الإعلان عن وظائف للأئمة في الأوقاف يناير المقبل
- الخميس 21 نوفمبر 2024
لقد أحرزت
البشرية خلال الفترة الأخيرة من عمر التاريخ تقدماً هائلاً في العلوم الطبيعية
والتطبيقية.
الأمر الذي دفع
الكثير إلى القول بأنّ العلم هو لغة العصر الحديث، كما أنّ البعض تطرّف في اعتداده
بالعلم فأخذ يعدُّه المصدر الوحيد للمعرفة اليقينية.
وكثيراً ما نسمع
أنّ العلم كان سبباً في إيمان البعض، كما كان أيضًا سببًا في إلحاد البعض الآخر.
كيف هذا؟
الحقيقة أنّ
العلم نفسه عملية وصفيّة محايدة.
العلم يعطينا
فقط صورة أكثر دقة عن الكون من حولنا؛ من خلال تطوير أجهزة رصد الظواهر الطبيعية
سواء على مستوى عالم الجسيمات الصغيرة أو على مستوى عالم الكون الشاسع وذلك بهدف
فهمها والوصول إلى نظريات تفسيرية ثم في النهاية صياغة القوانين الرياضية التي تصف
تلك الظواهر.
- إذن العلم في ذاته(Science) لا ينفي ولا يثبت وجود الإله.
وذلك ما نسميه (حيادية العلم Science Neutrality
تلك هي النقطة
الأولى...
- لكن نقطةً أخرى وبعدًا أكثر عمقًا في
المسألة لابد من التعرض إليه، وهو أنّ العلم الطبيعي قائم أصلاً على مبدئين عقليين
مستقرين في لاوعي المجتمع العلمي وهما:
1⃣ قانون السببية أو العلّية (causality).
2⃣ اطراد القوانين واستمراريتها وصلاحيتها
عبر الزمان والمكان(uniformity).
إن أي عالمٍ (مؤمناً كان أو ملحداً)
عندما يتعاطى مع أي ظاهرة طبيعية محاولاً تفسيرها فهو مدفوع شاء أم أبى بهذين
المبدأيين العقليين، السببية والإطراد!!... وإلّا فلمَ يبحث أصلاً عن سببٍ وتفسيرٍ
للظاهرة محاولاً صياغة القانون الرياضي الذي يصفها؟!!
هذان المنطلقان
في الحقيقة هما منطلقان عقليان ليسا قائمين على أسس تجريبية؛ فعلى الرغم من أنّ
الظاهرة نفسها حتى لو تكررت مرات عديدة، فهي لازالت في إطار زمني ومكاني ضيق.... فكيف
لي أن أُقوم بتعميمها لتشمل جميع الزمان والمكان؟!!
فكما يمثل
فلاسفة العلم لذلك بقولهم: لو كان عندي في الكون مليون بجعة ولم أرى منها إلّا
مائة بجعة فقط ثم وجدت أنّ لونهم جميعًا أبيض، فهل يُعدَّ هذا كافياً لإصدار حكم
عام بأنّ جميع البجع لونه أبيض؟!!!
بالطبع لا...
لكن الواقع أنّ
العلماء يفعلون ذلك في تعاطيهم مع الظواهر الطبيعية والكونيّة!!!
فالعلماء مؤمنهم
وملحدهم راسخ في أذهانهم أنّ الكون مُنظّم ومُحكم بقوانين ثابتة مطّردة؛ ولذلك
يبحثون عن تفسير للظواهر ثمّ صياغة القوانين الرياضيّة البسيطة التي تحكمها...
- هذا الأساس الفلسفي المستقر في لاوعي
المجتمع العلمي هو أساس لا يُمكن التأسيس له إلّا من خلال الإيمان بوجود خالق لهذا
الكون خلق كل شيء بقدر ووضع الموازين والنواميس التي تحكمه، وهو وحده الضامن
لبقائها وإطرادها وعدم تغيرها.
۞
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن
زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا
غَفُورًا
(41)
إنّ وحدة قوانين
الطبيعة وثباتها، ووحدة المعارف الأوليّة ووحدة الحقيقة التي يُؤسس عليها المعرفة،
هو دليل على وجود الخالق ووحدانيّته، بل وتجلّي من تجلّيّات اسم الله (الحق) في نظرية
المعرفة، فالله الحق هو الضامن لوجود الحقيقة واليقين كما أنّه الضامن لبقاء هذه
الحقيقة حقيقة كما هي، وعدم نسبيتها وسيولتها.
هُوَ الَّذِي
جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا
عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ
يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
وتلك هي النقطة
الثانية التي نعني بها أن (فلسفة العلم مؤمنة).
أوافقك القول صديقي يا من تقول أنّ العلم لا يثبت ولا ينفي وجود
الخالق، ولكن لا تنسَ أن تسأل نفسك سؤالاً: لماذا العالم عندما تصادفه ظاهرة ما
يدخل معمله ويظل يبحث وهو واثق أنّه سيصل إلى فهم ما أشكل عليه؟!! ....حتى وإن لم
يصل الآن فهو على يقين أنّ هناك من سيأتي بعده ويُكمل ما بدأه وسيصل في يوم من
الأيام!!
من أين جاء هذا
الاعتقاد الجازم بأن الكون دقيق ومُنظّم ويُمكن فهمه وإدراكه...
أليس هذا ما
قاله أينشتاين بأن أكثر شيء لا يفهمه في هذا الكون أنّه يُمكن فهمه!!
أقول لك صديقي:
إنّ العلم وإن كان مُحايداً، فإنّ فلسفته مؤمنة
المصدر: مقالات
محمد سمير (رحمه الله) ـ مركز الفتح