ننشر أبحاث المؤتمر العاشر للقصة الشاعرة قبل انعقاده (1).. سلامة تعلب: "فن كتابي جديد عربي مصري خالص"

  • جداريات 2
  • الخميس 10 أكتوبر 2019, 10:07 مساءً
  • 1198
الناقد الدكتور سلامة تعلب

الناقد الدكتور سلامة تعلب

حصلت "جداريات" على أبحاث المؤتمر العاشر للقصة القصيرة المقررة انعقاده على مدار يوم الأحد والاثنين 20 و21 أكتوبر بعنوا نالقصة الشاعرة بين سيكولوجية الإبداع والنص الجامع" دورة الدكتور طه حسين،  وقد حصلت جداريات على أبحاث المؤتمر وتنشره على مدار الأيام المتبقية على انعقاد االمؤتمر، وتبدأ بالبحث الأول للناقد الدكتور سلامة تعلب بعنوان "القصة الشاعرة..  فن كتابي جديد عربي مصري خالص".    


مقدمة:

   من حيث الزمان ولدت في بدايات القرن الحادي والعشرين، ومن حيث المكان فقد ولدت في الوطن العربي تحديدًا في مصر العروبة، ومن حيث الشخوص والأبطال، فهم ثلة من الشعراء الموهوبين المبدعين المجددين الثائرين على القوالب التقليدية في القص والشعر، قاد نزعتهم في التجديد رفيق دربهم والمؤسس لفنهم الجديد الشاعر المصري محمد الشحات محمد؛ مؤزرًا بزملائه من الشعراء المصريين والعرب، وهم كثر، وأما عن وصفها فهي: فن جديد وبديع ولد من تداخل الأجناس الأدبية، وتآزر الفنون؛ إنها: القصة الشاعرة.

  ملأت الدنيا وشغلت الناس حينًا من الدهر، ما بين مؤيد متحمس للتجديد، ومعارض لم يعط نفسه الوقت لفهم كنهها، قبض مبدعوها بيد حانية ونفس واعية، وموهبة صادقة عليها بوعي واقتدار، وتنتظر من نقادها حسن الاستقبال بالدراسة المتأنية والتوجيه السليم نحو الفهم والازدهار.

  إنها الفن الذي تنسب ريادته إلى الأدب العربي، وهذا سر تشبثنا بها؛ وعلينا أن نعطيها الفرصة لتنمو وتنتشر، وتترجم إلى الآداب العالمية، وتبقى-القصة الشاعرة-شاهدًا على الريادة العربية والمصرية خصوصًا لفن أدبي جديد، لم يشبه فيه العرب غيرهم بل ابتدعوه ليصل إلى غيرهم واضحًا وأصيلاً.

  وإذا كان للقصة الشاعرة بعض المعارضين؛ فلأنهم-على ما نعتقد-لم يحيطوا بها بكامل علم؛ ولذا حرص هذا البحث على إضاءة بعض الجوانب الخاصة بالقصة الشاعرة؛ أملاً في الإسهام في تثبيت بعض قواعدها، وإزالة بعض العثرات التي تقف أمام تذوقها وفهمها، ولا يميل البحث إلى إقناع القارئ بهذا الهدف، ولكن ينشد إحداث قدر من التوسل بينه وبين القراء من جهة، وبينهم وبين القصة الشاعرة من جهة أخرى.

ولإنجاز هذا الأمر رأى الباحث أن يتناول موضوع القصة الشاعرة من خلال المحاور التالية:

أولاً- مصطلح القصة الشاعرة:

ثانيًا- عوامل بررت ولادتها:

ثالثًا- عناصر القصة الشاعرة(البناء الفني):

رابعًا- ملامح عامة للقصة الشاعرة:

خامسًا- روادها

سادسًا- ملاحظات حول القصة الشاعرة:

سابعًا- نماذج من القصة الشاعرة

خاتمة


أولاً- مصطلح القصة الشاعرة:

   القصة الشاعرة مصطلح جديد، أصبحنا نتداوله الآن، حاول مبدعوها وضعه اتكاءً على سماتها وخصائصها التي تميزها عن سائر الفنون النثرية والشعرية، والتي التبست على البعض، وضاق صدره من استقبال هذا الفن الجديد الوليد، الذي ولد ونشأ في بيئة عربية مصرية خالصة، وعلى يد طائفة من الشعراء المبدعين المجددين المغامرين، يقودهم رائد هذا الفن الشاعر المصري محمد الشحات محمد، والذي عرف القصة الشاعرة بأنها: “قص إيقاعي تدويري وفق نطام التفعيلة، مؤسس على التكثيف والرمز والمرجعيات الثقافية”

   فهي إذن جنس إبداعي جديد، يجمع بين تقنيات الشعر والقصة معًا، ليشكل ما يُعرف بـ “القصة الشاعرة“، وهي ليست القصة الشعرية، ولا الشعر القصصي الذي ورد في شعر شوقي للأطفال، وبعض قصائد نزار، وما حدث من مزج بين الأنواع الأدبية عند نجيب محفوظ حين كتب رواية «ميرامار» بأسلوب شعري، وكذلك الشاعر الراحل فاروق شوشة، ولكنه لم يسم ما كتبه “قصة شاعرة" ونجد بعض ملامحها عند صلاح عبد الصبور، في“الناس في بلادي”، وأحمد عبد المعطي حجازي، في “مدينة بلا قلب”.

 والقصة الشاعرة لا يكتبها إلا “شاعر قاص” متمكن.



ثانيًا-عوامل بررت ولادتها:

*إن القصة الشاعرة اجتهاد مشروع؛ لتوكيد الحضور العربي الفاعل في المشهد الأدبي العالمي.

*رغبة المبدع في الانحياز إلى التحديث، واللجوء إلى قصّ إيقاعي وفق نظام التفعيلة والاستناد على التكثيف والرمز

 *التمرد على الشكل الهرمي التقليدي، بأحداث محتشدة وعاطفة مشحونة؛ لإنتاج نص سائل ومتحرر وأصيل.

*الاستجابة لمطلب العصر الحاضر الذي يتسم بالسرعة والشمولية في معالجة الأمور

*محاولة إثبات أن للشعر حياة في السرد، كما أن له حياة في الغنائية والوصف، ومع تطور الأشكال الشعرية العربية من داخل الشعر عبر تاريخه؛ تفردت أشكال تكاد تكون جنسًا أدبيًا مستقلًا، كالرباعيات والموشحات، وهذا الشكل الجديد، القصة الشاعرة.

وفيم الغرابة؟ ألم يتمرد أبو نواس-الشاعر المجدد- على البناء التقليدي للقصيدة الجاهلية حين قال:

قل لمن يبكي على طلل درس

واقفًا: ما ضر لو كان جلس


ثالثًا- من عناصر القصة الشاعرة (البناء الفني):

*إن أول العناصر هو العنوان الذي يعد مرآة يتجلى فيها المضمون الأساسي للقصة الشاعرة

*أما العنصر الثاني فهو «الاستهلال» فإن أولى الكلمات من النص هي التي تحقق التشويق للقارئ

*والعنصر الثالث هو «التقاطع» الذي يعنى الانسجام بين الاستهلال والخاتمة

*والعنصر الرابع الدهشة، فالنص الذي لا يحقق الدهشة لا يعد فنًا

*والعنصر الخامس هو «التشكيل البصري» ونعنى به الخروج عن نظام الكتابة المألوفة

*والعنصر السادس هو: أنها تتميز بالقصر والتكثيف الشديدين

*العنصر السابع هو: هو الرمزية وتعدد الدلالات

*العنصر الثامن هو: المزج بين موسيقى التفعيلة الخليلية والسرد القصي

* العنصر الثامن هو: الاعتماد على التدوير العروضي والموضوعي في النص السردي

*وآخر هذه العناصر هو «المرجعيات الثقافية» التي يسميها البعض التناص.


رابعًا-ملامح عامة للقصة الشاعرة:

-القصة الشاعرة ومضة تجمع بين جمال الكلمة الشاعرة، وتناغم الإيقاع في الحكاية السردية، فهي ابنة شرعية للشعر والسرد معًا

-إنها صورة مزيجها الكلمة والجملة والإيقاع والخيال وجمال التلقي

-القصة الشاعرة تجربة أدبية جريئة، تعيش التمرد في أبهى صوره

-وهي تجمع المجد من أطرافه- كما قال مهيار الديلمي في أعجبت بي- لأنها توظف تقنيات القصة القصيرة جدا، في قالب موسيقي متصل، في تدوير عروضي بديع

-تتميز بقصرها الذي يناسبه التكثيف والتركيز

وعن أبرز الخصائص التي تميز ( القصة الشاعرة ) كجنس أدبي متفرد بذاته، فإنها تتميز بما يلي:

*التداعي المعرفي وسلطة الخيال:

تبدو آليات السرد في القصة الشاعرة خاضعةً للسيولة الشعرية ولسلطة الخيال، على ىسبيل المثال القصة الشاعرة (دقت الكلمات)

*اتكاء السرد على الإشارات النصية والإحالات التاريخية

يجوز في آليات سرد القصة الشاعرة مالا يجوز في غيرها، فالإيجاز والاقتصاد هما المسيطران على البناء والتركيب للجملة السردية، وهذا الأمر يبدو واضحا في القصة الشاعرة (ظاهرة)

*أسطورية السرد

  تتخذ آليات السرد في القصة الشاعرة شكلاً غرائبيًّا يدخل المتلقي إلى فضاء ضبابي متشعِّب ويضعه في جوٍّ  أسطوريٍّ متسارع القفزات من خلال اعتماد هذه الآليات السردية على تراشق الحواس وأنسنة الأشياء، ومثال ذلك القصة الشاعرة (ختان)

*سطوة الموسيقى والإيقاع على توترات السرد

  عندما تخضعُ الجملةُ السردية لنسقٍ وإيقاعٍ موسيقيٍّ سائد فأنَّها بالضرورة ستتحلل من خصائصها في ما قبل الموسيقى، وستكتسب خصائص جديدة، للموسيقى دور في صناعتها، وعليه سنجد حالة من التشابك بين الجمل السردية في القصة الشاعرة، وهذا ما يسمونه اصطلاحا التدوير الموسيقي، كما سنجد أن القصة الشاعرة ذات نفس شعري واحد ممتد من أولها لآخرها، مثال ذلك: القصة الشاعرة (أشرقت)

*خاصية التفتيت، والصراع السيكولوجي بين الحلم الذاتي والواقع العام:

كما في القصص الشاعرة (ظاهرة) و"الثورة الكبرى" و"صرخة" لمحمد الشحات محمد

ويعدد رائد علم نفس الإبداع-الدكتور شاكر عبدالحميد-عدة سمات للقصة الشاعرة، فيذكر أنها تتسم بما يلي:

*القصة الشاعرة تستلهم روح التفاعل بين الفنون: ومن ثم فإنها تؤكد أهمية التداخل بين الكلمة والصورة، بين السرد والتخيل، وبين ما هو زمني وما هو مكاني وهي تمتد بجذورها إلى فكرة تراسل الحواس، حيث تشير التأليفية أو التركيبية أو تراسل الحواس في رأي الشاعر الفرنسي بودلير إلى عملية المزج بين حاستين أو أكثر خلال الإدراك أو التعبير الإبداعي”

الموسيقى فى القصة الشاعرة عنصر مهم: حيث تلتزم بالقواعد الموسيقية العروضية، وهي ضرورية لبنائها الفنى السليم، فليست الموسيقى فى هذا الجنس الأدبى الجديد مجرد شكل، لكنها تعبر عن مضمون عميق.

التدوير فى القصة الشاعرة: ارتبطت القصة الشاعرة بالتدوير العروضى، والذي يعنى اتصال النفس الشعرى القصصى، لأن القصة الشاعرة متماسكة أشد التماسك، والنص المتواصل هو الذى يحقق الوحدة العضوية.

الرمز فى القصة الشاعرة: اشتراط التدوير فى القصة الشاعرة لابد معه من اشتراط الرمز؛ الذى يجعل من التدوير قناعاً كليا؛ يمسك بتلابيب النص؛ ولذلك فالرمز يقتضيه التدوير؛ فهو لازم من لوازمه.

الوطن والهوية فى القصة الشاعرة: للوطن والهوية أهمية بالغة فى القصة الشاعرة، فلا يكاد يخلو نص من التأكيد على الهوية، وهي سمة تؤكد أصالتها، كما تؤكد خصوصيتها الشديدة ، والتى تقدم إنجازا يختلف عما تقدمه فنون الأدب الأخرى، يتمثل في المزج بين الذاتية والموضوعية

علامات الترقيم فى القصة الشاعرة: يقر "فرويد" بضآلة معرفته أمام الشعراء الذين يعدهم أساتذته في معرفة النفس وكشف مجاهلها، فلا يمكن لعالم نفسي أن يقرأ من علامات الترقيم نفسية الشاعر ويحلل ملكاته؛ ذلك أن الفن الحقيقي يوظف العلامة والحرف والنبر والتنغيم في رحلة التواصل بين الأنا المبدعة/ والآخر المتلقي  وعلامات الترقيم من أهم الأدوات التي يمكن أن تضيف إلى النص، أو تضعفه؛ فلم تعد علامات الترقيم مجرد علامات توضيحية كما أريد لها، وإنما هى من أهم أساليب التطوير فى مجال الكتابة الإبداعية.

وعلى ذلك فالقصة الشاعرة لها تعامل خاص مع العلامات والفضاءات البصرية، التي تشكلها علامات الترقيم، والتي تخلق إيقاعا بنائياً بصريا لا نستطيع تجاهله.

انظر إلى نهاية  نص غيبوبة سكر للشاعر محمد الشحات محمد:

هز العسكر أرجاء الحجرة..,

أعطوني تشخيص الحالة..,

كانت غيبوبة سكر 

نلاحظ هنا أن الكاتب يستخدم جميع التقنيات البصرية من علامات ترقيم وفضاءات بصرية:

ونلاحظ النقطتين الأفقيتين اللتين تفيدان مسافة زمنية قصيرة يحدث فيها فعل العسكر وإعطاء التشخيص.

ولاحظ الفاصلة التي تنسق بين مقاطع النص.


خامسًا-روادها:

*والقصة الشاعرة يتبنى ريادتها الآن بعض الشعراء العرب، على رأسهم الشاعر المصري محمد الشحات محمد،  ومعه كل من: الشاعرة الأردنية د. ربيحة الرفاعي، محمد طكو، مصطفى عمار، ليانا الرفاعي، أحمد السرساوي، عاطف الجندي، محمد إبراهيم الحريري، خالد صبر سالم، معتز الراوي، محمود موسى، أحلام الحسن، وغيرهم

سادسًا-ملاحظات حول القصة الشاعرة:

 *جل القصص الشاعرة تعيش في صومعة الأوزان الشعرية المفردة العذبة السلسة، ولم يلجأ مبدعوها لتجربة البحور المركبة حتى حين.

*راعى مبدعوها أن يكون القالب الموسيقي المختار لها، بالغ الرقة، ليسهل تذوقه.

*القصة الشاعرة لا تلتزم بالقافية، لكنها تركز على الموسيقا الداخلية لتعويض هذه الضرورة.

*بسبب الإحالات والإغراق في الرمزية؛ يصعب اقتناع أو إقناع الكثيرين من المتلقين بها.


المراجع

 -محمد الشحات محمد: أنفلونزا النحل (قصص شاعرة)، القاهرة، جمعية دار النسر الأدبية، 2008م.

-       الطاهر مكي: مختارات من القصة القصيرة

– ابن طباطبا: عيار الشعر

-       حسن غريب أحمد: التقنيات الفنية المتطورة في القصة القصيرة

-       بدوي طبانة: التيارات المعاصرة في النقد الأدبي 

-       كتاب المؤتمر التاسع، دار النسر الأدبية، والهيئة العامة لقصور الثقافة

– سيجموند فرويد ، ترجمة جورج طرابيشي: مدخل إلى التحليل النفسي

 

تعليقات