الإعلان عن وظائف للأئمة في الأوقاف يناير المقبل
- الخميس 21 نوفمبر 2024
لم أتوقَّع خلال قراءتي لأحد الكتب (لن أذكر اسمه) الَّذي أنهيت قراءته قبل أسبوعين، أَنَّني سأتعرَّض إلى عاصفة من الشَّكِّ قد تهزُّ أركان إيماني..
فقضيَّة الإيمان والإلحاد، وَأَيْضًا التَّديُّن والالتزام الدِّيني أمر فرغت منه.. الأمور واضحة لي منذ العام 2006..
وَذٰلِكَ بعد تخبُّطات بين الإلحاد والغفلة ومعاداة الدِّين دامت 10 سنوات.. إلى أن استقرَّ بي الأمر إلى الالتزام الدِّيني..
الَّذي لا أعتقد أَنَّهُ أعظم وأفضل ما حدث معي في حياتي.. بل هو حياة جديدة كلِّيًّا، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}.
رُبَّما في سياق آخر أتحدَّث عن غسيل الدِّماغ الَّذي كنت أتعرَّض له في العام 2006 لأعتنق فكرًا يخالف التَّوجُّه الدِّيني والوطني كلِّيًّا.. 2006 كانت سنة صراع داخليٍّ لا مثيل له.. لٰكِنْ كما قلت، قد أتعرَّض لِهٰذا الصِّراع وكيف انتهى في سياق آخر..
وعودة إلى الكتاب الَّذي بدأه الكاتب (بروفيسور في الجماعة) ببسط الـمشاكل الَّتي تواجهها البشريَّة في عصرنا.. وقد بدا جليًّا عمق اطِّلاعه وقدرته على تحليل الأمور وربطها..
فعلًا! ما هٰذا الفهم العالي! لقد سرق لبِّي وأذهلني واستفدت كثيرًا مِمَّا عرض، حَتَّى إِنَّهُ ساعدني في تشكيل تصوُّر لعملي وخططي على الصَّعيد الـمهني للسَّنوات العشر القادمة..
بعد ذٰلِكَ أكتشف أَنَّ الكاتب صهيوني.. لا بأس فأنا من عادتي، ولنقل من شغفي أن أقرأ لمن يخالفونني الرَّأي.. رُبَّما أشعل حبَّ استطلاعي أكثر لمعرفة كيف يرى الأمور من وجهة نظره كيهودي صهيوني، وأن أحاول أن أصطاده في كلِّ مرَّة يخرج من موضوعيَّته ليخدم طرحه الفكريَّ الصُّهيوني...
الـمفاجأة الَّتي تلت، هي أَنَّهُ اعترف أَنَّهُ شاذٌّ جنسيًّا.. لا بل من الَّذينَ يتفاخرون بشذوذهم.. شعرت بالاشمئزاز.. لا بأس سأكمل القراءة، التَّحدِّي يزداد والإثارة تتعاظم..
وكنت أشعر بألم في ناصيتي (جبهتي) وأنا أقرأ لشدَّة تركيزي، ومحاولة التَّنقية وتمحيص الغثِّ من السَّمين..
الـمفاجأة القادمة، هي استنباطي أَنَّهُ ملحد.. لم يعلنها صراحة.. لٰكِنَّهُ انتقل في تحوُّل مفاجئ في الثُّلث الأخير من الكتاب للهجوم على الدِّيانات، ليثبت أَنَّهُ ليس بمقدورها أن تحلَّ أيًّا من مشاكل البشريَّة..
حَتَّى هٰذِهِ اللَّحظة كنت حصينًا قويًّا أمام الأفكار الَّتي يطرحها، آخذ منها ما أراه منطقيًّا ولا ألتفت لِـما أشعر أَنَّها مجرَّد آراء شخصيَّة ذاتيَّة ليست موضوعيَّة..
وبدأ هجومه شرسًا على الدِّيانات، وبدأ بالدِّين اليهودي (الَّذي هو دينه) فمزَّقه إِرْبًا إِرْبًا.. والله لا أخفيكم شعرت بخوف من قدرته هٰذِهِ، وشعرت وكأنَّ إبليس هو الَّذي يكتب..
ومن ثُمَّ انتقل للدِّين الـمسيحي وفعل فعلته فيه، كما فعل بالدِّين اليهودي.. ومن ثُمَّ انتقل إِلى الإسلام..
هنا بدا في قمَّة شراسته، وبدأت أشعر أَنَّهُ يجب عليَّ أن ألقي الكتاب، وأن لا أكمل حيث شعرت بقواعد إيماني تهتزُّ..
أنهيت الكتاب وكنت في قمَّة تخبُّطي.. أتساءل هل حقًّا أَنَّ الدِّيانات خرافات وَأَنَّ ٱلإِلٰه غير موجود.. وأصبحت أبحث عن شيء ينقذني من الـمأزق الَّذي أنا فيه..
وهنا وضعت هٰذِهِ البدهيَّات الَّتي لم يستطع هو أن يدحض أيًّا منها:
أَوَّلًا: عندما يقول الله تعالى في القرآن: {هل تعلمُ له سميًّا؟} يقصد أَنَّهُ لا يمكن أن تجد مخلوقًا في الكون اسمه الله سوى الله..
وَحَتَّى الـملحدين لم يتجرَّأ أحد منهم حَتَّى الآن أن يسمِّي نفسه أو ابنه "الله" ليثبت بطلان هٰذا التَّصريح.. فَلَو كان هٰؤُلاءِ الـملحدون مؤمنين بإلحادهم لتجرَّأ أحدهم وفعل هٰذا.. سبحان الله.
ثانيًا: الكون وُجِدَ صدفة.. والإنسان خُلق صدفة.. والقرآن كان صدفة، حيث استطاع النَّبيُّ أن يكتبه بطريقة لا يستطيع أحد تكرارها.." هٰذا لسان حال الـملحدين، وما أكثرهم في أيَّامنا..
الاحتمال أن يحدث كلُّ هٰذا صدفة، هو واحد على رقم لا يستطيع أن يدركه أكبر حاسوب.. أعتقد أَنَّ الصُّدفة الوحيدة في الـموضوع هو أن يكون عندك عقل وأن تؤمن حقًّا بِهٰذا الهراء..
قد ضرب العالم الرِّياضي والفلكي " كيولك لوزيو" الـمعروف الـمثل الآتي، يشبِّه فيها عمليَّة وجود الكون بالصُّدفة فقال: ”إِنَّ ظهور خليَّة حيَّة واحدة من طريق الـمصادفة يشبه ظهور طائرة بوينج 747 من طريق الـمصادفة، نتيجة لهبوب عاصفة على محلَّات لأدوات الخردة“.
ثالثًا: منذ 1400 عام، لم يستطع شخص أن يأتي بآية واحدة مثل القرآن.. وَهٰذِهِ لم يتطرَّق لها في كتابه عندما هاجم الإسلام، وَإِنَّما هاجم صحيح البخاري..
في النِّهاية كنت أتساءل: الـملحد عندما تضيق عليه الدُّنيا، كيف يخفِّف عن نفسه دون وجود الله.. من كثرة الضُّغوطلت أحيانًا، يكاد أحدنا تتبعثر حبَّات نفسه..
لٰكِنْ عندما يتذكَّر أَنَّهُ إن صبر فله أجر.. وَإِنَّ كلَّ ابتلاء لا بدَّ فيه خير له.. ينتفض وينهض من جديد وكأنَّ ما أصابه لسعة ذبابة.. الحمد لله على نعمة وجود الله..
تبيَّن في نهاية الكتاب أَنَّ للكاتب إِلٰهًا، وهو كما قال بصريح العبارة: "إِنَّ الصَّحيح والخطأ بِالنِّسْبَةِ لي هو ما أشعر أَنَّهُ صحيح أو خطأ"، قال تعالى:
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.
وَأَيْضًا تبيَّن أَنَّهُ يمارس اليوجا.. كان لا بدَّ له أن يجد إِلٰهًا وطقوسًا.. هٰكَذا نحن البشر.. حرِّيَّتنا ليست في أن نعبد أو لا نعبد، وَإِنَّما في اختيار ما نعبده..