فهناك قناة تصريف Nasolacrimal duct (ترونها قناة واسعة عمودية أقصى يسار الصورة) للتخلّص من السائل الدمعي وإرساله إلى الأنف، ومِن هناك سينزل إلى المرئ ثم المعدة فيذوّب تماما ويتم تدويره، وحتى في غياب جراثيم في العين فإنّ قناة التصريف تسمح بالتجديد المستمر للسائل الدمعي بصرف السائل القديم وإفساح المكان للسائل الجديد كلّ ثانية، وأيضا تُحقّق نقاءَ الرؤية بمنع تراكم السائل الدمعي الفائض في العين!

والحقيقة أنّ هناك مئات الكتب في الغدة الدمعية وحدها، ولو تحدثنا عن بنيتها المجهرية وكيف تفرز كلّ واحدة من خلاياها مقدارا محسوبا من السائل فيجتمع في قناة رئيسية ثم يفرز لما سكتنا ولو تحدثنا عن البنية الدقيقة للخلايا الإفرازية والتنظيم الجيني داخلها لما سكتنا ولو تحدثنا عن تحكّم الجهاز العصبي في هذه الغدة لما سكتنا ولو عبدنا الله طول حياتنا لما وفّينا هذه النعمة وحدها، فكيف نوفيه نعمة البصر، وكف نوفيه بقية النعم والأعضاء، بل كيف نوفيه نعمة إخراجنا من العدم إلى الوجود؟

هل أدركتم الآن جريمة التطوريين الذي قالوا إنّ العين تطوّرت هكذا تلقائيا في بركة طين؟ وليس العين فقط بل ملايين الأنواع الفريدة التي ربما لا تكفي كتب الأرض لسرد تفاصيلها التشريحية . . . (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚأَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ) الزمر/٦٠ 

تعليقات